دراسة أكاديمية: المفهوم الفلسفى للأرض عند السامريين

الباحث مع لجنة الإشراف والمناقشة
الباحث مع لجنة الإشراف والمناقشة

منى نور

مفهوم الأرض فى عقيدة السامريين.. محور بحثى قدم عنه الباحث إسلام فوزى عبدالعزيز، دراسة فلسفية، حصل عنها على درجة الماجستير بتقدير عام امتيار، بإشراف د. مصطفى النشار، د. أحمد هويدى.

آراد الباحث فى معرض مناقشة دراسته أن يقوم بعملية ضبط المفاهيم، بين مصطلح الأرض، والأرض المقدسة، مؤكداً على وجود فرق بين الأرض باعتبارها ظاهرة طبيعية، والأرض المقدسة باعتبارها ظاهرة تتجلى فى تجربة دينية.

مشيراً إلى أن الأرض المقدسة التى نقصدها هى التى لدى طائفة السامريين، وأن هدف دراسته هو تقديم رؤية فلسفية عن تقديس الأمكنة من خلال تجربة السامريين بأبعادها الدينية والاجتماعية والتاريخية.

وعن السامريين قال الباحث:

السامريون هم أقرب الناس إلى اليهود من حيث اللغة والدين، وتعد طائفة السامريين من أقدم الطوائف الدينية الإسرائيلية. ينظر إليها على أنها إحدى الفرق الدينية اليهودية، لكنَّ السامريين يدّعون أن هذا اعتقاد خاطئ، ويدعون أنهم السلالة الحقيقية لبنى إسرائيل. أطلقوا على أنفسهم اسم «شاميرم» بمعنى المحافظون أو الحفظة، أى حفظة الديانة الإسرائيلية القديمة. حيث يزعمون أنهم يمتلكون أقدم نسخة مكتوبة من التوراة، مدونة بلغة السامريين القديمة، ويعتبرون توراتهم هى الأصح وغير المحرفة. يعيش السامريون فى مدينة نابلس (شكيم فى التاريخ) منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر، ويتمركزون حول جبلهم المقدس «جبل جريزيم». يدعى السامريون أنهم بقايا جماعة بنى إسرائيل التى عاشت فى أرض السامرة شمال فلسطين، وينسبون أنفسهم إلى ثلاثة أسباط فقط من بنى إسرائيل فى العهد القديم: سبط لاوى وإليه تنتسب أسر الكهنة، وسبط إفرايم وسبط منسى بنى يوسف بن يعقوب وراحيل. واجه السامريون عوامل اجتماعية وتاريخية مختلفة عن اليهود كان لها امتداد فى صياغتهم وتفسيرهم للتوراة، لذلك هناك اختلافات كثيرة بين السامريين واليهود، ويعتبر الخلاف على المكان المقدس من أهمها.

أهم ما يميز طائفة السامريين أنها تتبنى نسقًا عقائديًا مغلقًا، أى أن عقيدتها لها أركان محددة تم حصرها فى خمسة أركان أساسية منذ نشأة لاهوت السامريين المبكر فى القرن الرابع الميلادى وحتى الوقت الحاضر. وهو الإيمان بما يلي: وحدانية الله، نبى واحد فقط هو موسى بن عمران، كتاب واحد هو توراة السامريين، قدسية جبل جريزيم، الإيمان بمجيء المخلص (التاهب) و(يوم الثواب والعقاب). على عكس الديانة اليهودية التى تحتوى فى داخلها أنساقًا عقائدية مختلفة تراكمت على مر العصور، لذلك نجد صعوبة فى تحديد دلالات مفاهيم الديانة اليهودية مثل النبوة أو الأرض المقدسة... حيث لا يوجد تحديد واضح لأركان الإيمان أو ركائزه. أما الديانة السامرية فالأمر مختلف ومن هنا جاءت فكرة هذه الأطروحة.

إشكالية البحث:
 تهدف هذه الأطروحة إلى ضبط وإعادة بناء مفهوم «الأرض» فى عقيدة السامريين، وسنتناول هذه الإشكالية من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:
كيف تم تناول موضوع الأرض المقدسة فى توراة السامريين؟
كيف تم تناول موضوع أرض الوعد فى لاهوت السامريين؟
ما مضمون مفهوم الأرض المقدسة فى التجربة الدينية للسامريين؟
حيث تهدف الدراسة إلى التمييز بين العناصر الأساسية والفرعية لمفهوم الأرض فى عقيدة السامريين، والوقوف على حدود العلاقة بين تقديس الأرض وتجربة السامريين بأبعادها المختلفة.

