بعد أن تضع الحرب أوزارها .. العودة لغزة فى مقدمة تحديات السلطة

غزة تنتظر مصيرًا مجهولاً عقب الحرب الإسرائيلية على القطاع
غزة تنتظر مصيرًا مجهولاً عقب الحرب الإسرائيلية على القطاع

تسير بعض الدول الغربية وفى القلب منها أمريكا المعنية بالملف الفلسطينى عكس التيار فهناك اهتمام ملحوظ بالوضع فى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وسط سيل من السيناريوهات المطروحة على الرغم من أن المهام العاجلة تتلخص فى وقف العدوان الإسرائيلى الذى اقترب من شهره الثالث لم تستمر فيه الهدنة سوى  أيام معدودة وتوصيل المساعدات الإنسانية للملايين من الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم وسط عودة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة بشكل أكثر ضراوة كما حدث منذ أول أمس الجمعة مع أول ساعات من نهاية الهدنة وإمكانية امتداد المواجهات إلى الضفة فى ظل تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمدن والبلدات وزيادة عدد الأسرى وكذلك إلى القدس عملية الخميس الماضى مثال على إمكانية التوسع الى حرب إقليمية بدخول أطراف أخرى إليها.      

وحقيقة الأمر أن كل ما جرى فى السابع من أكتوبر الماضى يمثل زلزالاً حقيقيًا ويخلق واقعًا مختلفًا فى المنطقة عن ما قبله  خاصة أن تل أبيب مازالت محكومة بأهداف منها استعادة نظرية الأمن والردع والتى أصابتها عملية طوفان الأقصى فى الصميم كما أن عدم استرجاع البيئة القوية سيعنى أن مشروع الدولة الصهيونية كملاذ آمن ليهود العالم انتهى وفقد معناه ووجوده ومعها اعتبار إسرائيل شرطيًا للمنطقة كما ان قادة تل ابيب مسكونون بالفشل فى الرد كما أن الاستجابة لشروط المقاومة يعنى تجرؤها عليهم مما يعنى بدء العد العكسى للاحتلال ويأتى ذلك فى ظل شبه اجماع حكومى وشعبى على الانتقام من حماس وانهائها وكذلك انهاء تهديداتها لمستوطنات غلاف غزة كما أن نتنياهو وحزب الليكود يشهد تراجعًا شديدًا فى شعبيته ويرى فى استمرار الحرب ترميمًا لصورته أمام الرأى العام مع سعيه لتحقيق شبه انتصار ومحاولة إنهاء التململ داخل التحالف الداعم لتل ابيب كما يرغب نتنياهو فى تحقيق إنجاز سريع لتفادى تزايد الخسائر البشرية فى صفوف الجيش والتكلفة الاقتصادية العالية للحرب بعد استدعاء الاحتياط وتوقف السياحة وتعطل الإنتاج فى العديد من المرافق ناهيك عن ضغوط أسر الأسرى والمحتجزين 

والغريب فى الأمر أن كل سيناريوهات أمريكا ودول الغرب تركز على فرضية من الصعب أن تكون واقعًا حتى على المدى القريب وهو  القضاء على المقاومة وفى القلب منها حماس رغم أن وقائع الشهرين الماضيين تكشف عن رهان حماس الصحيح  على قدرتها وجاهزيتها لمعركة طويلة اعتماد على وجود الآلاف من المقاتلين على مستوى تدريبى عال وتقدر بعض التقارير عددهم ب ٦٠ ألف مقاتل لم تستطع كل آلة الحرب الإسرائيلية النيل منها بشكل كامل  بالإضافة أنها لا تملك أى خيار آخر سوى المقاومة خاصة فى ظل إيقاعها بخسائر نوعية فى القوات الإسرائيلية خلال ٥٠  يومًا وتمكنت من إطلاق الصواريخ على معظم مناطق اسرائيل كما أنها تملك ورقة الأسرى التى تدرك حساسيتها الشديدة لدى الشارع الإسرائيلى الذى ضغط على حكومته وأجبرها على الدخول فى صفقة التبادل التى جاءت فى مجملها فى صالح المقاومة على أكثر من صعيد فلسطينى بعد زيادة شعبيتها فى أرجاء فلسطين خاصة أن اختيار قوائم المفرج عنهم شملت كل المناطق وكل التيارات السياسية  وإعلامى بضرب الدعاية الغربية والإسرائيلية السوداء ضدها فى مقتل 

ومع كل ذلك دعونا فى هذا التقرير نرصد ونناقش السيناريوهات المطروحة من الجهات الفاعلة لشكل غزة وإدارة الحكم فيها بعد انتهاء العدوان لنجد أن هناك عدداً من السيناريوهات وهى كالتالى : 

