مأذونة قرية «الماي»: رفضت حالات زواح قاصرات كثيرة لأنه ضد القانون وضياع لحقوق الفتيات

المأذونة
المأذونة

المنوفية‭ ‬إيمان‭ ‬البلطي

  بطلة شبابية وبملامح هادئة وبوجه مشرق، أطلت مأذونة إحدى القرى في محافظة المنوفية، إيناس محمد صبحى، والتي تُعد أول مأذونة شرعية في مركز شبين الكوم، والتي جرى اختيارها مأذونة شرعية بالرغم من أن أصواتًا كثيرة كانت تنادي عكس ذلك، بحجة أنه لا يجوز لها الدخول إلى المسجد لإشهار الزواج لكونها أنثى،  لكن لسمعتها الطيبة وتفوقها الدراسي ومن قبل سمعة والدها ومكانته لدى أهالي القرية استطاعت أن تنال المأذونية. في السطور التالي نحاور مأذونة قرية الماي، لندخل في تفاصيل حصولها على هذا المنصب الهام، بالإضافة إلى العقبات التي كانت في طريقها وكيف استطاعت اجتيازها.

أبرز ما قيل وقت أن علم أهالي قرية الماي، أن إيناس محمد صبحي، الحاصلة على الماجستير في القانون من جامعة المنوفية، مرشحة لأن تكون مأذونة القرية، هو أنه كيف يمكنها دخول المسجد، وسط الرجال، لتقوم بإشهار عقود الزواج؟!

هذا الأمر، لم تعره إيناس محمد صبحي أي اهتمام، ولم يؤثر فيها ولم يسبب لها أي نوع من أنواع الإحباط، الحقيقة أنها وضعت هذا الأمر نصب عينيها، وقررت أن تخوض التجربة بصرف النظر عما يقوله الناس، وها نحن الآن نجلس معها لنحاورها، بعد أن نجحت وأصبحت مأذونة شرعية للقرية.

على باب المحكمة

*كيف خطرت في بالك فكرة المأذونية خاصة وأنها كانت غريبة على القرية وعلى المنطقة كلها بشكل عام، ولم يحدث في المنطقة أن تتولى مأذونة شرعية هذا المنصب؟

منذ تخرجي في كلية الحقوق، وامتهنت المحاماة، حتى وجدت في دراسة القانون شغفي، وهو ما دفعني لأكمل دراستي حتى حصلت على درجة الماجستير، خلال تلك الفترة لم يكن في بالي على الإطلاق فكرة أن أكون مأذونة، أنا فقط محامية أهتم بعملي ودراستي، لا شيء غير ذلك.

لكن يبدو أن ثمة نداهة نادتني، حين وجدت إعلانًا على أبواب حكمة شبين الكوم الكلية، بفتح باب التقديم لـ مأذون شرعى، وفي الإعلان يوجد الشروط المطلوبة، والتي رأيت أن جميعها متوافقة معي، حينها ظلت الفكرة تراودني، وذهبت إلى أبي وعرضت عليه الفكرة، وفي الحقيقة كان هو وشقيقي أكثر الداعمين لي حتى استطعت أن أكون المأذونة الشرعية.

*الأكيد أن طريقك لم يكن مفروشًا بالورود، إشرحي لي بعض العراقيل التي وجدتيها وقت أن تقدمتي للمنصب؟

أنا من قرية الماى، التابعة لمركز شبين الكوم، وهي قرية بسيطة جميلة جميع أهلها تراهم وكأنهم عصبة واحدة، إيد واحدة، وعندما عرضت الأمر عليهم وجدت منهم دعمًا كبيرًا، لكن لا أخفيك سرًا، كانت هناك أصواتًا نبذت الفكرة، وعارضتها في البداية، وكان السبب وراء هذه المعارضة هو أنه كيف أدخل المسجد، وأقوم بإشهار كتب كتاب.

في الحقيقة، الذين اعترضوا كان اعتراضهم مفهومًا ولم أحزن من ذلك، بل أن الأمر دفعني إلى أن أكمل ما بدأته مهما كانت العواقب، خاصة وأن سمعة والدي طيبة بين أهالي القرية، والجميع يحبه، وبالتالي يوم أن قلت بأنني لن أتراجع وسوف أقدم أوراقي لمنصب المأذونة، وجدت ٢٠ شخصًا من أهالي القرية اجتمعوا ووقعوا على موافقتهم على طلب ترشحى لمنصب المأذونة الشرعية للقرية.

وبعد اجتياز كل الشروط وكل الاختبارات، تم اختيارى من ضمن ١٦ متقدمًا، لأكون أول مأذون شرعى أنثى وكان ذلك في عام ٢٠١٦، أي قبل حوالي ٧ سنوات.

*بعد تكليفك بالمنصب، إحكى لي عن بدايات عملك مأذونة شرعية؟

بعد حصولي على منصب المأذونة، كلفت سيارات عدة للتجول في القرية لإعلان ذلك، بالإضافة إلى عمل لافتات بمقر مكتبي الرسمى، هذا بالإضافة إلى الدعم الكبير الذي حصلت عليه من مأذون القرية الشيخ شوقي الذي معي.

لأننا وبحكم أن القرية كبيرة، يوجد مأذونين شرعيين للقرية، وكان لزميلي دورًا كبيرًا في بدايتي، وأصبح هناك تعاون مشترك بيننا، وأهل القرية من يقرر من يكتب لهم كتب الكتاب.

