بسبب طمعها في فدان أرض .. سقوط ملكة البلاغات الكيدية

بسبب طمعها في فدان أرض
بسبب طمعها في فدان أرض

حبيبة‭ ‬جمال

  بسبب طمعها في فدان أرض يملكه أحد أبناء قريتها الصغيرة بالقليوبية، وبيت بسيط يملكه شخص آخر، دفعت رباب حياة ابنتها ثمنًا للعبة الابتزاز والبلاغات الكيدية التي احترفتها على مدار سنوات.

كل مواطن له حق التقاضي وإقامة الدعاوى القضائية، هكذا نص الدستور، إلا أن هناك بعض الأشخاص استغلوا هذا الحق أسوأ استغلال، وأصبحت البلاغات الكيدية وسيلة للتربح والنيل من سمعة الآخرين، مثل صاحبة قضيتنا هذه؛ اسمها رباب التي احترفت لعبة البلاغات الكيدية بهدف ابتزاز أهالي قريتها الصغيرة بالقليوبية ولكن لم يخطر ببالها أن ينقلب السحر على الساحر، وتنتهي اللعبة بجريمة قتل تدفع ثمنها ابنتها الشابة ويصاب ونجلها بطلقات نارية على يد أحد أبناء القرية الذي ضاق ذرعًا  بابتزازها، وقرر إنهاء معاناة أهالي القرية بالكامل بارتكاب جريمته هذه، وأصبح لدينا قاتل وضحية دفعا ثمن جبروت هذه الأم، المثير أن أهالي هذه القرية تنفسوا الصعداء بانتهاء المساومات والابتزاز الذي تعرضوا له لسنوات.. مشهد جريمة القتل لم يكن هو بداية المأساة بل كان فصل الختام في القصة التي نطالع تفاصيلها من البداية وحتى لحظة الضغط على الزناد.

منصور، ذلك الشاب الثلاثيني، الذي وجد نفسه مدانًا في أكثر من قضية والشاكي فيهم جميعا واحد.. بداية القصة عندما وجد منصور مباحث تنفيذ الأحكام يدقون بابه ويبلغونه بأنه هارب من سنتين سجن بتهمة ضرب جارته، جن جنونه، اعتقد أن في الأمر خطأ، لكنه حقيقة وواقع، كابوس مفزع عاش تفاصيله ما بين الأقسام وساحات المحاكم حتى تمكن من الحصول على البراءة، قصة منصور لم تنته عند هذا الحد، بل كانت مجرد طرف الخيط لأحداث أخرى مثيرة؛فتلك السيدة التي قررت أن تحرر ضده بلاغات عدة وصلت لثمان بلاغات في العام الواحد، والتفاوض إما الحبس أو التنازل مقابل فدان أرض، لكنه قرر ألا يعطيها شيئا لا تستحقه.. وظل منصور غارقًا في تلك القضايا يبحث عن حل، حتى أنصفه القضاء وبرأه من كل الاتهامات الكيدية، ما حدث ليس معه فقط، بل حدث لأشخاص عدة؛ منهم من قرر أخذ حقه بالقانون ومنهم من قرر إعطاءها الأموال حتى يرحم نفسه من دوامة القضايا، وأخيرًا انتهت مأساة أهالي القرية بحل لم يخطر ببال أحد، عندما قرر أحد أبناء القرية في لحظة تهور أن يضع حدًا لمأساة قرية بأكملها ظلت لسنوات تعاني من ابتزاز ومساومة امرأة تحمل اسم رباب، لم تكن من أبناء القرية الطيبة لكنها انتقلت للإقامة بها منذ سنوات بعد زواجها من أحد أبناءها الذي مات بعد سنوات وترك لها منزله لتقيم فيه وقطعة أرض صغيرة كان من الممكن أن تعيش من خيرها لكنها اختارت طريقا آخر يضمن لها دخلا مرتفعًا كما يضمن لها مضاعفة مساحة أرضها الصغيرة؛ احترفت تحرير المحاضر الكيدية ضد أهالي القرية، مرة بالزعم إن أحدهم تعدى عليها بالضرب وتشكوه في المركز مدعمة شكواها بتقرير طبي مزور يساعدها في استخراجه ممرض فاسد، ومرة أخرى تدعي أن أحدهم صدمها بسيارته متعمدًا، وتستعين أيضا بتقرير طبي مزور وشهود بلا ضمير، واستمرت هذه اللعبة لسنوات وكان آخر مطلب لها من أحد ضحاياها وهو منصور التنازل لها عن فدان أرض مقابل تنازلها عن اتهامها له بالتعدي عليها بالضرب، ومن جارها العامل البسيط، بيته الذي يعيش فيه. 