اولا : السيناريو الإسرائيلى والتى ترى أن النصر الحقيقى لن يتحقق فقط بتدمير البنية التحتية لحماس بل بتنفيذ الرؤية المتكاملة لما بعد الحرب من إجراءات سياسية بما يعنى تبديل شكل الحكم فى القطاع بل وتغيير ديمغرافيته وجغرافيته بحيث ينتفى أى خطر منه على أمن إسرائيل ومستوطناتها الجنوبية وهى تطرح لذلك عدة بدائل منها تثبيت إدارة محلية فى غزة لفترة قد تصل إلى عامين وستكون من اختيار السكان مع ضمان ولاء هذه الإدارة المدنية للاحتلال وسيكون متاحًا للجيش وقوات الأمن الإسرائيلية دخول القطاع والتدخل السريع لإحباط أى تهديد منه على غرار ماهو موجود فى الضفة منذ ١٩٩٤ مع تقسيم القطاع إلى أربع مناطق وإقامة حكم ذاتى ويستلزم ذلك إقامة مناطق عازلة قد تمتد  لعدة كيلو مترات وتكون مكملة للمستوطنات فى غلاف غزة مما يعيد الأمور إلى ما كانت عليها قبل خطة فك الارتباط  فى أغسطس ٢٠٠٥

ثانيا : الرؤية الأمريكية والاوربية وهى مع رفض وجود عسكرى إسرائيلى فى الضفة ومع تأييد إدارة السلطة للقطاع بعد عودتها وقد تم طرح الفكرة  فى لقاءات الرئيس محمود عباس مع الرئيس الفرنسى ماكرون ووزير الخارجية الأمريكى  بلينكن ناهيك عن تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى جون كيربى بأن السلطة تتمتع  بشرعية وشعبية داخلية وهى التى ستدير القطاع بعد القضاء على حماس بتأييد ودعم دولى وهو نفس ما صرحت به جوزيب بوريل مسئول الشئون الخارجية للاتحاد الاوربى فى زيارتها للمنطقة مع الحاجة إلى قيادة جديدة حتى لو احتفظ أبو مازن بمنصب فخرى كما تطالب تلك الرؤية بإصلاح السلطة الفلسطينية بهدف تعزيز ثقة الفلسطينيين فيها مع دعم واسع من الجهات المانحة الدولية بهدف بسط سلطتها على غزة خاصة وأنها تعانى من العديد من أوجه الضعف والقصور على نحو لا يؤهلها لتحمل مسئوليات إضافية

وتعانى الرؤية الغربية من عاملين اثنين يمكنهما أن يمثلا عائقًا مهمًا أمام تحقيقهما على أرض الواقع وهما كالتالى :
الأول : رفض إسرائيلى لمثل هذا الطرح وبعد السابع من أكتوبر تسرب وثيقة الاستخبارات الإسرائيلية التى كشفت فيه  أن دخول السلطة إلى غزة هو البديل الأخطر من بين بدائل مطروحة ولأنه يوفر أرضية مناسبة لحل الدولتين من خلال استعادة الوحدة بين الضفة الغربية وغزة وهو أمر مرفوض من كل النخب السياسية والتيارات السياسية فى إسرائيل كما أنها من أكبر المستفيدين من استمرار الانقسام الفلسطينى بين القطاع وغزة فهى على الأقل تدعى من عدم وجود شريك لها فى عملية السلام رغم أنها ليست فى وارد  البحث فيها على أى مستوى  ويأتى فى هذا الإطار هجوم نتنياهو على الرئيس الفلسطينى محمود عباس لأنه - حسب قوله - لم يقم بإدانة حماس على ماقامت به  فى السابع من أكتوبر ولم تتبرأ السلطة من الإرهاب على حد قوله وأكد أن الإدارة المرتقبة فى القطاع  لن تكون فى يد السلطة والتى لم ترب أبناء أولادها على عدم كراهية إسرائيل وردت السلطة عبر تصريحات من رئيس الوزراء اشتيه ونبيل أبو ردينة وحسين الشيخ بأن منظمة التحرير هى الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى ومن جهة أخرى فإن إسرائيل قد تكون مستفيدة من حالة الانقسام فى الادعاء بعدم وجود شريك سلام فى أي تسوية مقبلة   

