الرائدة الاجتماعية كرستين عطية: الأطفال يمكنهم التعاون ليأخذ ذو الإعاقة حقه بدلاً من «تكسير مجاديفه»

وزارة التضامن الاجتماعى حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء
وزارة التضامن الاجتماعى حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء

 أطلقت وزارة التضامن الاجتماعى حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، تحت شعار « العنف يبدأ بفكرة..بالوعى نقدر نغلبها»، حيث تستمر الحملة حتى العاشر من ديسمبر الجارى، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمى لحقوق الإنسان الذى يوافق 10 ديسمبر من كل عام، وينفذ الحملة برنامج «وعى للتنمية المجتمعية»، بالمشاركة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى والاتحاد الأوروبى، والوكالة الألمانية للتعاون الدولى «جى آى زد».

كرستين عطية، واحدة من الرائدات الاجتماعيات بإدارة أوسيم الاجتماعية، بمحافظة الجيزة، أراد الله لها أن تكون أما لطفل من ذوى الإعاقة، فأصبحت رسالتها توعية الأسر بالكشف المبكر عن الإعاقة، ومساعدة أسر ذوى الإعاقة ليحصلوا على حقوق أطفالهم.

كرستين ترى أن الأطفال يمكنهم أن يساعدوا بعضهم البعض، ليأخذ ذو الإعاقة حقه، بدلا من «تكسير مجاديفه».

«زواج صاحب الإعاقة من قريبته خطأ»

منذ بدأت كرستين عملها كرائدة اجتماعية، أخذت على عاتقها توعية الأسر بقضايا الإعاقة وحقوق أصحاب الإعاقة، وبالممارسات التى يجب تجنبها حتى لا تزيد نسب الإعاقة فى أسر بعينها، كما لاحظت كرستين.

«الاكتشاف المبكر للإعاقة دى الرسالة اللى بتمسنى شخصيا، وأول موضوع بحب أتكلم عنه لما بنظم ندوة للأسر، وكمان بأكد على ازاى ممكن نتجنب الإعاقة الناتجة عن زواج الأقارب، خاصة عندما يكون فى الأسرة أو فى العائلة، طفل من ذوى الإعاقة، بأقول للأسر مينفعش يبقى ابنى من ذوى الإعاقة، وأقول لازم أجوزه لما يكبر بنت أختى أو بنت عمه، عشان دى قريبته وهى اللى هتشيله وتتحمله، ده فكر غلط، لأن ده معناه إنى بزود فرصة إن ولاده يبقوا من أصحاب الإعاقة، وده منتشر عندنا فى أسر كتير، وبانصح الحامل بإنها لازم تتابع الحمل، وتشوف الأشعة فى الشهر الرابع للكشف عن الإعاقة، ولازم الطفل يتكشف عليه كويس بعد الولادة، عشان لو عنده إعاقة، نبدأ العلاج من بدرى، فتكون الحالة أحسن».

الرائدة يمكنها أن تكمل تعليمها

قبل أربع سنوات أصبحت كرستين رائدة اجتماعية، بإدارة أوسيم الاجتماعية، بعد أن كانت قبلها متطوعة للعمل فى الوحدة الاجتماعية لمساعدة كل من يحتاج المشورة والمعاونة، وتدرس الآن بالسنة النهائية بكلية التربية، إلى جانب حصولها على دبلومتين فى التخاطب وتنمية المهارات، وهى معلمة فى نادى المعاقين ومؤسسة جمعية «مع بعض أقوى» لذوى الإعاقة.

تزوجت كرستين بعد أن حصلت على الثانوية العامة عام 2006، وكانت تنوى أن تكمل تعليمها الجامعى، لكن أراد الله أن يكون طفلها الأول من ذوى الإعاقة الحركية، وكان عليها أن تصطحبه للعلاج الطبيعى بالمعهد القومى للجهاز الحركى العصبى بإمبابة «معهد شلل الأطفال» لثلاثة أيام أسبوعيا.