استخدم الباحث عدة أدوات للتعامل مع موضوع الدراسة، حيث أخضع دراسته لـ(منهج التحليل الفلسفى)، كما استخدم المنهج المقارن فى أجزاء من البحث من أجل إبراز النتائج التى توصلن إليها. وقد خرجت هذه الرسالة فى خمسة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة 
فى الفصل الأول، وفيه تناول تحليلًا فلسفيًا لمعانى كلمة «أرض»، وكشف عن العلاقة بين طبيعة المصطلح ومعناه المتمثل فى قضية أرض الوعد فى الديانة اليهودية. وفيه قام بتحليل ظاهرى لنصوص أرض الوعد فى توراة السامريين.

أما الفصل الثانى، حاول فيه الوقوف على حدود العلاقة بين نصوص الوعد بالأرض ولاهوت السامريين، من خلال البحث فى سياق أعمال كل من: مرقه بن عمران، صدقة الحكيم، والكاهن يعقوب بن هارون.

وفى الفصل الثالث، حاول فهم تاريخ طائفة السامريين، لمعرفة تأثيره على إنتاج مفهوم الأرض. حيث قام بالبحث فى مسار تاريخ السامريين بشكل عام، للتأكد من ماهية النتائج التى توصلنا إليها.

ونص الفصلين الرابع والخامس لضبط وإعادة بناء مفهوم الأرض فى عقيدة السامريين، تقديم رؤية نقدية للمفهوم من أجل التفريق بين تصوراته المختلفة.
وفى ختام دراسته أكد الباحث أنه قام بتحليل ظاهرى لنصوص أرض الوعد فى توراة السامريين. وتوصل إلى أن هناك مادة مختلطة فى أسفار التوراة وضعها كهنة السامريين للإشارة إلى أن جبل جريزيم هو المكان المقدس الوحيد منذ عصر آباء إسرائيل. هناك إشارات صريحة لذلك من خلال فقرات التوراة، حيث كانت مسألة تحديد مركز العبادة أهم قضية لمحرر توراة السامريين. وإذا افترضنا تقديم قراءة واحدة لموضوع أرض الوعد فى توراة السامريين باعتبارها عملًا أدبيًا متكاملًا، فيمكن القول إن أرض الوعد فى توراة السامريين هى جبل جريزيم فى نابلس (شكيم). حيث توجد علاقة وثيقة بين موضوع  تحديد مركز العبادة وموضوع أرض الوعد فى توراة السامريين. وهكذا، بعد أن تناولنا موضوع الأرض المقدسة فى توراتهم السامريين، خرجنا بفرضية أن جبل جريزيم فى نابلس (شكيم) هو أرض الوعد فى توراة السامريين.

مشيراً إلى أنه حاول الوقوف على حدود العلاقة بين نصوص الوعد بالأرض ولاهوت السامريين، من خلال البحث فى سياق أعمال كل من: مرقه بن عمران، صدقة الحكيم، والكاهن يعقوب بن هارون. وتوصلنا إلى أن هذه السياقات الثلاثة محل الدراسة تحمل فى داخلها نسقًا دينيًا متشابهًا تحكمه عقائد ومفاهيم أساسية. أهمها الإيمان بقدسية جبل جريزيم فى نابلس (شكيم) واعتباره الأرض المقدسة. تتحكم هذه العقيدة إلى حد كبير فى لاهوت السامريين وفى المفاهيم الموجودة فيه، مثل مفهوم أرض الوعد محل الدراسة. خلصنا إلى أن جبل جريزيم فى نابلس (شكيم) هو الدلالة الأساسية لمفهوم أرض الوعد فى لاهوت السامريين، وأن الحدود الأخرى لأرض الوعد المذكورة فى نصوص التوراة ليست سوى دلالات فرعية لا يهتم بها اللاهوتيون. كما حاولنا فهم تاريخ طائفة السامريين، لمعرفة تأثيره على إنتاج مفهوم الأرض. بحثنا فى مسار تاريخ السامريين بشكل عام، وتوصلنا إلى أن مسار تاريخ طائفة السامريين مرتبط بمدينة نابلس (شكيم) وجبلها. وتربطهم علاقة قوية بجبل جريزيم، وبسبب هذه العلاقة استطاعت هذه الطائفة أن تحافظ على وجودها فى شكيم (نابلس) منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر. على الرغم من الكوارث التى حلت بهم مع تغير الإمبراطوريات المختلفة التى حكمت فلسطين، بالإضافة إلى العنف والاضطهاد الذى شهدوه خلال الصراعات الطائفية.

