حكايات| «أريحا» أقدم مدينة فلسطينية تعود للعصر الحجري

مدينة أريحا
مدينة أريحا

تعد "أريحا" من أقدم مدن فلسطين الكنعانية، حيث يرجع الخبراء والأثريون تاريخها إلى العصر الحجري، أي إلى ما قبل سبعة آلاف عام ق.م، وهذا ما حمل بعضهم على القول أنها أقدم مدينة في التاريخ  وتقع عند مستوى 250 متراً تحت سطح البحر، ولا يماثلها في ذلك أية مدينة أخرى في العالم.

 

وتقع مدينة أريحا في تل السلطان الذي يقع على بعد نحو كيلو مترين شمالي المدينة الحالية بجوار نبع عين السلطان وتبعد مدينة أريحا عن القدس حوالي "38 كيلو متراً"، ويعد الطريق الرئيسي من القدس أو رام الله إلى أريحا واحداً من أهم وأجمل الطرق في فلسطين، فهو نفسه الطريق التجاري القديم الذي كان ومازال يربط القدس بأريحا ومن ثم بشرقي الأردن عبر النهر، ويعد هذا الطريق منطقة شبه صحراوية تعرف محلياً باسم "برية أو صحراء القدس" يقع على جانبي هذا الطريق عدد كبير من المواقع التاريخية والأثرية المهمة .

 

 

وتعد أريحا مشتى مثالياً، ومدينة سياحية من الدرجة الأولى بفضل مناخها المعتدل شتاء وبفضل العديد من المواقع التاريخية والأثرية المنتشرة في كل مكان تقريباً في المدينة وحولها، ومؤخرًا أعلنت منظمة اليونسكو إدراج المدينة على قائمة التراث العالمى، فما هي أبرز المعالم السياحية والتاريخية؟.

 وأريحا عند الكنعانين تعني القمر، والكلمة مشتقة من فعل يريحو "yereho" ويرح اليرح في لغة جنوبي الجزيرة العربية تعني شهر وقمر، وفي العبرانية "يرحو" أقدم مدينة معروفة في التوراة اليهودية، وريحا في السريانية معناها "الرائحة والأريج.

 

ذكرها في التوراة باسم أريحه

اتخذ الهكسوس المدينة قاعدة لهم بين سنة 1750و 1600 ق.م، وقد ورد ذكرها في التوراة باسم أريحه وهي أول مدينة كنعانية هوجمت من قبل العبرانيين، إذ تمكن قائدهم يوشع بن نون وجنده في سنة 1450 ق.م من الاستيلاء على أريحا وأحرقوا المدينة وأهلكوا من فيها، وفي عصر القضاة (1170-1030 ق.م) قام عجلون ملك المؤابيين بإخراج اليهود من أريحا واتخذها عاصمة له، وقد حدد هيرودس الكبير أريحا ووسعها وزينها بمختلف المنشآت، فامتدت المدينة فوق ما يعرف اليوم بتلال أبي العليق قرب عين السلطان، ومن منشآت أريحا في عهد هيرودس القصور والجنائن والميادين والقنوات والبرك، وفي جنوب أريحا أنشأ هيرودس القلاع الحصينة لحماية المدينة والدفاع عنها، وبالرغم من ذلك خربت أريحا فيما بعد، ولم يبق منها سوى الأنقاض الأثرية التي تدل عليها.

 

أريحا في عهد الرومان

ازدهرت أريحا في عهد الرومان، ويؤكد ذلك أثار الأقنية التي شقوها فيها والتي تظهر على وادي القلط  اكتسبت المدينة أهمية كبيرة في عهد المسيح عليه السلام، إذ زارها المسيح نفسه وأبرأ فيها عيون أعميين، وهما برتيماوس ورفيقه، وزار فيها زكريا العشار في بيته، وكان قصير القامة مما اضطره إلى الصعود إلى شجرة لمشاهدة يسوع بين الجماهير.

 

وفي عهد قسطنطين الكبير (306-337م) "مؤسس القسطنطينية"، انتشرت المسيحية في أريحا بواسطة الرهبان والنساك الذين كانوا يقيمون في الأديرة والكنائس التي عمروها لتكون مراكز لنشر المسيحية فيها، وفي عام 325م كانت مركزاً للأسقفية وقام الإمبراطور البيزنطي جستنيان (527-565م) بإنشاء كنيسة فيها، وفي عهده شقت طريق تصل بينها وبين البتراء، وكانت القوافل تقطعها في مدة 3-4 أيام، كما شقت طريق أخرى تصل بينها وبين ييسان، وتبين أن الكنائس والأديرة حول أريحا ازداد عددها عما كانت عليه في القرن السابع، وذكر (الكسورفو) أنه كانت كنسية في الجلجال وأخرى في المكان الذي يظن أن المسيح خلع فيه رداءه قبل عمادته، وأخرى داخل دير كبير بني على اسم القديس يوحنا، وهي واقعة على مرتفع يشرف على نهر الأردن.

