أمس واليوم وغدًا

عصام السباعي يكتب: مسار جديد للحرب والسلام

عصام السباعي
عصام السباعي

المؤكد أن الصراع العربي الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة من بعد السابع من أكتوبر 2023، وتلك الضربة القاضية التى وجهها الشعب الفلسطينى وفصائل المقاومة للاحتلال الإسرائيلى على أرض المعركة فى جبهة غزة، وبرغم كل الوحشية وجرائم الحرب التى ارتكبها الاحتلال بدم بارد، نجح الشعب الفلسطينى ورجال المقاومة فى فرض كلمتهم وشروطهم، وهو ما ظهر فى الهدنة التى تم التوصل إليها، كان الثمن كبيرا، ولكن الهدف كان ثمينا ومتغيراً وغاليا فارقاً فى الصراع المسلح وآفاق الحلول السلمية له بعد عقود طويلة من الحوار فى ميادين الحرب أو على طاولات الاجتماعات، وكذلك مدى التأثير السلبى أو الإيجابى للبيئة الحاضنة للصراع سواء على المستويين الإقليمى أو الدولي.

النتيجة الأولى، التى يجب أن نبدأ منها هى تلك الهزيمة النكراء، والصفعة القوية والمؤلمة التى تلقتها أقفية قادة جيش الاحتلال، الذين ظهروا فى حجمهم الطبيعى برغم ترسانة الأسلحة التى يمتلكونها، والدعم غير المحدود من الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أنها سوف تمثل بداية مرحلة جديدة للمقاومة، بحيث تكون المواجهة فى الداخل الإسرائيلي، الغريب أن هؤلاء الفشلة استمروا فى إدارة أمور الجيش الذى لا يقهر والحكومة الإسرائيلية التى هى محل شك، فغرقوا فى وحل الخطيئة، وارتكبوا كما الخنزير الهائج، العديد من جرائم الحرب، وضيعوا عشرات الأرواح من جنودهم، ووسعوا من عمق جراح وكرامة ذلك الجيش الذى يمتلك أحدث الأسلحة، ويفتقد أبسطها، وهو الإنسانية، لدرجة تجعل أحد ضباطهم يوثق عبر الفيديو هدية عيد ميلاد ابنته الثاني، بتفجير منزل لأحد الفلسطينيين فى غزة، وآخر يفجر الفلسطينيين ويحصل على قلادة عروس فلسطينية استشهدت، ويهديها لزوجته، وكأننا أمام عصابة مسلحة وضيعة، وليس جيشا محترما، وكم كان انتقام الرب هائلا من هؤلاء الخطاة خونة العهد ومرتكبى الحرام، وكما جاء فى «يوشع» لم يثبتوا فى القتال، بل «أداروا قفاهم أمام أعدائهم»، وبالمناسبة فبحسب كلام الرب، فهم أهل الشر، ولذلك ليس من الغريب أن تجد ذلك الوصف عبر صفحات التوراة، ولأن الأمثلة غزيرة، أكتفى بتلك العبارة التى تكررت كثيرا فى سفر القضاة، «وعمل بنو إسرائيل الشر فى عينى الرب»، ويبدو أن تكرار الأعمال القبيحة عند الرب، قد لازمهم حتى الأجيال الأخيرة من البشرية.

النتيجة الثانية، وهى أن تلك الحرب أعادت الأمور لنصابها، ووضعت الحدود الفاصلة لقضية المستوطنات، دعونى أشير إليها من خلال أبيات أبى القاسم الشابي، «إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر»، وأن الرهان فقط على السلام لاستعادة الأرض المحتلة رهان فاشل، وأن الجلوس على طاولة المفاوضات، لا يغنى عن  مقاومة المحتل، وقد تهاوى المنطق المائل الذى روجت له إسرائيل والغرب بأن هجوم الفصائل يوم السابع من أكتوبر جريمة إرهابية، لأن الثابت أنهم شنوا الهجوم على موقع عسكرى مقام على أرض محتلة، وهو كلام لا نقاش فيه، وأن المستوطنين الذين هم فيه مسلحون، وتحرسهم من خلف الجدران،  قوات على أعلى مستويات التسليح، ويحتمون بأحدث وأرقى أنظمة الدفاع، وأنهم مهما فعلوا وغيروا من الواقع الجغرافى والديموغرافى تبقى دائما تلك المستعمرات فى دائرة الحرام والباطل، ولا محل لها من الاعتبار فى أى مفاوضات أو مقاومة مسلحة، وأن من بدأ كل تلك المشاكل فعليه أن ينهيها!