*طبعا تجربة أول كتب كتاب تجربة لا تنسى، اشرحي لي موقفك حينها وكيف تعاملتي مع الأمر؟

طبعا لا يمكن نسيان أول مرة عقدت فيها القران، كان ذلك بعد أن توليت المنصب بأيام قليلة، حينها مر علي العريس وحماه والأهالي وأتممت لهم كتب الكتاب، لكن حينها كان الأمر بالنسبة لي طبيعيًا بالرغم من أنها المرة الأولى.

الذي لم يكن طبيعيًا هو عندما أخبراني أنه علي الحضور إلى إحدى القاعات لإشهار عقد الزواج، حينها كنت أرجف من الخوف الذي عصف بي، مكثت طوال الليل أحفظ ما سأقوله، بالرغم من أني حفظته عن ظهر قلب، لكن هو توتر البدايات.

وبالفعل ذهبت إلى القاعة وأشهرت الزواج، وقتها كنت غير متزوجة، والأهالي يعرفون ذلك، فتخيلت كم النظرات التي كانت تحدق بي وقتها، أول مأذونة وأول عقد زواج، وشابة صغيرة لم تتزوج بعد هي التي تشهر عقد الزواج، الحقيقة أنه كان يوم غريب، لكنه بالتأكيد من أحسن أيام عمري.

*بعد ٧ سنوات من توليكٌ منصب المأذونة، بالتأكيد لديكِ آراء خاصة وتجارب بعد كم عقود القران التي حررتها؟!

ربما اغرب ما رأيته ولم أجد له تفسيرًا؛ هو رؤيتي لبعض العرسان وهم يبكون أثناء عقد القران وكأنه آخر أيام عمرهم، وكم من عقود طلاق وجدت أصحابها يفرحون وكأنها أسعد أيامهم.

وحتى بعد كل هذه الفترة لم أفهم ولن يستطيع غيري أن يدعي فهم هذا الأمر، هي حالة من عند الله، ولا يعلمها الا الله.

*بخصوص عقود الطلاق، بالتأكيد قابلتِ في حياتك المهنية الكثير من حالات الطلاق والتي كان السبب فيها تافهًا إلى أقصى درجة، ما أغرب تلك الحالات التي واجهتك؟

أغرب قضية طلاق قابلتها في حياتي، كانت لزوجين ولديهما أطفال، يريدان أن ينفصلا، والسبب أن الزوجة تريد أن تغني، وزوجها رافض لهذه الفكرة، حينها جلست مع الزوجة، وحاولت إقناعها بالتخلي عن أمر الغناء، وأن الأهم لديها بيتها وزوجها وأطفالها، وظننت أني نجحت في ذلك، لكن في صباح اليوم الثاني، وجدت زوجها يبلغني هاتفيًا بأنها مصممة على رأيها، وبالفعل تمت إجراءات الطلاق.

أيضًا من أغرب حالات الطلاق التي مرت علي، كانت لزوجين صغيرين في السن، يريدان أن ينفصلا بسبب أن الزوجة لا تريد أن تنزل من شقتها إلى شقة حماها، وتريد أن تستقل وزوجها بعيدة عن أهله، الأمر الذي رفضه الزوج وتم الطلاق.

*لكونك مأذونة في المقام الأول، وفي قرية في المقام الثاني، لابد أن قابلتِ الكثير من حالات الزواج المبكر، أخبريني كيف تعاملتِ مع الأمر خاصة وأن الزواج المبكر منتشر إلى حد كبير في الأرياف؟

حتى أكون منصفة، الزواج المبكر كارثة بكل المقاييس، وأنا خلال عملي قابلت بالفعل الكثير من تلك الحالات، لكني كنت أرفضها رفضًا قاطعاً.

وحتى نضع الأمر في سياقه الصحيح، أهالي الفتاة يكون كل أملهم أن تتزوج ابنتهم، وهو أمر طبيعي ومفهوم، لكن في المقابل يغفلون عن أهم شرط لزواج ابنتهم، وهي أن تكون بالغة راشدة، والأهم من وجهة نظرى أن يكون عقد الزواج رسميًا بما يحفظ به حقها.

الغريب أن الأهالي يحتالون على هذا الشرط، ويلتفون عن ما فيه صلاح ابنتهم، ويتمسكون بما فيه ضياع حقها، ويقومون بعقد قرانها قبل السن القانوني، والطريقة التي بها يتم عقد القران هو أن يكتب عقد عرفي للزوجين، ويحددون مصير ابنتهم في ورقة.

وعلى الرغم من أن الزواج العرفي من منطلق الدين صحيح، لأن فيه إشهار، إلا أنه  من جهة القانون يحدث بسببه الكثير من المشكلات، لعل أبرزها كما وضحنا ضياع حق الزوجة، والمصيبة الأكبر إذ حدث حمل وإنجاب مولود، وقتها لن يتم تسجيل هذا المولود لأنه سوف يظهر سن الزوجة الحقيقي، وهو يجعل الأهالي تفضل الانتظار حتى تستكمل الزوجة سنها القانوني ثم يقومون بعقد قرانها شرعيًا وتسجيل الأبناء بسن غير السن الذي عليه، وهو ما يعتبر تزويرًا في أوراق رسمية.

لذلك أنصح الأهالي بالانتظار حتى تبلغ ابنتهم السن القانوني للزواج، حفاظا عليها وعلى حقوقها وعلى أولادها.

اقرأ أيضا : تحايل على القانون واغتيال لبراءة الأطفال| هروب أو انتحار.. كلمة النهاية في «زواج القاصرات»!


 

 

 

;