 

ثم دخلت أريحا في الدولة العربية الإسلامية التي قامت في هذه الديار في القرن السابع الميلادي، وفي صدر الإسلام كانت أريحا مدينة الغور وأهلها من قوم قيس وبها جماعة من قريش، وفي عهد النبي محمد – صلي الله عليه والسلام-، وأخرج الرسول الكريم اليهود من المدينة المنورة لطغيانهم فخرجوا إلى الشام وأذرعات وأريحا، ثم أجلى عمر بن الخطاب من تبقى منهم من أرض الحجاز إلى تيماء وأريحا، في أثناء الحكم العثماني رفعت درجة أريحا من قرية إلى ناحية، يقيم فيها حاكم يدعى المدير، يتولى إدارتها وإدارة البدو والقرى المجاورة في متصرفية القدس، وكانت الناحية هي الناحية الخامسة التي يتألف منها قضاء القدس، في عهد الانتداب البريطاني أصبحت أريحا مركزاً للقضاء يحمل اسمها، وبقيت كذلك حتى عام 1944م، عندما ألغت سلطة الانتداب قضاء أريحا وألحقته بقضاء القدس، كانت مساحة قضاء أريحا في عام 1943م نحو 341كم2، وعدد سكانها نحو 4.600 نسمة، وكانت قرى العوجا وديوك والنبي موسى والنويعمة تتبع أريحا فضلاً عن القبائل البدوية المتجولة والمستقرة، ويعد عام 1948م عادت أريحا مركزاً لقضاء ضم في عام 1965م نحو (75) ألف نسمة معظمهم من اللاجئين، وقد ظلت مركزاً لهذا القضاء بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م، وبذلك تعتبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأربع هي أهم ما أضافه عصرنا الحالي لأقدم مدينة في العالم وهذه المخيمات هي عقبة جبر، والعوجا، وعين السلطان، والنويعمة أما اليوم فليس بهذه المخيمات سوى عشرة آلاف لاجئ فقط، وذلك لأن جزءا كبيراً من اللاجئين قد أصبحوا لاجئين للمرة الثانية في الأردن بعيد حرب الأيام الستة عام 1967م بين العرب وإسرائيل.

 

في السنوات الأخيرة شهدت المدينة أحداثا تاريخية كثيرة، فهي أول مدينة يتم تسليمها للسلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993م، ومنذ ذلك الحين شهدت المدينة تحولات مهمة لعل أهمها إقامة عدد من المشروعات السياحية: ومنها إقامة عدد من الفنادق والحدائق العامة، وأول مشروع تلفريك، وأول كازينو في "المحافظات الفلسطينية" مخصص للأجانب و يعتبر أحد توابع أرقى الفنادق الفلسطينية وهو فندق إنتركونتيننتال أريحا.

 

موقع مدينة أريحا

تقع مدينة أريحا عند مستوى 250 متراً تحت سطح البحر، ولا يماثلها في ذلك أية مدينة أخرى في العالم، وتعد أريحا مشتى مثالياً، ومدينة سياحية من الدرجة الأولى بفضل مناخها المعتدل شتاء وبفضل العديد من المواقع التاريخية والأثرية المنتشرة في كل مكان تقريباً في المدينة وحولها، فعلى مساحة 20كم مربعا تتركز بعض أهم المواقع الأثرية، ومن بينها تل السلطان، وخربة قمران، وجبل التجربة "قرنطل" والكثير من الكنائس والقصور والمساجد سنذكرها لاحقاً، وتكثر في أريحا المتنزهات والمطاعم والفنادق التي أفتتح العديد منها حديثاً، كما أن شوارعها واسعة وأهلها كرماء معتادون على وجود السياح في بلدهم.

 

أبرز المعالم السياحية والتاريخية

وتقع أقدم منطقة في أريحا على سفح تلة تشرف على هذه الواحة الغناء على بعد 2 كيلو متر إلى الجانب الشمالي الغربي من المدينة الحالية، أظهرت الاستكشافات الأثرية التي قام بها عالم الآثار البريطاني كينيون وجود مستوطنات تعود إلى 9000 سنة قبل الميلاد، تحدد هذه الفترة، فترة الانتقال من البداوة إلى الاستقرار الزراعي، ويعتقد بوجود بقايا لـ 23 حضارة قديمة قامت بالبناء في هذا الموقع، العديد من الهياكل القديمة واضحة هنا من ضمنها أقدم نظام درج في العالم، أقدم حائط وأقدم برج دائري للدفاع في العالم، حيث يعود إلى 7000 سنة قبل الميلاد وهو موجود في وسط الموقع، هذه الاكتشافات قد جعلت من مدينة أريحا أول مدينة محصنة في التاريخ، وتعود آخر سلالة قامت بالاستيطان في هذا الموقع إلى العصر البيزنطي والعصر الإسلامي الأول.

 

اقرأ أيضا| عمرها 141 عاما.. حكاية مستشفى المعمداني بغزة شاهد على جرائم الاحتلال