الآن أصبح الابن الثانى لكرستين هو من يساعد أخاه فى الذهاب للعلاج الطبيعى وللمدرسة مع والدهما، لدى كرستين ثلاثة أبناء ذكور وبنت، الأول بالصف الأول الثانوى، والثانى بالثانى الإعدادى، والثالث بالرابع الابتدائى والصغيرة بالأول الابتدائى.

«بعدما التحقت أصغر أبنائى بالمدرسة، شعرت أنه يمكننى أن ألتحق بالجامعة لأكمل تعليمى، خاصة أن زوجى وحماتى يساعدانى طوال الوقت، وأيضا التحقت بالعمل كرائدة اجتماعية، لتأخذ مساعدتى للناس شكلا رسميا».

زوج كرستين صاحب ورشة خشب كبيرة لها سمعتها، وورث المهنة أبا عن جد، ويشجعها على الذهاب للجامعة، وكثيرا ما يوصلها بسيارته، وهو قريب كرستين، وقد علما من تحليل الجينات بعد أن رزقا ب«جرجس»، أن القرابة سبب الإعاقة.

«كنت مرعوبة لما عرفت أنى سأنجب ثانية، لكنى كنت أتابع مع الطبيب، وكنت أواظب على الأدوية التى تقى من تشوهات الأجنة، وقبل كل ده كنت بصلى وأقول: يارب عوضني».

«العلاج البدرى بيفرق كتير»

اكتشفت كرستين أن طفلها لديه إعاقة حركية فى قدميه وظهره، فى سن العام،»بقول للأمهات إن الطفل اللى مش بيقف كويس أو عنده تقوس ممكن يكون بسبب نقص الكالسيوم، ولازم الكشف بسرعة، والعلاج البدرى بيفرق كتير، متسكتوش على أى حاجة مش طبيعية عند طفلك، لو الطفل مش بيرضع كويس متسكتوش والطفل اللى دماغه كبيرة عن جسمة متسكتوش لو مش بيتقلب كويس بقولهم يركزوا على الطفل من أول ما يتولد». لا تتوانى كرستين عن تزويد معلوماتها عن الإعاقة، وتحرص على المشاركة فى الدورات التدريبية التى ينظمها برنامج وعى للتنمية المجتمعية بوزارة التضامن الاجتماعى، لتزيد معلوماتها الصحيحة عن الإعاقة، «كتير باعرف نوع الإعاقة بمجرد ما أبص للطفل، وبعرف إذا كانت ذهنية أو حركية، أو الطفل من متلازمة داون أو غيرها من الإعاقات، لكن برشد الأم ترجع للطبيب».

«بقوا بيحسدونى على نعمة جرجس»

تعرف كرستين كل الأشخاص ذوى الإعاقة فى قريتها، إحدى السيدات تركها زوجها مع ابنتيها وولديها بعدما تأكد من التحليلات الطبية أن كل إنجابها من الذكور سيكون مصابا بمرض ضمور العضلات، والابنتان تجاوزتا العشرين عاما وأصبح أملهما صغيرا فى الزواج بعدما علم أهل القرية بمشكلة وراثة الإعاقة، « أحد الولدين وصل الضمور لعضلة القلب، وعندما علم بالأمر قال لوالدته: عالجى أخويا، أنا كده كده ميت، بس أنا عايز أتفسح وأشوف الدنيا».
تعرضت كرستين - مثل كثير من أمهات الأشخاص ذوى الإعاقة، لكلام جارح يحمّل الأم-وليس الأب- دائما مسئولية إعاقة الابن، «للأسف ده بيحصل لدى مختلف المستويات التعليمية والاجتماعية، لكن دلوقت بقوا بيحسدونى على نعمة جرجس، يقولوا ده هدية من ربنا، بعدما حصل على مجموع كبير فى الإعدادية، أهله للالتحاق بالثانوى العام، وبعدما كرّمه وزير الشباب والرياضة، وعندما رشح للسفر لألمانيا ضمن منتخب كرة البوتشي».

