في ظل المجازر الإسرائيلية بغزة| اتفاقية حقوق الطفل الأممية.. حبر على ورق!

كاريكاتير أطفال غزة
كاريكاتير أطفال غزة

■ كتب: حسن حافظ

في عام 1989، اتفقت دول العالم على رعاية حقوق الطفل عبر اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وجعلها جزءًا من الاتفاق الدولي، لكن بنود الاتفاقية التى تعالج الكثير من حقوق الأطفال، كالحق فى الحياة والتعليم والصحة والوطن والملجأ وعدم التعنيف والتعرض لويلات الحروب، تتحول إلى مجرد حبر على ورق يغرق فى بحر من دماء أطفال غزة الذين يقتلون بأبشع الطرق وأكثرها خسة ودناءة على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذى ضرب ببنود الاتفاقية عرض الحائط، وكشف عن وجه الحقارة عبر استهداف الأطفال، حتى الرضع منهم تحولوا لأهداف سهلة للوحشية الصهيونية، فى السطور التالية نستعرض أبرز بنود الاتفاقية الدولية، والانتهاكات الإسرائيلية غير المسبوقة لها.

◄ الاحتلال الإسرائيلي الغاشم يدهس المبادئ الإنسانية للتعامل مع الطفل

◄ (المادة 6)
تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقًا أصيلًا فى الحياة

هذه المادة تظل شاهدة على الجريمة الإسرائيلية النكراء فى حق البشرية جمعاء، فعصابات الصهيونية حولت غزة إلى مقبرة أطفال بكل ما تحمله الكلمة من معان صادمة، فخلال 6 أسابيع من حرب الإبادة على غزة قتل أكثر من 5 آلاف طفل، فضلا عن تشريد عشرات الآلاف من الأطفال فى أجواء تهدد حيواتهم، وإصابة الآلاف منهم بإصابات بالغة وسط حصار المستشفيات فى غزة.

هذه الجرائم الإسرائيلية فى حق أطفال الفلسطينيين تتعارض بشكل حاسم مع الحق فى الحياة، وهو أهم حق جاءت الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل لتدعو له وتتبناه، وهى جريمة إبادة وجرائم حرب لا يمكن أن تسقط بالتقادم عن العصابات الإسرائيلية المشاركة فى هذه المذابح، وهو ما عبرت عنه أديل خضر، المديرة الإقليمية لليونيسيف فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فى بيان لها السبت الماضي، بقولها: «إن مشاهد القتل والدمار فى أعقاب الهجمات على مدرستى الفاخورة وتل الزعتر فى قطاع غزة، التى أسفرت عن مقتل العديد من الأطفال والنساء مروعة ومفجعة»، وشددت على أن «الأطفال والمدارس والملاجئ ليسوا أهدافًا عسكرية».

ودانت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، المجازر المرتكبة فى حق الأطفال فى غزة، وقالت فى تعليقها على مذبحة مدرسة الفاخورة: «نرى صورا مروعة لأطفال ومدنيين يُقتلون فى غزة، مرة أخرى، فيما كانوا يحتمون فى مدرسة يتعين دائمًا أن تتمتع بالحماية.. يجب وقف القتل والدمار والمعاناة، وإنهاء هذا الكابوس، الآن، الذى يعيشه الأطفال».

◄ اقرأ أيضًا | الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 47 فلسطينيا من مناطق الضفة الغربية

◄ (المادة 24)
تعترف الدول الأطراف بحق الطفل فى التمتع بأعلى مستوى صحى يمكن بلوغه وبحقه فى مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أى طفل من حقه فى الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.

تقف هذه المادة لتكون بمثابة دليل إدانة للإنسانية جمعاء، فما يحدث فى غزة الآن، من حصار إسرائيلى للقطاع يمنع وصول المساعدات الطبية للمستشفيات فى غزة، جريمة فى حق الإنسانية، وجريمة حرب تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقية الأممية للطفل، التى تقر الحق فى العلاج للأطفال بلا أى شرط واستثناء، لكن المشاهد الدامية التى تخرج من غزة لأطفال رضع لا حول لهم ولا قوة، وهم يصرخون مع نقص قدرات الرعاية الصحية بهم يكشف عن جريمة إسرائيلية وحشية.