النتيجة الثالثة، وأرى فيها أن مصر خرجت بأكبر انتصارات من تلك الأزمة الكبيرة والكارثة الإنسانية، فقد نجحت الدبلوماسية المصرية العظيمة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى مسارين أساسيين عملت عليهما منذ اللحظة الأولى، الأول وضع العالم أمام التزاماته الإنسانية تجاه سكان غزة والعمل على وقف إطلاق النار وفتح خطوط المساعدات الإنسانية، وتجنيب المنشآت المدنية والمدنيين القصف الوحشى وتأكيد مبدأين مصريين كخطين أحمرين، وهما رفض التهجير القسري، وتصفية القضية الفلسطينية، ونجحت القاهرة بكل ثقلها السياسى والدبلوماسى فى توجيه أنظار العالم إلى خطورة ما تفعله آلات القتل الإسرائيلية، والاستمرار على نفس خطابها بمؤتمر القاهرة، وهو ما نجحت فيه، وظهر فى تغير مواقف العواصم الكبرى وفى مقدمتها واشنطن، خاصة ما يتعلق برفض التهجير والإغاثة الإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني الأعزل المحاصر، فضلا عن دورها الذى سيسجله التاريخ فيما يتعلق بالوصول للهدنة، وغير ذلك من الأدوار المعلنة وغير المعلنة، وكما ظهر مسار جديد للحرب والمقاومة فى الأراضى المحتلة سواء كانت مستوطنات أو غيرها، تلقفت عواصم العالم الطرح الذى قدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تقديم فكر مختلف عن إحياء مسار السلام الذى لم ينجح فى الوصول لحل ووقف نزيف الدماء، وذلك من خلال الوصول إلى قيام الدولة الفلسطينية بجانب الدولة الإسرائيلية والاتفاق على وسائل وآليات تحقيق الأمن، والبداية دائما فى حل القضايا الكبرى مجرد فكرة يتم بلورتها والبناء عليها، لحين تمهيد الأرض لها، خاصة أننا بصدد انتخابات إسرائيلية على الطريق، وأخرى فلسطينية يجب أن تتم، ولوجستيات فلسطينية مهمة فى مقدمتها وحدة الصف الفلسطينى.

النتيجة الرابعة، وهى الأهم أن الرأى العام النائم بدأ يفيق، ويرى بعينيه شلالات الدم الفلسطينية، ويشاهد بنفسه ممارسات الفصل العنصرى فى أبشع صورها، وجرائم الحرب التى يرتكبها الجيش النظامى الإسرائيلى ضد الشعب الأعزل فى فلسطين، وبدأت صيحات الأحرار فى كل العالم تنادى بحرية فلسطين والفلسطينيين، وأصبح هناك رأى عام عالمى يدعم الحق الفلسطيني، ولديه الجرأة فى مواجهة اللوبى الصهيوني، وكشف حقارته، وأتمنى لو تم تنفيذ حملات لإسقاط قانون يهودية دولة إسرائيلية الذى يجعلها أكبر نظام شهده العالم للفصل العنصري، ويقضى على أى حقوق مستقبلية للفلسطينيين، فضلا عن كشف المستور عن مؤسسات اقتصادية تدعم ماكينة القتل الفاشى الإسرائيلية، ولا أنكر خوفى هنا من أن يتم أى شىء من أجل هدم وتقويض ذلك الإنجاز، وهو ما لا أتمناه، وأرجو أن يكون الجميع متيقظا لذلك . 

فخور بالشعب الفلسطيني.. فخور بصموده.. فخور بمصر ومساندتها الإيجابية للشعب والحق الفلسطيني.. فخور بكل المصريين.. فخور بالدبلوماسية المصرية.. فخور بجيش بلادي.. وجنود بلادي.. وقدرتهم على ردع كل من يحاول تجاوز خطوطنا الحمراء، وما زالت معاركنا القادمة أكبر وأثقل وأخطر لمواجهة تحديات الداخل ومخططات الخارج.. ونحن لها.
ودائما ودوما وأبدا.. تحيا مصر .

◄ بوكس

 كلما وقع نظري على رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، ووزير دفاعه جالانت، أو أي مرتزق قصف وقتل الآمنين العزل في غزة، تذكرت كلام الليدي ماكبث في مسرحية شكسبير «ماكبث»: رائحة الدم على يدي لم تزل، ولم تنجح كل عطور جزيرة العرب فى محوها.. كلهم تلك الليدى!