يلعب جرجس ضمن فرق الأشخاص ذوى الإعاقة بنادى أوسيم الرياضى التابع لوزارة الشباب والرياضة، وقد ساعدت كرستين ابنها على ممارسة الرياضة، لتقوية عضلات اليدين، وتشجعه على مساعدة زملائه من الفتيات والفتيان بالنادى على إحراز التقدم فى اللعب، ومنهم زميلته التى تشارك فى مسابقات العدو لأن إعاقتها فى يديها، وزميل آخر يترك له أحيانا جرجس كرسيه المتحرك ليستخدمه، فكرسى جرجس صغير الحجم وسريع، ويبقى هو فى غرفته، من أجل أن يكسب زميله فى الجرى».

فخورة كرستين بما وصل إليه ابنها الكبير، قائلة: «أنا مبسوطة إنه وصل لمكانة كويسة، بقى فى أولى ثانوى وكمان معاه ميداليتان ذهبيتان، ممكن الناس تشوف ده حاجة عادية، لكن أنا شايفاها حاجة كبيرة، هو دلوقت اللى بيساعد الناس، وهو اللى شجعنى أسس الجمعية، ولما كان يلاحظ إن فيه ولد من اللى بياخد علاج طبيعى معاه غاب، يطلب منى نزوره، رغم إن كل مانعرفه عن الطفل أنه يأتى لجلسة العلاج الطبيعى مثلنا».

جلسات العلاج الطبيعى علمت وشجعت كرستين على مساعدة الآخرين، كانت إحدى السيدات اللاتى أتين لجلسة العلاج تطلب من كرستين أن تساعدها فى الدخول لدورة المياه، وكان ابن كرستين يشجعها ويقول لها: لاتخافى عليّ اتركينى وساعديها، أنا قاعد هنا».

صداقات جلسات العلاج تدوم طويلا، «إحدى الأمهات وتعمل فى مجلس المدينة عندنا، توفى ابنها منذ خمس سنوات، لازالت تأتى لتسأل على جرجس وتأتى له بهدية كلما نجح فى الامتحان، لأن ابنها إياد كان يلعب مع جرجس ويحبه».

«ساعدوا الأسرة بدل ما تكسروا مجاديفها»

تركز كرستين فى ندواتها على توعية الأسر بأن أسرة الطفل ذى الإعاقة فى حاجة لمن يساعدها، خاصة الأمهات لأنها تتحمل الكثير، وتحتاج للتشجيع لتكمل رحلتها مع ابنها أو ابنتها، وليس إلى تحميلها فوق طاقتها أو إشعارها بأنه لا جدوى مما تقوم به.

«فى ناس كتير بتحاول تكسر مجاديف أمهات الأطفال ذوى الإعاقة، وتقول لهم يعنى السليم بيتعلم أو هيلاقى شغل، لما المعاق هيتعلم أو يشتغل، لكن أنا باشجع الأمهات وبأقول لهم ده حق الابن والابنة ومينفعش نفرط فيه، وكمان باشجع الأطفال على مساعدة زميلهم من ذوى الإعاقة، عشان ياخذ حقه، مش يبصوا له باستغراب أو يحسوا إنه مش زيهم ، ومش هنسى يوم ما ابنى كان عنده امتحان ولقى لجنته فى الدور الخامس فى المدرسة، فزملاؤه شالوه وطلعوا بيه عشان يمتحن وينجح زيهم».

تعلمت كرستين من تجربتها مع ابنها أن تطلب حقه فى الإتاحة، حتى إن كان هذا الحق غير منصوص عليه فى اللوائح، كأن تطلب أن يكون فصل ابنها فى المدرسة فى الطابق الأول، وكذلك لجنة امتحانه، ولم يكن هذا بالأمر السهل.

«المفروض التسهيلات دى تعملها المدرسة أو الأخصائيون، لكن أحيانا كنت لما أطالب بالتسهيلات دى ألاقى مقاومة من البعض، ويعتبروا طلبى تدخلا فى شئون المدرسة، لكن بانصح كل أمهات الأطفال ذوى الإعاقة إنها تطالب بحق الابن فى الدمج وفى الإتاحة على قد ما تقدر».