دراسة| القضاء الإسرائيلي يمنح حصانة لجيش الاحتلال بقتل الفلسطينيين دون مساءلة

أرشيفية
أرشيفية

يتساءل العالم وشعوبه وقاداته عن الأسباب التي أدت إلى العنف الدموي في الجرائم المرتكبة على أرض غزة، والنزاع المسلح الشرس منذ أكتوبر 2023 الدائر بين قوات الاحتلال الإسرائيلى وحركة حماس بقطاع غزة وراح ضحيتها ما تجاوز أحد عشر ألفاً من المدنيين خاصة الأطفال تجاوز 4630 طفلا ً والنساء تجاوز 3130 امرأة والشيوخ والمصابين أكثر من 29000 مصاب؛ وهو نزاع مسلح لم يقم بين عشية وضحاها بل كان بسبب ماض ٍ طويل من الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولي وللحقوق الإنسانية لسكان غزة.

وفي إحدى الدراسات القانونية النادرة تفك طلاسم الأسباب السابقة على مدار عدة عقود زمنية أدت إلى النزاع المسلح الاَن وما خلفه من جرائم الإبادة الجماعية بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وتكشف عن مدى المعاناة التي عاشها سكان قطاع غزة خلالها على أيدى قوات الاحتلال من أفعال غير إنسانية أدت إلى ما نحن فيه. وتبين للعالم مدى القهر والظلم الواقع على سكان غزة حتى من القضاء الإسرائيلي ذاته؛ الذي احتكم الفلسطينيون إليه من تصرفات الاحتلال البغيض. أجرى المفكر والمؤرخ القضائي القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بدراساته الوطنية والقومية دراسة بعنوان «أحكام القضاء الإسرائيلي الغائبة عن العالم بشرعنة جرائم الاحتلال غير الإنسانية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة بالمخالفة للحقوق الإنسانية للبشرية»؛ وهو عمل شاق قام به من أجل الوصول لأصل الأحكام باللغة العبرية.

نعرض للموضوع الثاني من دراسة القاضي المصري عن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بمنح حصانة لجيش الاحتلال لقتل وإصابة الفلسطينيين في غزة دون مساءلة أو تعويضات ووضعه في الميزان الدولي وعرض قصة الطفل الفلسطيني الذي أصابه الاحتلال بشلل رباعي في عيد ميلاده وعلمهم معنى الإنسانية؛ ويتزامن عرض الموضوع مع اليوم العالمي للطفل 20 نوفمبر. 

أولاً: الطفل الفسطيني، قال: "جيش الاحتلال قصفوني وأنا احتفل بعيد ميلادي وأصابوني بشلل رباعي بلا رحمة".

يقول الدكتور محمد خفاجي ترجع وقائع قضية الطفل عطية فتحي النباهين في 16 نوفمبر 2014، أي بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب السابقة على غزة عام 2014، وأثناء سير الأعمال العدائية أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الصبي عطية فتحي النباهين، البالغ من العمر 15 عاماً آنذاك، وهو في ممتلكات عائلته القريبة من مخيم البريج للاجئين في قطاع غزة، على بعد 500 متراً من السياج الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة؛ حيث اختارت قوات الاحتلال توقيت إطلاق النار على الطفل في عيد ميلاده الخامس عشر، ونتيجة إطلاق النار، أصيب الطفل بشلل رباعي، بلا رحمة أو شفقة لحقوق الطفل المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي حددت سن الطفولة بمن لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، وسيبقى الطفل بقية حياته على كرسي متحرك، ويرى من أصابه يرتع ويلعب فى وطنه.

ثانياً: الطفل الفسطيني قرر اللجوء للقضاء الإسرائيلي ضد قادة إسرائيل ليعلمهم درساً في الإنسانية.

ويذكر الدكتور خفاجي، أن الطفل الفلسطيني عطية فتحي النباهين قرر اللجوء للقضاء الإسرائيلي ضد قادة إسرائيل ووزارة الدفاع الإسرائيلية عن طريق والده ومركز عدالة ومركز الميزان طالباً الانتصاف الفعال هو حق أساسي من حقوق الإنسان المنصوص عليه في القانون الدولي القانون ومشتق من حق الفرد في الحياة والسلامة الجسدية والكرامة والتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء إطلاق النار غير المبرر عليه.

ويضيف لجأ الطفل الفلسطيني أمام المحكمة المركزية في بئر السبع، وكان رد الحكومة الإسرائيلية على الطفل أنه يعيش في قطاع غزة وهي "منطقة معادية"؛ فقال الطفل للمحكمة، كنت احتفل بعيد ميلادي وأصابوني بشلل رباعي ثم علمت أن إسرائيل حصنت نفسها من المساءلة تجاه المدنيين وأن تعديل الكنيست الإسرائيلي عام 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بحرمان سكان غزة من التعويض عن الأعمال الحربية غير دستوري ومخالف للقانون الدولي القانون، لأنه يحرم جميع الفلسطينيين المقيمين في غزة بمن فيهم الأطفال من الانتصاف الفعال لمجرد أنهم يعيشون في غزة، وهذا المنطق ضد الإنسانية.

