علاء عبد الهادى يكتب: عالم بلا إعلام!

الأراضى الفلسطينية
الأراضى الفلسطينية

فى الوقت الذى تتعلق فيه كل العيون بشاشات الفضائيات، وشاشات المحمول تتابع تفاصيل الحرب الوحشية التى يقودها الكيان الإسرائيلى المغتصب والمحتل للأراضى الفلسطينية، هناك على الطرف الآخر من يقوم بتغطية الأحداث إعلاميًا تحت عنوان : الحرب على إسرائيل.. تخيل أن الـ CNN الأمريكية لم تر شيئا من كل مايحدث من مذابح راح ضحيتها حتى الآن ما يتجاوز 16 ألف شهيد مدنى أغلبهم من النساء والأطفال، وتدمير كامل لكل مقومات الحياة بفعل مئات الآلاف من الأطنان من المتفجرات التى حولت مبانى وشوارع غزة وبنيتها الأساسية الى ركام، لم تر من كل هذا غير ما فعلته حماس يوم 7 أكتوبر، ورددت نفس الرواية الإسرائيلية الكاذبة بأن حماس قطعت رءوس الأطفال واغتصبت النساء وتعاملت مع الأحداث وكأن التاريخ يبدأ من 7 أكتوبر 2023، وتناسوا أن هذا شعب يقبع تحت الاحتلال منذ عام 1948 وأنه يُمارس ضده أبشع أنواع التطهير العرقى التى حولت القطاع الى سجن كبير، لا يمتلك مقومات الحياة.. ما فعلته الـ CNN لم يكن استثناء بل الواقع يقول إن الإعلام الغربى قد تخلى عن كل قيم الحرية والنزاهة والحيادية التى صدعنا بها، والتى يتشح بردائها، وسقط فى فخ الانحياز الأعمى لإسرائيل، ولم يكن فقط منحازاً، لصالح الرواية الإسرائيلية، ولكن الأمر تجاوز ذلك الى مرحلة التحريض ومحاولة المشاركة فى تغييرالمجريات على الأرض.. ولكن السوشيال ميديا، ورغم محاولات التضييق عليها، ومحاولة العبث بـ«لوغريتماتها»، غيرت فى المعادلة المستقرة، وبدأت الرواية الحقيقية تتكشف للمواطن الغربى، ومع الأيام وجدت الحكومات الغربية نفسها فى أزمة حقيقية مع مواطنيها وشعوبها التى بدأت تتبنى رؤية أخرى جديدة لمجريات الصراع، انعكس ذلك فى خروج مظاهرات ضخمة فى أهم العواصم الغربية تطالب بوقف آلة القتل الإسرائيلية الممولة والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التى تدور فى فلكها.. وواحدة تلو الأخرى بدأت مؤسسات إعلامية كبرى تجد نفسها فى حرج وأنها شاركت وتشارك فى نشر أكاذيب الرواية الإسرائيلية.. وإذا كان هناك فائدة تُرجى من كل ما حدث، فهو أنه أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، بعد أن اعتقدنا أنها «ماتت وشبعت موت».

الأمر لم ينته عند هذا الحد بل إن أكثر من 750 صحفيًا من عشرات وسائل الإعلام الغربية قاموا بتوقيع خطاب مفتوح يدين قتل إسرائيل للصحفيين فى غزة وينتقد التغطية الإعلامية الغربية للحرب، منتقدين فى نفس الوقت اللغة «غير الإنسانية» التى تستخدمها تلك المؤسسات لتبرير ما تقوم به من تطهير عرقى للفلسطينيين.

نزعت الحرب على غزة شجرة التوت عن عورة الإعلام الغربى، وأظهرت حقيقته عاريًا منحازًا، الأمر بالنسبة لنا كعرب ليس جديدًا فقد اعتدنا الأمر، فرواية العرب عند الغرب دائمًا مكذوبة، ولكن كما قلت المتغير الجديد هو أن شجرة التوت سقطت أمام المتلقى الغربى.. 

