مصر والإمارات.. علاقات تاريخية متواصلة بين البلدين الشقيقين

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي
الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي

تزدخر العلاقات بين مصر والإمارات، دون توقف بين البلدين الشقيقين الذين تربطهما من العلاقة القوة والصلابة التي لم تتزحزح يومًا ما.

وتحتفل الإمارات، اليوم السبت 2 ديسمبر، بالعيد الوطني الـ52، لذكرى تأسيس الإمارات في عام 1971، تحت قيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وقبل أن تصبح العلاقات الإماراتية المصرية نموذجًا يحتذى به، مرت القاهرة وأبوظبي بمحطات تاريخية فارقة جعلت البلدين.

فكانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات في عام 1971، وسارعت للاعتراف بها، كما قام البلدين بتبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفارات، لتصبح البلدين منذ ذلك التاريخ وعلى مدى أكثر من 50 عامًا مصدر إلهامًا في الشراكة الاستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وكان المسؤولين في مصر والإمارات حرصوا على الزيارات المتبادلة، فقد جمع بين الزعيمين عبد الفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 40 لقاءً.

ارتفع عدد اللقاءات والقمم التي  اشترك بها الزعيمين السيسي ومحمد بن زايد خلال 9 سنوات لأكثر من 40 لقاء وقمة، بينها 5 لقاءات وقمم جمعتهما منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مقاليد الحكم في 14 مايو الماضي.
 
هذا بالإضافة إلى 13 لقاء قمة جمعت الزعيمين خلال عام 2022، التي كان آخرها قمة الأمم المتحدة للتغيرات المناخية cop 27 التي استضافتها مصر نوفمبر المنصرم في مدينة شرم الشيخ، وتتسلم الإمارات رأستها من مصر بـcop 28   الأمر الذي يبرز قوة العلاقات بين البلدين.

كما ألقت تلك القمم واللقاءات بظلالها على مستوى العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة لتنقلها إلى مراحل متقدمة، وهو ما أسهم في تعزيز حضورهما، كأحد أهم اللاعبين الأساسيين في المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

اقرأ أيضًا: القمة العالمية للحكومات: 176.79% نسبة الدين العام للناتج المحلي للدول العربية

محطات بارزة

كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971، وسارعت إلى الاعتراف به

وفي سنوات السبعينيات الأولى قامت القاهرة بدور كبير في دعم الإمارات دوليًا وإقليمًيا باعتبارها ركيزة للأمن والاستقرار وإضافة جديدة لقوة العرب.

وقد أهدى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرئيس الراحل محمد أنور السادات في زيارته له سنة 1971 وشاح آل نهيان تقديرًا لدوره في مساندة قيام الاتحاد.

وقدمت مصر دعمًا كبيرًا للإمارات في هذه المرحلة المبكرة من العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصًا مع بعثات المدرسين والمهندسين والأطباء التي استقبلتها الإمارات، فضلاً عن فتح مصر ذراعيها لاستقبال الطلاب الإماراتيين بحفاوة وترحاب.

وعقب قيام ثورة 30 يونيو عام 2013، دعا الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 28 سبتمبر من نفس العام، إلى تقديم الدعم للحكومة المصرية وللاقتصاد المصري بما يعزز مسيرتها نحو التقدم والازدهار، وهو ذات العام الذي شهد زيارته الهامة إلى مصر.

وبادرت دولة الإمارات في مساعدة مصر فضلاً عن الاشتراك في استثمارات كبرى لدعم الدولة، ولن ينسى التاريخ مقولة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم، خلال مشاركة في المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته مصر في مارس 2015، إذ قال "إن وقوفنا مع مصر في هذه الظروف ليس كرهًا في أحد ولكن حبًا في شعبها، وليس منّة على أحد بل واجب في حقها" مؤكدًا أن "دولة الإمارات ستبقى دائمًا مع مصر".

وفي نوفمبر 2019، قلد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، حينما كان آنذاك ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس عبدالفتاح السيسي"وسام زايد"  وهو أعلى وسام تقدمه دولة الإمارات لملوك الدول ورؤسائها وقادتها، وذلك تقديرًا لدوره البارز في دعم العلاقات الأخوية التاريخية الوثيقة.

