«وقائع خيانة» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين

محمد محي الدين أبوبيه
محمد محي الدين أبوبيه

عندما كنت في الثانوي استأمنني زميل لي من البلدة على سر غرامه بابنة أحد أبناء البلدة تدرس في الثانوي الفني، ويخرجان معا قبل العودة إلى البلدة، حيث كانت المدرستين بالمدينة

وإلى أن يأتي الأتوبيس الذي ينقلنا للبلدة كان يلتقي بها وباح لي بسره بعدما سألته عن سر غيابه عدة مرات.. وأخذ يستحلفني بألّا أقول لأحد.

لكني لم أتمهل لعدة أيام وقد فلت لساني لأحد إخوانها بما يحدث..أيضاً أدخلت بعض التفاصيل من عندياتي مثل أنهما يذهبان للسينما وأيضا بأنه يكتب لها أشعار ويرسلها إليها في الكتب والكراريس وأنه يحكي لكل الأولاد في المدرسة عن غرامها به وهي التي بدأت القصة معه.

كانت الشعلة التي لم تنطفئ بين العائلتين بعد أن قام إخوانها بترقبه واختطافه وضربه ضرباً مبرحاً أمام الناس عند محطة الأتوبيس.

كانت نتيجة ذلك أن تجمعت العائلتان للعراك وكادت أن تصل للقتل لولا تدخل العقلاء أما زميلي فقد انهار وتغيب عن المدرسة بعد إهانته أمام الجميع ولم يدخل امتحانات آخر العام، ولم أدر ما حدث له بعد ذلك فلقد ذهبت أنا بعدها إلى الجامعة بالمدينة وانقطعت الأخبار عني، والأهم أني لم أهتم حتى بالسؤال عنه وعن مصيره حتى الآن .. وكلما تذكرت الواقعة ينتابني شعور بالخسة والندالة ولكنه شعور عابر لا يتعدي لحظات....

  التحقت بكلية الحقوق بعد حصولي على الثانوي وكانت رغبة أبي الذي تولى عمودية بلدتنا بعد جدي أن أصبح وكيلاً للنائب العام لذلك رفض دخولي كلية الهندسة وفضل عليها الحقوق رغم حصولي على مجموع يؤهلني لدخول الهندسة

وقرر والدي ألّا أرجع البلدة مرة أخرى ونقل معيشتنا إلى المدينة حتى يتحقق الحلم وهو أن أسلك القضاء بدرجاته. 

أقبلت على دراسة القانون كالمجنون التهمت كل الكتب التهاما وحصلت في كل السنوات الثلاث الأولى تقديرات عالية.

 ولكن ما نغص عليّ فرحتي هو وجود( سالم ) زميل الدفعة وهو من نفس بلدتي لم أتعرف عليه عن قرب إلا في الكلية فهو الأول قبلي دائما واعتبرته العائق أمامي لدخول القضاء

 في إحدى جلساتنا معاً تدرج الحديث عن أحداث ٨١ ومقتل السادات وما عاصرها من أحداث ومحاولة بعض أفراد الجماعات الإسلامية وقتها الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط وفي معرض الحديث قال سالم أن أحد أخواله الساكنين بمدينة القوصية بأسيوط كان مع المجموعة التي حاولت اقتحام مديرية أمن أسيوط وقلب نظام الحكم وهو الآن مسجون في ليمان أبي زعبل

...سجلت المعلومة بذاكرتي واختذلتها لوقتها المحدد وهو قبل التقدم لامتحانات النيابة وأخرجتها لأبي الذي قام بدوره تماما حيث بعث بورقة صغيرة بها المعلومة لأمن الدولة

 وحدث ما هو متوقع فقد تم رفضه من امتحانات النيابة وأصبحت أنا المرشح الوحيد عن الدفعة بنفوذ عائلتي و تقديراتي التي لا تضاهيها تقديرات أخرى ..وأصبحت وكيلاً للنائب العام..

..أما سالم فتلقفته المعتقلات إلى أن خرج وأصبح أحد كبار محامي الجماعات الإسلامية وذاع صيته...لدرجة أني أعتقد أن خياناتي له سبب ما هو فيه من صيت وغنى مما يخفف عني إحساسي بأي ذنب، ولم نتقابل بعدها ولكني أعتقد أنه يتذكرني بكل خير.

أذكر تلك الوقائع لأدق ناقوس الخطر قبل أن تنزلق رجلي في مغامرة خيانة جديدة وهذه المرة قد تهز أركان حياتي الأسرية...أعتقد أنك فهمت قصدي..