ولكن هل سقطت شجرة التوت تلك عن الإعلام الغربى فقط ؟ 
وماذا يعنى الانحياز الإعلامى ؟
وما هو الفارق بين الإعلام والدعاية ؟
وهل هناك أصلًا إعلام غير منحاز؟
وهل الاستماع لرواية الطرف الآخر (إسرائيل مثلاً) يعد انحيازًا أو خيانة لأنك تشارك دون أن تدرى فى تمرير السردية الإسرائيلية للمتلقى العربى، أم أن هذه هى الموضوعية التى نطالب بها غيرنا وأولى بنا أن نطبقها على أنفسنا؟

الحرب على غزة ليست فى ساحات ولا شوارع القطاع فقط، ولكن رحاها تدور أيضًا عبر شاشات الفضائيات، وعبر شاشات المحمول، وربما بنفس القسوة التى تسقط بها آلاف الأطنان على البيوت والمستشفيات والمدارس وتقتل النساء والأطفال، هناك حرب لا تقل شراسة تدار عبر «غرف الأخبار» فى الفضائيات، التى تمرر هذا الخبر وتحجب تلك الصورة، كل ذلك من أجل تشكيل وعى المواطن الغربى.

لكل هذا كانت أهمية تنظيم «منتدى مصر للإعلام» فى نسخته الثانية خلال الأسبوع المنصرم، واختار القائمون على تنظيمه أن يعقدوه تحت عنوان إشكالى لافت يحمل فى طياته تساؤلات كثيرة، هو «عالم بلا إعلام».. ودارت أولى جلسات المنتدى الافتتاحية بعنوان: «تحت القصف.. الإعلام وسؤال المهنية».. الندوة تساءلت عن الحيادية،وهل التزم بها الإعلام الغربى فى تعامله مع الحرب على غزة؟ وكان هناك تساؤل منطقى عن كيفية تعامل الغرب مع الحرب الأوكرانية- الروسية، كيف تخلى عنها فى حالة غزة .

الندوة شهدت آراء متباينة، أكسبتها الحيوية، وأثرتها مداخلة حسام زملط السفير الفلـسـطـينى فى المملكة المتحدة الذى اتفقت الآراء المتشابكة على عبقريته فى مواجهة الإعلام الغربى،والذى أكد أن: «بعض وسائل الإعلام الغربية مارست اللوبى السياسى فى الحـرب على غـزة وخسرت جزءاً كبيرًا من مصداقيتها».

الندوة اشتعلت بسؤال وجهته له مديرة الندوة عن رأيه فى السؤال الذى كان افتتاحيًا فى كل اللقاءات التى أجرتها معه وسائل الإعلام الغربية: هل تدين ما فعلته حماس فى 7 أكتوبر؟! 

اجابة السفير يمكنك أن تستنتجها ولكن الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى أشعل النار عندما لم يعتبر إطلاق مثل هذا السؤال شكلا من أشكال التحيز الإعلامى الغربى، بل اعتبره سؤالًا تأسيسيًا، لا يجب أن ننزعج منه.. ولم يكتف بذلك بل ذهب الى ما هو أبعد بأننا لسنا نحن فى الإعلام العربى الذين سنعلم الإعلام الغربى ما هى الحيادية، «الأولى بنا أن ننظر إلى ذواتنا لنقوم من أنفسنا» !

وقبل هذا وذاك أكد أنه: «لايوجد فى الدنيا إعلام غير منحاز، وللحقيقة نحن لا نملك شجاعة محاسبة الإعلام الغربى على انحيازه فى تغطية الحرب على غزة». 

هل يكتفى إبراهيم عيسى؟!
بالطبع لا.. بل قال ما معناه أننا أنفسنا فى الإعلام العربى لم نمارس الحيادية التى ننشدها من الغرب،لأن أحدًا فى الإعلام العربى لم يجرؤ على طرح السؤال المنطقى حول فاتورة ما قامت به حماس،والتى سددها الآلاف من الفلسطينيين من دمائهم. 

الإعلامى المتوقد عمرو عبد الحميد الذى أُتيحت له تغطية كثير من الحروب، كان قادرًا على رصد التحيز بالتجربة العملية من خلال مقارنة موقف الغرب من حرب روسيا وأوكرانيا بما حدث فى الحرب على غزة.

الإعلامى الشاب أحمد الطاهرى رئيس قطاع القنوات الإخبارية فى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، كان عبقريًا عندما حذر من تورط فضائيات عربية فى تمرير السردية الإسرائيلية عبر شاشاتها، ووجدنا من يخرج على المشاهد العربى متحدثًا باسم جيش الدفاع الإسرائيلى، وهو فى حقيقته جيش الاحتلال الإسرائيلى.. فارق كبير .

المنتدى كان فرصة ذهبية لكل الإعلاميين من كل الأطياف للقاء والحوار وتبادل الآراء، ورفع الكفاءة بمعطيات وأدوات الإعلام الجديد. 
شكرًا للزميلة الإعلامية نهى النحاس رئيسة منتدى مصر للإعلام.