◄ 700 ألف نازح وتوقف الدراسة ونقص المياه أبرز الانتهاكات فى حق أطفال القطاع

وبحسب تقارير رسمية للأمم المتحدة فهناك 700 ألف طفل نازح فى غزة جراء الهجوم الإسرائيلى الوحشى على القطاع، وأن هؤلاء الأطفال يعانون من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب، ويعيشون فى أوضاع متردية للصرف الصحي، فضلا عن نقص حاد فى توفير الغذاء، ما يهدد حياة كل هؤلاء الأطفال بخطر الإصابة بالأمراض المنقولة عبر المياه الملوثة.

ووفقا لوزارة الصحة فى غزة، قتل أكثر من 12 ألف شخص، فى قطاع غزة منذ يوم 7 أكتوبر الماضي، وحتى 18 نوفمبر الجاري، ثلثاهم من الأطفال والنساء بحسب التقارير، بينما وصل عدد الجرحى إلى نحو 32300 جريح معظمهم من الأطفال والنساء أيضًا، وبسبب انهيار خدمات وزارة الصحة والاتصالات فى الشمال، لم يتم تحديث الأرقام النهائية التى تظل قابلة للزيادة مع استمرار عمليات رفع الأنقاض من ناحية، واستمرار العدوان الإسرائيلى الغاشم على القطاع من ناحية أخرى.

◄ (المادة 28)
تعترف الدول الأطراف بحق الطفل فى التعليم، وتحقيقاً للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص.

رغم أن الشعب الفلسطينى فى غزة يواجه ظروفا شديدة الصعوبة، فإنه يتمسك بالحق فى التعليم للأطفال، إذ يوجد بغزة نحو 300 مدرسة تقدم الخدمة لأكثر من 1.3 مليون طالب وطالبة، لكن إسرائيل أبت إلا أن تجرد أهالى غزة من هذا الحق، فخلال العدوان الصهيونى الحيوانى على قطاع غزة، تم تعليق الدراسة بشكل إجبارى فى جميع المدارس بالقطاع بسبب القصف الإسرائيلى العشوائى الذى لا يفرق بين مستشفى أو مدرسة أو دور عبادة، وهو ما تحقق بقصف المشافى مثل مستشفى المعمدانية فى مجزرة راح ضحيتها العشرات ومن بينهم أطفال، أو المجزرة الأخيرة فى مدرسة الفاخورة التى راح ضحيتها العشرات ومن بينهم أطفال كذلك.

الانتهاكات الإسرائيلية ضد حق التعليم لا تقتصر على لحظة الحرب الحالية، بل إنها سياسة مستمرة، إذ سبق أن أعلن لين هلستينجز، المنسق الإنسانى المقيم للأمم المتحدة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فى أغسطس الماضي، أن أطفال غزة مروا بعام شديد السوء فى 2023، أى قبل أن تبدأ الحرب على غزة أصلا، وأشار فى بيان رسمي، إلى أنه خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري، سجلت الأمم المتحدة ما يزيد على 432 حادثة أثرت سلبا على الأطفال الفلسطينيين وتعليمهم، من بينها إطلاق القوات الإسرائيلية النار على المدارس والطلاب، والقيام بهدم عدد من المدارس وعمليات التحرش من قبل المستوطنين، وتأخر نحو 50 ألف طفل عن الدراسة بسبب نقاط التفتيش. 

وكشف المسؤول الأممى عن هدم السلطات الإسرائيلية لثلاث مدارس بشكل كامل خلال الـ12 شهرًا الأخيرة، كان آخرها فى قرية عين سمية يوم 17 أغسطس الماضي، قبل أيام قليلة من بدء العام الدراسى الجديد، بالإضافة إلى أن 58 مدرسة أخرى تعرضت للهدم الجزئى أو الكلى أو صدر بحقها أمر بوقف العمل بها. وتكشف هذه المعلومات التى صدرت فى بيان رسمى قبل الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة فى أكتوبر الماضي، عن السياسة الصهيونية المبيتة لحرمان الأطفال الفلسطينيين من الحق فى التعليم.