 الثانى : تحفظ واشتراطات فلسطينية ظهر فى موقف السلطة الفلسطينية الرافض لقبولها لعب أى دور فى قطاع غزة إلا فى إطار تسوية شاملة تشمل الضفة والقطاع والقدس الشرقية  وهو ما قاله الرئيس الفلسطينى محمود عباس صراحة وقال ( قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين وسنتحمل مسئوليتنا كاملة فى إطار حل سياسى شامل على كل الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة ) ويذكر فى هذا  الشأن أنها رفضت اقتطاع مخصصات القطاع من عوائد الضرائب التى تنقلها لها إسرائيل وأكدت أنها ستقتسم مع غزة ما يصل إليها حتى ولو شيكل واحد ورغم ذلك فهناك أوساط فلسطينية تعاملت مع تلك التصريحات على أنها  غير موفقة تمامًا وتمثل خطأ سياسيًا وكان عليها رفض أى تصريحات من قبل قادة إسرائيل ومنهم نتنياهو ودول معنية بالملف والتأكيد على أن الشعب الفلسطينى هو  صاحب الحق الوحيد فى تحدد هوية سلطته وحكومته فى الضفة والقطاع يضاف إلى ذلك أن عودتها خارج هذا الاتفاق سيساهم فى ضعفها والنيل من شرعيتها خاصة أنه سيتم النظر إليها أنها تعود على ظهر دبابة إسرائيلية فى مقابل  ارتفاع شعبية المقاومة على حساب السلطة خاصة بعد السابع من أكتوبر الماضى  من خلال دور كل منهما الأولى قوة مواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلى نجحت فى إدارة الأزمة وساهمت فى تحريك الاهتمام الدولى بالقضية الفلسطينية كما كانت وراء اتمام الاتفاق الخاص بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين ومازالت على موقفها من تصفير السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين فى مقابل  اعتقاد واسع لدى قطاعات من الفلسطينيين بوجود تبادل للمعلومات وتعاون وثيق بينهما فى اطار الاتفاق الامنى بين السلطة وإسرائيل . ولعل الغريب فى كل السيناريوهات والطرح السابق يغفل حقيقة وجود رؤى أخرى قد تكون أقرب للواقع خاصة ومنها عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام ٢٠٠٦ مع تطويره  وفقًا لما جرى طوال هذه الفترة ويمكن أن نطلق عليه سيناريو الإدارة المشتركة يقوم على أساس تقاسم المسئوليات بين السلطة وحماس تتولى الأولى الجوانب المدنية والإعمار وحماس الجوانب الأمنية خاصة وأنه نقل عن زعيم حماس فى غزة يحيى السنوار  موافقته على فكرة توزيع المسئولية على أساس أن ما فوق الأرض للسلطة وما تحته لحماس فى ظل رفضه التام لفكرة مناقشة القدرات العسكرية لحماس باعتبارها خطًا أحمر
يضاف إلى ذلك وجود تحرك ملفت للغاية وهو ظهور القيادى الفلسطينى  محمد دحلان فى المشهد السياسى فلسطينيًا ودوليًا وهو أحد قيادات فتح ومؤسس تيار الإصلاح داخلها بعد خلاف مع السلطة  وهو ابن قطاع غزة فى اطلالته على أكثر من وسيلة إعلامية غربية  كرر  محمد دحلان خلالها جميعًا إدانته لعدوان إسرائيل وأعلن دعمه لعملية طوفان الأقصى ووضعها فى سياق انسداد أفق الحل السياسى للقضية الفلسطينية وحصار القطاع وحمل واشنطن مسئولية ما يجرى باعتبارها القادرة وحدها على الضغط على إسرائيل يضاف إلى ذلك اطلالة سمير المشهراوى نائب محمد دحلان  من قناة الجزيرة ولقاءاته ومعه ناصر القدرة وهو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وتم إقالته لخلافات مع قيادات الحركة  مع قيادات حماس إسماعيل هنية وخالد مشعل فى الدوحة وقد يكون البحث يدور حول تقديم طرح سياسى مشترك للمرحلة القادمة وحقيقة الأمر أن حماس قد تحتاج إلى شريك بوزن دحلان بما يمثل من شبكة علاقات دولية وعربية وقد يحتاج دحلان إلى حاضنة شعبية توفرها له حماس وفى إطار المطالب الدولية بتغيير جذرى فى القيادة الفلسطينية فقد يكون محمد دحلان ومعه مروان البرغوثى بعد الإفراج عنه فى صفقة تبييض السجون الإسرائيلية شخصيات قد يكون لها دور فى المرحلة القادمة خاصة فى ظل الاجماع الفلسطينى على شخصه وقيادته للانتفاضة الثانية عام ٢٠٢٠  ومن يومها وهو مازال فى سجون الاحتلال.