«اختطاف».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

«اختطاف» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني
«اختطاف» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

كعادته دائماً كان يرتب أشياءه الصغيرة.. يضع هذه هنا وتلك هناك.. ومع كل خطواته هذه كان يضع ما يحتاجه في حقيبة كبيرة.. انتقى بيجاماته ووضعها.. هذه بعض الملابس الداخلية.. وهذه جوارب وتلك بعض القمصان والبنطلونات.. لم ينس ماكينة الحلاقة الكريم و زجاجة عطر.

 

تفحص أوراقه الخاصة وانتقى منها ما يحتاجه ووضع الباقي في مكانه بكل دقة . وفي خلال تحركاته السريعة كان يعطي بعض التوجيهات لزوجته وصغاره .. لا تنسى تجديد بطاقة التموين .. تامر تذكر أن مذاكرتك هي مستقبلك أنت فلا تتهاون في تأدية واجباتك بالمذاكرة .. نهى دائما التفوق عنوانك وهدفك فلا تراجع عن الهدف ولا تنازل .. مودى أدى واجباتك قبل أن تمارس حقوقك .. المذاكرة أولا ثم وقت الراحة واللعب.

 

بطاقتي العائلية وبعض الأوراق الأخرى التي قد تحتاجونها وضعتها لكم في هذا المظروف الكبير.. أوراق كل شخص منكم في ملف خاص عليه اسمه .. تناول بعض الأوراق ووضعها في حقيبته .. دفتر خطابات ومظاريف .. بعض الأقلام .. صور الأسرة الصغيرة بل والعائلة الكبيرة من الوالدين والأخوة والأخوات.

 يحاول أن يحفظ في الذاكرة كل شيء .. امتدت يده لأخذ بعض الملابس الصوفية تحسبا لبرد الشتاء.

 

وفي خلال تحركاته هذه كان يتهرب من نظرات زوجته وأطفاله التي ملأها الحزن .. أعطى زوجته سلسلة مفاتيحه الخاصة .. وضع كل ما معه من نقود في جيوب أبناءه وهو يحتضن كل منهم في قبلة سريعة خاطفة تحمل كل اللهفة والألم.. أرسل حقائبه إلى السيارة التي كانت في انتظاره. تحاشى نظرات زوجته حتى لا يرى سيول الدموع وعيونها الدامية .. وحتى لا تلحظ سماء عينيه الممتلئة بالدموع.. سقط قلبه من بين الضلوع وهو يطبع قبلة سريعة على جبهتها فتركه معها .. مع أطفاله .. ليرعاهم في سفره وترحاله.

 

احتضن الجميع بنظرة خاطفة وانطلق إلى السيارة وخلفه كان صراخ أول أولاده الصامت يلاحقه ويناديه .. إلى أين تتركنا وتذهب.

 

هرب كبيرهم إلى دورة المياه ليختفي فيها ويذرف الدموع سيول لا توقفها سدود الدنيا، اختفت وحيدته خلف باب الشقة وكأنها تغلق الباب على أحزانها إلى أن يعود الغائب الحاضر، وانكمش الصغير بين ذراعي كرسي الفوتيه العتيق وكأنه يعود إلى رحم أمه .. يحتمي به حين اختفى الأمن من دنياه .. وغاب الأمان عن منزلهم.

 

وانطلقت السيارة به في طريقها إلى حيث يبدأ العالم المجهول وألقى نظرة وداع أخيرة على منزله وشوارع مدينته التي لم يتبين منها شيء حيث صنعت دموعه التي انهمرت حاجز أضيف إلى حواجز الزمن الذي ابتلعه.

 

واختطفه الرحيل إلى العالم الجديد.. وهو يسأل نفسه: هل سيرى أحبابه مرة أخرى؟ ومتى ستنتهي عملية الاختطاف!.