أنيس منصور يروى كواليس خطاب السادات بالكنيست الإسرائيلى

الرئيس محمد أنور السادات يلقى خطابه التاريخى فى الكنيست الإسرائيلى منذ 46 عاما
الرئيس محمد أنور السادات يلقى خطابه التاريخى فى الكنيست الإسرائيلى منذ 46 عاما

فى 20 نوفمبر 1977 ألقى الرئيس محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام خطابه التاريخى بالكنيست الإسرائيلى أمام صقور وحمائم الكيان الصهيونى، ذهب لعقر دارهم فى خطوة أذهلت العالم كله وهو مرفوع الرأس بشموخ المنتصر فى حرب الكرامة فى السادس من أكتوبر 1973، جاء المنتصر ليعرض السلام مقابل استرداد بقية الأرض المحتلة وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. الذين عاصروا هذه اللحظة التاريخية منذ 46 عاما ربما يتذكرون ما جاء فى الخطاب من عبارات واضحة وصريحة، لكن الكاتب الكبير أنيس منصور يروى لنا احداثا جانبية لم نرها وقت نقل الحدث فى مقال بعنوان «قلنا أحرثوها.. قالوا احرقوها» ويقول فيه: 


- فى البدء كان الخطأ فى الترجمة، عمدا، سهوا، جهلا، فقرار مجلس الأمن رقم 242 جاء نصه فى الإنجليزية: الانسحاب من «أرض محتلة»، وجاء فى الترجمة الفرنسية: الانسحاب من «الأرض المحتلة» وبين مدلول هاتين الترجمتين غرق الشرق الأوسط فى مشاكل وكوارث أفقدتنا كل أمل فى النجاة ! وحدث فى الكنيست يوم ذهب الرئيس السادات يلقى خطابه التاريخى معلنا أنه جاء مسالما لا مستسلما، يطلب استرجاع أرضه المحتلة، لا مسترضيا ولا متوسلا، وأنه جاء يقرر حق الشعب الفلسطينى فى حل عادل شامل، وأنه لا سلام دون حل للقضية الفلسطينية، وبعد دقائق من خطاب الرئيس حدثت حركة غير مفهومة من الأعضاء وتقاربت الرءوس وتعالى الهمس، ومال موشى ديان على عيزرا فايتسمان على يادين على شارون على رابين على بيجن، وتساءلنا: إيه الحكاية ؟ 


الشىء الواضح الذى رأيناه هو أن زوجة مناحم بيجن أشارت إليه من شرفة الكنيست وألقت فى يديه حبوبا مهدئة، فهو مريض بالسكر والقرحة، رجل عصبى جدا ويكتم فى نفسه، ولم يستطع فى هذا اليوم أن يقاوم، عرفنا فيما بعد أن المترجم الفورى لخطاب الرئيس السادات قد أخطأ، فغضب بيجين وقام معلقا فى عبارات حادة، ترجمت إلى السادات فتضايق هو الآخر، وسألونى فى إذاعة إسرائيل: «ما رأيك ؟» فقلت إن بيجين مثل البارمان، كل الناس يشربون وينتشون، لكنه حريص على أن يكون فائقا رائقا حتى لا يغالطوه فى الحساب ! فالدنيا كلها تتمايل طربا بالسلام الذى دعا إليه السادات، إلا هو، وأنا فهمت خطأ ما ترجمه لى الزملاء الصحفيون اليهود وغلط فوق غلط، وهاجت الصحف الإسرائيلية، وهاجت الصحافة المصرية ابتداء بالذى قلت وانتهاء بالأستاذ موسى صبرى الذى قال بالعربية فى إذاعة صوت إسرائيل: «يجب أن تغسلوا عيونكم لكى ترونا أوضح»، وترجمت الصحف جملته إلى «إنه يقول لنا لكم أن تغسلوا وجوهكم»، وقال لى الرئيس السادات: «بلاش الهزار مع الجماعة دول، لأنهم يأخذون كلامنا بجدية شديدة، ولذلك يحملون الكلمات فوق ما نطيق»، فقلت: «حاضر يا ريس !».


وفى مطار بن جوريون صافح الرئيس السادات جولدا مائير قائلا: «أهلا بالسيدة العجوز»، ولم ترد جولدا مائير ولم يظهر عليها الضيق، ونقلوا عنها، أنها أغتاظت تماما، ثم جاءتها الفرصة الذهبية حين نشرت صحف إسرائيل أن الرئيس السادات قد رزق حفيدا، فأرسلت للرئيس باقة ورد عليه عبارة «من السيدة العجوز إلى السيد العجوز!»، ورأى الرئيس السادات أن تنشر أحاديثى معه فى كل الصحف مع مجلة «أكتوبر» فى نفس اليوم، فجاء فى حديثى مع الرئيس عن قرية ياميت، أن إسرائيل لابد أن تزيلها، لابد أن يحرثوها، وترجمت صحفهم قول الرئيس بأنه يقول «لابد أن يحرقوها»!، والخطأ ممكن عند القراءة السريعة لكلمتى «يحرقوها، ويحرثوها»، لكن الحريق والإحراق والاحتراق يصيب اليهود بالجنون، فهم لا ينسون «الهولوكست» الذى أصابهم فى عصر النازية، وكان لابد أن أوضح أنها غلطة مطبعية، والنص العربى موجود فى كل الصحف!.
وهناك أخطاء فى فهم اللغة العربية أو العامية المصرية، فالسياسى أبا إيبان ترجم كتاب توفيق الحكيم «يوميات نائب فى الأرياف» بعنوان «متاهة العدالة»، ولم يعرف معنى كلمة «كوز ذره» فترجمها «علبة صفيح امتلأت بحبات الذرة»، وكان من المستحيل عليه أن يترجم الأغنيات الشعبية فى كتاب الحكيم مثل «ورمش عين الحبيبة يفرش على فدان»، وأغنية «واحد شبارة شفتشى والثانية بلطية والثالثة من عجبها عملت مراكبية».


أما سفير إسرائيل «ساسون» ابن الزعيم «ساسون» الذى كان حريصا على تحقيق الوفاق بين العرب واليهود من سبعين سنة، عندما انتهت مدة خدمته فى مصر أصدر كتابا عن ذكرياته فى مصر قال فيه إن بيته فى المعادى كان قريبا من المكان الذى عثرت فيه ابنة فرعون على التابوت الذى كان به موسى عليه السلام، وهو أيضا اسمه موسى ساسون! وعندما قدم أوراق اعتماده للرئيس السادات، ضحك الرئيس لدرجة أذهلت السفيرالذى قال فى كلمته «سيدى الرئيس إن «أرياح» السلام تهب علينا ويغمرنا شذاها وعطرها»، فبادره السادات بقوله «يا ساسون.. الأرياح دى لها معنى كريه عندنا فى مصر، ها ها ها»!.


مع زعماء إسرائيل كل شيء جائز ولليهود نكت كثيرة على أخطائهم فى الترجمة، ومن أشهرها «أن أمريكيا ذهب إلى القدس وطلب من سائق التاكسى أن يأخذه إلى حائط المبكى، ولكنه نسى هذا الاسم فقال له - خذنى إلى المكان الذى يبكى عنده اليهود ليلا ونهارا»، فأخذه إلى مبنى مصلحة الضرائب !.
أنيس منصور 
من «الكبار أيضا يضحكون»