أعيرة نارية

دياب واحد من أبناء القرية يعيش في حاله بعيدا عن المشكلات، يتجنب أي احتكاك مع رباب تحديدًا لكنه يدرك جيدا تاريخها الطويل في ابتزاز ومساومة أبناء القرية لكن هذا السلوك لم يشفع له عند رباب ولم ينقذه من براثنها، حيث طالته لعنتها ووجد نفسه هو وشقيقه وزوجته متهمين في بلاغات كيدية من رباب ووجد نفسه مهددًا بالسجن، بعدما حصلت على حكمه ضده بالسجن عامين، كانت تساومه إما التنازل عن بيته الذي يعيش فيه أو السجن، فوجد نفسه يهرب حتى لا يتم القبض عليه، دياب الذي تغيرت أحواله وانقلبت حياته بين يوم وليلة بسبب امرأة لا تعرف من الإنسانية سوى اسمها فقط، فحاولت اختطاف زوجته حتى يعود للقرية وتنتقم منه، ولكن منعها الأهالي وأنقذوا الزوجة المسكينة، وفي أحد الأيام عاد دياب لبيته، ولم يكن ذلك المسكين يدري بما يخفيه القدر له، أثناء وجوده داخل بيته، خرجت رباب حاملة زجاجة مولوتوف وألقت بها داخل بيته، فأصيب شقيقه بحروق من الدرجة الأولى، فلم يتمالك دياب أعصابه، وقرر وضع حد لمخاوفه ومعاناة اسرته، وفي لحظة تهور حل جميع مشكلاته مع رباب بالحديد والنار؛ فحمل سلاحه الناري وتوجه إلى بيتها وفتح النار على جميع من كانوا في فناء المنزل، أصابت رصاصاته ابن رباب ونقل إلى المستشفى في حالة خطيرة بينما لقيت ابنتها الشابة مصرعها في الحال.. فقدت رباب ابنتها وراحت تلك الشابة ضحية لطمع والدتها، وأصبح هناك متهم لم يكن أبدًا قاتلا محترفًا، وتدمرت أسرتين، وظل البيت الذي كانت تتنازع عليه رباب مهجورًا يخلو من سكانه. 

تعديل تشريعي

تواصلنا مع المحامي أيمن محفوظ ليحدثنا أكثر عن قصة المحاضر الكيدية، فقال: «مما لاشك فيه أن حق التقاضي مصون بموجب القانون الأعلى وهو الدستور طبقا لنص المادة 68، والتي تنص على أنه حق مكفول للناس كافة، لكن ذلك الحق مثل غيره من الحقوق ينبغي استعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف، أو استخدامه  بطريقة غير مشروعة تلحق الضرر للغير».

وأوضح قائلا: «يلجأ البعض لعمل قضايا كيدية إما بدافع الحصول على أموال من الملفق ضده تلك القضايا أو بدافع الانتقام أولإرهاق الخصم نفسيًا وماديًا من أجل إجباره على التنازل عن حق ما أو لأغراض أخرى، ورغم أن هناك محاولات عديدة استجابة لصرخات الأبرياء الذين وقعوا في شرك تلفيق القضايا الكيدية، إلا أن الواقع العملي والقانوني يحول دون الوصول لحل نهائي لتلك الأزمة».

سألناه: لماذا هناك صعوبة في حل تلك المشكلة؟، فقال:»قانون الإجراءات الجنائية ينص على أن أقسام الشرطة مكان لتلقي البلاغات وإحالتها لجهات التحقيق،ولايحق لمأمور الضبط منع أي شخص من تقديم أي بلاغ ضد أي شخص، رغم علمه بأن هناك فئات من المسجلين الاشقياء معتادين تلك الأفعال، ولكن تصبح يد الضباط مغلولة في هذا الامر».                 المحامى‭ ‬ايمن‭ ‬محفوظ

وعن أشهر المحاضر الكيدية، قال:»الضرب، ايصالات الأمانة، الاتلاف، وادعاء الإصابة الخطأ، ورغم أن جهات التحقيق تبذل قصارى جهدها لبيان الحقيقة، ولكن أمام التقرير الطبي الذي يسهل الحصول عليه بالرشوة أو عمل الإصابة لنفسه، لايكون هناك بديل إلا الإحالة للمحاكمة الجنائية، وهو مما يكلف المحرر ضده المحضر الكيدي إرهاق نفسي مادي وتعطيل عن مصالحه، وحين تتيقن المحكمة من كيدية الاتهام، فإنها تقضي ببراءته، ويكون طبقا لنص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات؛ أن للحكم الصادر في الدعوى الجنائية حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية، فيجوز له أن يرفع دعوى التعويض عن تلك الاضرار التي لحقت بهذا البريء، أو الالتجاء إلى رفع دعوى بلاغ كاذب، ولكن ستزيد الملاحقة القضائية لصاحب المحاضر الكيدية من ارهاق المتهم البريء، رغم أن العقوبات في النهاية ستكون واهية مع طول فترة التقاضي». 