الإمارات ثاني أكبر شريك عربي 

تميزت العلاقات الاقتصادية بين مصر والإمارات منذ البداية بمستوى عال من التنسيق والتعاون وهو ما تم تجسيده على أرض الواقع، بعدة أشكال من التبادل التجاري والاستثمارات والمشاريع المشتركة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والتصنيع والملاحة البحرية والنقل وغيرها من القطاعات.

وتمثل الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، كما تعد أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي.

وتعد القاهرة خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة غير النفطية وتستحوذ على 7% من إجمالي تجارتها غير النفطية مع الدول العربية، وذلك بحسب ما أفادت به الهيئة العامة للاستعلامات على موقعها الرسمي في تقرير عن العلاقات المصرية الإماراتية.

تعمل أكثر من 1250 شركة إماراتية في مصر في مشاريع واستثمارات تشمل مختلف قطاعات الجملة والتجزئة والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي.

تستثمر الشركات المصرية بأكثر من 4 مليارات درهم في الأسواق الإماراتية وتشمل مشاريعها كذلك القطاع العقاري والمالي والإنشاءات وتجارة الجملة والتجزئة .

وتمثل الإمارات الشريك التجاري الثاني عربيًا والتاسع عالميًا لمصر وذلك بعد تضاعف التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين 4 أضعاف خلال السنوات 2010 -2019 .

ليبلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية المباشرة في مصر نحو 15 مليار دولار بينما بلغت استثمارات مصر بالإمارات، أكثر من مليار دولار .

وفي المقابل لعبت الخبرات الفنية والعمالة المصرية دورا مؤثرا في مسيرة التنمية التي انطلقت في الإمارات منذ عام 1971، وبلغ عدد العاملين المصريين في الإمارات سنة 1975 ما يقارب 12500 أي ما يعادل 2،3 % من نسبتهم في الخارج آنذاك، ليرتفع العدد في السنة اللاحقة ليصل إلى ما يقارب 22000 في العام 1980 بنسبة زيادة بلغت نحو 80 %.

علاقات ما قبل التأسيس 

هذا بخلاف العلاقة الوثيقة التي جمعت مصر والإمارات، قبل تأسيس اتحاد الإمارات العربية، والتي تمتد بجذورها قبل عام 1971، لتعكس عمق ما يجمعهما من قيم مشتركة وأواصر الأخوة والصداقة الراسخة .

فقد أسهمت البعثات التعليمية والطبية منتصف القرن الماضي، والتي جاءت من مصر إلى الإمارات في نشر التعليم النظامي الحديث وتطوير المجال الصحي في الإمارات .

خلال مرحلة الستينات وقبل تأسيس الاتحاد، كانت هناك بعثات تضم طلابًا من أبناء الإمارات للدراسة في مصر.

ففي عام 1964، كان من بين مجموعة المبتعثين الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

كما شهدت إمارة الشارقة في منتصف خمسينات القرن الماضي وصول أول طلائع المدرسين المصريين إليها، والذين بلغ عددهم في مدرسة القاسمية وحدها بين عامي 1955 - 1959 ما يقارب 12 مدرسًا، فيما سجل وصول أول بعثات المدرسين إلى إماراتي أبوظبي ودبي في العام 1960، ليتوالى من بعدها وصولهم إلى بقية الإمارات الأخرى.

واستمر وصول المدرسين المصريين إلى الإمارات بعد تأسيس الاتحاد سنة 1971 وبدأت أعدادهم تتزايد بشكل ملحوظ، كما شكلت الجامعات والمعاهد المصرية في تلك الفترة أحد أكثر وجهات الابتعاث التي يفضلها الطلبة الإماراتيين الراغبين في متابعة تحصيلهم العلمي العالي، ففي عام 1977 وصل عدد  الطلاب أبناء الإمارات إلى ما يزيد عن 500 طالب وطالبة بمختلف الاختصاصات.