وأوضح الدور المحورى لجبل جريزيم فى الحياة الاجتماعية والدينية للسامريين، حيث يمكن اعتباره المنارة المضيئة التى حافظت على بقاء وتماسك السامريين فى مدينة نابلس (شكيم) من العصور القديمة حتى وقتنا هذا. وبسببه استطاعت هذه الطائفة الصغيرة الحفاظ على هويتها ومذهبها عبر تاريخها الطويل. وتوصلنا إلى أن جبل جريزيم هو الدلالة الأساسية لمفهوم أرض الوعد فى عقيدة السامريين. على الرغم من أن المطلع على توراة السامريين يجد أكثر من فقرة تحدد أرض الوعد بحدود مختلفة (تكوين 12: 7، 15: 18؛ تثنية 4: 5...). وجاءت هذه النتيجة بناءً على آراء بعض المفسرين السامريين الذين قالوا إن الإشارة إلى أرض المقدسة فى التوراة تقتصر على موضع نابلس المقدس (جبل جريزيم). وأيضًا بناء على نظرية «الاستعمال» فى المعنى، حيث وجدنا قدسية جبل جريزيم هى العنصر الأساسى فى موضوع الأرض المقدسة فى أعمال السامريين، وباقى القضايا هى عناصر فرعية.
مؤكداً أن دلالة مفهوم أرض الوعد فى ديانة إسرائيل قد تطورت من الروابط الطبيعية المتمثلة فى الطقوس الاقتصارية مثل تقديس تابوت العهد وعبادة إله مكان محدد. وقد تراكمت وامتدت إلى الشروط الأخلاقية التى أدخلها الكهنة فى التوراة. ونرجع ذلك إلى فشل كهنة إسرائيل فى إقامة عبادة قربانية مركزية فى فلسطين. وهكذا، امتد الطابع المادى الدنيوى من أسلوب العبادة والطقوس الكهنوتية إلى تعاليم التوراة المقدسة لرغبة الكهنة فى التحول من العبادة المحلية إلى العبادة المركزية. وتوصلنا إلى أن دلالة مفهوم الأرض المقدسة فى تاريخ عقيدة السامريين تطورت من الطابع الوثنى الذى لا ينزه العلاقة بين الإله والأمور المادية الدنيوية، إلى طابع التوحيد الذى ينزه العلاقة مع الإله. حيث فرض هذا الطابع بعدًا أكثر تجريدًا على تفاصيل الطقوس والممارسات الدينية. وقد تميزوا عن المفكرين اليهود فى عدم ارتباطهم بالطابع الاقتصارى المستمد من الشريعة الشفوية لليهود
وفى النهاية أوصى باعتبار:
 جبل جرزيم هو الأرض المقدسة فى عقيدة السامريين.

يعبر مفهوم أرض الوعد التوراتى عن رؤى دينية وفلسفية مختلفة، ناتجة عن سياقات تاريخية مختلفة، وناتجة عن تجارب إنسانية مختلفة وطرق تفسير النص التوراتي. إلا أن هذه الأطروحة حاولت إثبات أن مفهوم أرض الوعد لا يشير على مساحة كبيرة من الأرض، بل إلى الموضع المقدس «מקום» أو مركز العبادة. واستطاعت الدراسة إثبات ذلك بعد أن اتخذنا مفهوم الأرض فى عقيدة السامرين نموذجًا، حيث وجدنا أن جبل جريزيم فى نابلس (شكيم) هو الدلالة الأساسية لمفهوم أرض الوعد فى فكر السامريين الدينى، والحدود الأخرى لأرض الوعد المذكورة فى نصوص التوراة ليست سوى دلالات فرعية. 
 نرى أنه لا يجب تناول موضوعى أرض الوعد ومركز العبادة بشكل منفصل فى الدراسات العربية، ويجب تحديد مفهوم أرض الوعد فى التوراة على أساس الصفة الطائفية والنطاق المحلى للطوائف الإسرائيلية القديمة فى فلسطين.

ناقش الرسالة محمد الشرقاوى د. شريف حامد سالم