وعن الحل من وجهة نظره، قال: «الحل هو أن يكون هناك تعديل تشريعي يغلظ العقوبات على محترفي البلاغات الكيدية، وأن تكون أحد صور الابتزاز المعاقب عليها بالسجن 327 عقوبات بنص صريح يشمل القضايا الملفقة والكيدية التي كان الهدف منها ابتزاز الغير أو اجباره على عمل ما، وأن تتقيد المحكمة في حكمها إذا تيقنت من ذلك في حكم البراءة، أن تحيل الأوراق للنيابة العامة؛ لتقديم صاحب البلاغ الكيدي إلى المحاكمة الجنائية طبقا للتعديلات القانونية كما ذكرنا، ليذوق محررالمحاضر الكيدية نفس الكأس المر الذي أراد به غيره وبعقوبات مغلظة واجبة النفاذ  مما سيحقق الردع العام والخاص، ونحاول أن نخفف من بورصة تلك المحاضر التي أهم أسبابها ضعف العقوبات على مثل تلك الأفعال المجرمة». 

أما المستشار عبد الستار إمام، رئيس محكمة جنوب القاهرة الأسبق، ورئيس نادي قضاة المنوفية الأسبق، فقال: «من حق كل مواطن تقديم شكوى وله الحق في التقاضي كما نص الدستور، ولكن إذا ثبت أن المحضر كيدي فيجوز للمشكو في حقه أن يعود بالتعويض على الشاكي». 

فسألناه كيف يتم إثبات كيدية المحضر، فقال: «حكم المحكمة يكون إما لعدم كفاية الأدلة وهذا يعني أن هناك أدلة ترشح للاتهام ولكن غير كافية للإدانة أو لإطمئنان المحكمة للإدانة، أما الكيدية عندما تنتهي النيابة لعدم صحة الواقعة وهذا يعني كيدية البلاغ هنا من حقه طلب التعويض». 

فسألناه العقوبة سجن أم تعويض مادي، فقال: «إذا كان البلاغ يحمل بين طياته جريمة هنا تكون عقوبتها السجن، أما إذا كان بدعوى تحميله مشقة التقاضي فيكون تعويض مادي بتهمة إساءة استعمال حق التقاضي، وهناك قضايا كثيرة في المحاكم بهذا الشكل». 

إجراء ضد الشاكي                                                                                                                                                                                                 المستشار‭ ‬عبد‭ ‬الستار‭ ‬أمام

وتواصلنا أيضا مع الدكتورة إيناس عبد الحليم، عضو مجلس النواب، فسألناها لماذا لا يتم تقديم مشروع قانون لتغليظ العقوبة على من يسيئ استعمال حق التقاضي، أو مشروع يجعل الشخص يفكر ألف مرة قبل أن يتهم الآخر زورًا؟، فقالت: «اقترحنا مشروعات قوانين عدة في أكثر من شيء يتم النظر فيها تباعًا، وعن البلاغات الكيدية المسئولية لا تقع فقط على من يقدم البلاغ بل أيضا على من يكتب له البلاغ».

واستكملت: «أما بالنسبة بأن المشكو في حقه أخذ براءة يمكنه العودة على الشاكي بالتعويض هذا لا يحدث، فالمشكو في حقه تجده ما يصدق أن تنتهي القضايا ولا يرغب في أن يستكمل قضايا مرة أخرى، لذلك الحل عند المحكمة نفسها والتي إذا تأكدت من كيدية البلاغ تأخذ هي إجراء ضد الشاكي». 

هذه هي تفاصيل قصة البلاغات الكيدية من رأى القانون والنواب، الآن نحن سلطنا الضوء عليها وتركنا الكرة في ملعب مجلس النواب، ويبقى أن نجد إجابة لسؤال من يوقف نزيف المحاضر والقضايا الكيدية؟!                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                د‭. ‬ايناس‭ ‬عبد‭ ‬الحليم

اقرأ أيضا : الرقابة الإدارية توضح خطوات استقبال الشكاوى


 

 

 

;