◄ (المادة 37)
• تكفل الدول الأطراف:
(أ) ألا يعرض أى طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثمانى عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم.

(ب) ألا يحرم أى طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقًا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصى فترة زمنية مناسبة.

تخترق قوات الاحتلال الإسرائيلى هذه المادة بشكل يومى فما يجرى فى غزة الآن لا علاقة له بتوفير الحد الأدنى من الرفاه للطفل، أى توفير الحقوق الأساسية من تعليم وصحة وأمن وسلام نفسي، بل إن شهادات الأطفال الذين تم اعتقالهم فى السجون الإسرائيلية تكشف عن تعرضهم لأشكال بشعة من الاستغلال الضار وتعرضهم للضرب المبرح والتعذيب. وقال نادى الأسير الفلسطيني، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلى اعتقلت أكثر من تسعة آلاف طفل فلسطينى منذ العام 2015 إلى العام 2022، وبطبيعة الحال زاد المعدل فى العام الجارى بسبب التعديات الصهيونية على المسجد الأقصى وارتفاع معدل الحركة الاستيطانية وزيادة استفزاز اليمين الإسرائيلى المتطرف للفلسطينيين، وعادة ما يتم اعتقال ومحاكمة من 500 إلى 700 طفل فلسطينى بسبب مقاومتهم لقوات الاحتلال الغاشم.

وقالت منظمة العفو الدولية فى تقرير رسمى حول أوضاع الأطفال الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، إن إسرائيل «تستمر فى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بشكل ممنهج وواسع النطاق ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، على خلفية عقود من التمييز والعزل والتفرقة والاضطهاد برعاية الدولة. وثمة أدلة على أن معاملة أحمد مناصرة تتطابق مع نمط أوسع من التمييز ضد الأطفال الفلسطينيين فى نظام القضاء الجنائى الإسرائيلي. ووفقاً لسجلات منظمة العفو الدولية، فإن نحو 170 فلسطينياً من المسجونين حالياً اعتُقلوا عندما كانوا أطفالاً. وفى العديد من هذه الحالات، حُرم الأطفال من المحاكمات العادلة وفقاً للمعايير الدولية والحماية بموجب النظام القضائى الخاص بالأطفال. وفى حالات أخرى تعرَّض الأطفال للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة».

◄ (المادة 38)
تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنسانى الدولى المنطبقة عليها فى المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.

لا تعترف إسرائيل بالقانون الدولى مستغلة فى ذلك الحماية التى تقدمها لها الولايات المتحدة للهروب من أى ملاحقة دولية، لذا لا تتبع عصابات الجيش الإسرائيلى أى معايير أخلاقية فى حربها على الفلسطينيين، بل تمارس سياسات وحشية تتصاغر معها الجرائم النازية، إذ يصنف ما تفعله قوات الاحتلال تحت بند جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصا أنها تستخدم العنف المفرط والتصفية العمدية للأطفال فى انتهاك واضح وصريح للمادة (38) من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان كان صريحًا فى أغسطس الماضي، عندما تحدث عن أنه «كان العام الماضي، 2022، أكثر الأعوام دموية للأطفال الفلسطينيين فى الضفة الغربية منذ 15 عامًا، وعام 2023 مستمر فى نفس الوتيرة أو أنه سيتجاوز أعداد 2022، حيث قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 34 طفلا فلسطينيا فى الضفة الغربية حتى 22 أغسطس الماضي».

وقدمت المنظمة توصيات عاجلة، وطالبت الجيش الإسرائيلى وشرطة الحدود بإنهاء الاستخدام غير القانونى للقوة القاتلة ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، وطالبت «الأمين العام للأمم المتحدة بأن يدرج القوات المسلحة الإسرائيلية فى تقريره السنوى عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال فى النزاعات المسلحة لعام 2023 على أنها مسؤولة عن قتل وتشويه الأطفال الفلسطينيين، وعلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يسرع فى تحقيقات مكتبه فى فلسطين، بما فى ذلك فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال».