أمام مؤتمر استدامة المياه بالدوحة

المفكر العالمي مالكولم جلادويل: مواجهة تحديات المناخ تتطلب سرعة التفكير خارج الصندوق

مالكولم جلادويل
مالكولم جلادويل

ألقى المفكر العالمي مالكولم جلادويل  الضوء على التحديات التى تواجه التعامل مع مشكلة التغير المناخي والأمن المائي والغذائي.. وخلال الجلسة الافتتاحية  لمؤتمر استدامة المياه الذى نظمته جامعة جورج تاون فى قطر.. أكد إن هذه التحديات شبيهة بقصة واحد من أهم المبتكرين فى القرن العشرين، وهو الطبيب فريدريك من المعهد الوطنى للسرطان ومبتكر أول علاج كيميائى لعلاج سرطان لوكيميا الأطفال فى الخمسينيات.. فى ذلك الوقت، كانت لوكيميا الطفولة مرضًا مخيفًا لا يوجد له علاج.. فاقترح فريدريك دمج أربعة عقاقير كانت متاحة وقتئذ بطريقة جديدة، على الرغم من مواجهة التشكيك والاعتراضات من قبل زملائه. اعتبرت طريقته هذه هرطقة، حيث كان دمج الأدوية أمرًا غير تقليدي..

لكن إذا نظرنا إلى آليات عمل تلك العقاقير، نجد أن كل واحد منها تهاجم المرض بطريقة مختلفة.. اقرب مثال لذلك، القوات الجوية والبحرية والمشاة والقوات الخاصة، حيث لا يمكن لكل فرع من هذه القوات هزيمة العدو بمفرده، ولكن بتوحيد جهودها يمكنها القيام بذلك.. وكانت الفكرة نفسها صحيحة فى علاج السرطان.. واجه فريدريك وقتئذ انتقادات اجتماعية من زملائه الذين هاجموا طريقته التى تدفع إلى المزيد من الأعراض الجانبية للعقار الخليط المستحدث، إلا أن فريدريك فضل المضى قدما فى تجربته التى متذرعا بأن العقار الخليط رغم آثاره الجانبية الفظيعة، لكنه قد يبقى المريض على قيد الحياة لفترة أطول..

بدأ فريدريك تجربته مع طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات حيث قدم لها فريدريك العقاقير الأربعة بتركيبة مشتركة، ومرت الطفلة بآثار جانبية فظيعة. وكادت الفتاة تموت فى الليلة الأولى، بينما ظل يتابع حالتها عن قرب وبمعجزة استقرت حالتها.. ثم طبق التجربة على مريض آخر وآخر وآخر حتى تمكن كل واحد من هؤلاء المرضى من النجاة.. وفى عام 1965 نشر وطور فريدريك واحدة من أشهر الدراسات فى تاريخ البحوث السرطانية الحديثة، والتى قدمت لأول مرة حالة ناجحة للعلاج الكيميائى المشترك، والذى يظل المعيار الذهبى حتى يومنا هذا لكيفية علاج السرطان.. ورغم ذلك، لم يحصل فريدريك على جائزة نوبل، على الرغم من أنها كانت واحدة من أكثر الاكتشافات الطبية الاستثنائية فى القرن العشرين.  

يقول الفكر العالمي جلادويل: الآن فكر فى هذه القصة كنموذج للابتكار. هنا لدينا شخص لديه رؤيتان استثنائيتان:

أولها: أنه فكر خارج الصندوق متخطيا مرحلة التجارب على الحيوانات والطرق التقليدية الأخرى.. وثانيها أنه نفذ هذه الأفكار فى ظروف من عدم اليقين بينما يخاطر بالتجربة ويلاحظ النتائج، وهذا هو التسلسل الكلاسيكى لرواد الأعمال. تبدأ بالأفكار، ثم تجربتها ويلى ذلك التحقق التجريبى من النتائج. أعتقد أننا عندما نفكر فى الابتكار، نقضى الكثير من الوقت فى التفكير فى هذا الجزء من المعادلة، ما هى أفكارنا؟ كيف سننفذها؟ كيف سنقيس نجاحنا؟ هل نحن مركزون؟ نحن نفكر فى المبتكرين، نفكر فى أشخاص يتمتعون بالقدرة على تنفيذ تلك العملية بشكل جيد. ولكن هناك جانب آخر فى ذلك يتم إغفاله كثيرًا، وهو المخاطر الاجتماعية.

واتخاذ المخاطر الاجتماعية هو ما هو السياق البيئى الذى تنفذ فيه فكرتك؟ ماذا يعتقد الناس من حولك عن ذلك؟ ما هى العقبات الاجتماعية التى تواجهك فى إجراء أبحاثك أو تنفيذ أعمالك؟ وأعتقد أن اتخاذ المخاطر الاجتماعية اللازمة لتحقيق الابتكار يمكن أن يكون فى كثير من الأحيان مهمًا بنفس القدر أو أكثر من اتخاذ المخاطر التشغيلية، خاصة عند التعامل مع مشكلة صعبة للغاية وتتطلب وقتًا حساسًا للغاية. لذا أردت أن ألقى الضوء عليه هو التركيز على هذا الموضوع المتعلق بالمخاطر الاجتماعية فى إطار البحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة تحديات استدامة المياه والتغيير المناخي. وهناك عنصران أريد التركيز عليهما فى نموذج اتخاذ المخاطر الاجتماعية: سرعة الاستجابة، والاختلاف.

وأضاف جلادويل فى حديثه عن العالم الذى ابتكر العلاج الكيميائى «من الأخطاء التى نقع فيها هو التعامل مع أى مشكلة نواجهها على أنها أمرٌ عادي، ونعتقد بأن الأمر ليس من الضرورى أن يكون عاجلاً أو مزعجًا. فقد اعتقد العلماء الذين كانوا يدرسون سرطان الدم فى الستينيات أنه مرض عادي، وأنه ليس من الضرورى أن يكونوا فى عجلة من أمرهم أو يتجاهلوا وجهات نظر أقرانهم وآرائهم»، موضحًا أن التاريخ يعيد نفسه فى تعاملنا مع الأزمات البيئية فى عصرنا الحالي.

وتابع: «عندما نعلم بأنه تمت إزالة 20% من غابات الأمازون، فإننا نعتقد أن لدينا الكثير من الوقت وأن الأمر لا يزال فى مراحله الأولى. ولكن عندما نعلم أنه هذه الغابات تنهار عند إزالة 40% منها، ندرك حينها أنه ليس أمامنا الكثير من الوقت على الإطلاق. الكثير من الناس ينكرون ظاهرة تغير المناخ لأنهم غير مستعدين بعد لقبول هذا النوع من المصير غير البديهي».

يؤكد جلادويل أن نقطة التحول أو اللاعودة لا تتفق مع المنطق العام للتفكير. وقال: «نحن قريبون بشكل خطيرمن نقطة اللاعودة فى جهود تجريف غابات الأمازون وإزالتها، حيث تتغير المنظومة البيئية في الأمازون بسرعة كبيرة من غابات مطيرة إلى نوع من السافانا منذرة بعواقب وخيمة ومدمرة على الكوكب بأكمله. إنها ليست مشكلة عادية، بل شيء سيتغير بين عشية وضحاها ولا يمكننا التعامل معه بطريقة تفكير تقليدية إذا كنا نرغب فى الحصول على أى من النتائج الإيجابية».