ثالثاً: محكمة أول درجة بإسرائيل ترفض قضية الطفل الفلسطيني وتقرر لا تمييز بين المدنيين والمقاتلين في غزة!

ويذكر د. خفاجي ظلت القضية تتداول وبجلسة 4 نوفمبر 2018 حكمت محكمة المركزية في بئر السبع برفض الدعوى التي رفعها مركز عدالة – ​​المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل - ومركز الميزان لحقوق الإنسان نيابة عن عائلة الطفل ضد الجيش الإسرائيلي بسبب إطلاق النار على الطفل وإصابته بالشلل الرباعي، وجاء حكم المحكمة الإسرائيلية أول درجة برفض دعوى الطفل بحجة أنه في ظل حالة الحرب بين إسرائيل وحماس، لا يمكن أن يكون هناك أي تمييز بين المدنيين والمقاتلين، ولا تستطيع الدولة التمييز بينهما في الدعاوى القضائية المقدمة من هاتين "الفئتين" من سكان غزة. وقد أيدت المحكمة دستورية المادة 5/ب-1 من التعديل رقم 8 لسنة 2012.

رابعاً: الطفل الفلسطيني لم ييأس وطعن على الحكم أمام المحكمة العليا الإسرائيلية وقال للمحكمة، "إسرائيل انتهكت القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل وقصفوني في عيد ميلادي وأصابوني بشلل رباعي"، والمحكمة ترفض دعواه.

يضيف الدكتور محمد خفاجي، أن الطفل الفلسطيني لم ييأس وطعن على حكم أول درجة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بركيزة من أن الحكم المطعون فيه ينتهك القانون الدولي وخرق اتفاقية حقوق الطفل، الذي يتطلب أن يكون للمدنيين المحميين الحق في الحصول على الحماية الفعالة في التعويضات القانونية نتيجة الأعمال الحربية، ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طعن الطفل الفلسطيني على اعتبار أن القانون يخدم غرضين "مشروعين" من وجهة نظرها؛ الأول منع "المساعدة الاقتصادية أو المعنوية للعدو"؛ والثاني، أنه تم تعديل القوانين التي تحكم هذا الأمر عن الأضرار الناجمة عن الظروف الاستثنائية السائدة في زمن الحرب.

ويشير في فبراير 2023، رفض رئيس المحكمة العليا طلبًا لجلسة استماع إضافية، وقدم مركز العدالة والميزان طلباً لإعادة النظر في القضية وحكمت المحكمة العليا الإسرائيلية بجلسة 5 يوليو 2023 فى الاستئناف المدني رقم 993/19 المرفوع من الطفل عطية فتحي النباهين ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية برفض قضيته ورفض طلب تعويضه عما فعله جيش الإحتلال من إطلاق النار عليه فى عيد ميلاده الخامس عشر أصابته بالشلل الرباعي.

خامساً: المحكمة العليا الإسرائيلية في 2022 تمنح حصانة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لقتل الفلسطينيين بقطاع غزة وتعفي إسرائيل من المسئولية المدنية وترفض تعويض ضحايا اعتداءاتها العسكرية.

ويذكر أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكما في يوليو 2022 يمنح حصانة لجيش الاحتلال الإسرائيلي عن قتل وإصابة الفلسطينيين في قطاع غزة ويعفيه من المسئولية المدنية تهرباً من مسئولية إسرائيل ورفضت تعويض ضحايا اعتداءاتها العسكرية، وفرضت العديد منها المعوقات والعقبات الإجرائية والمالية والقضائية التي تحول دون قيام الفلسطينيين برفع الدعاوى القضائية والحصول على سبل الانتصاف المدنية في المحاكم المحلية الإسرائيلية، وقالت المحكمة عبارة خطيرة تكشف عن أن القضاء الإسرائيلى يمنح الشرعنة لجرائم جيش الإحتلال وإهدار أحكام القانون الدولى بقولها "أن معايير القانون الدولي لا يمكن أن تؤدي إلى إلغاء تشريعات الكنيست ومن ثم فإن حقوق الطفل بموجب القانون الدولي ليست على صلة بأغراض المراجعة الدستورية".

سادساً: الكنيست الإسرائيلي أصدر تعديلاً عام 2012 على قانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي، بحرمان الفلسطينيين سكان غزة من التعويض عن أي إجراء إسرائيلي في قطاع غزة المحتل، سواء "عملاً حربيًا" أم لا.

ويذكر الدكتور خفاجي كان الكنيست الإسرائيلي– פַּרלָמֶנט وهو مجلس تشريعي وطني بغرفة واحدة لإسرائيل – قد أجرى تعديلاً بالقانون رقم 8 لعام 2012 على قانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي، والذي ويمنع فعلياً الفلسطينيين من طلب التعويض في المحاكم المدنية الإسرائيلية عن أي أضرار تكون ناجمة عن أي إجراء إسرائيلي في قطاع غزة المحتل، دون اعتبار لما إذا كانت تلك الأعمال "عملاً حربيًا" من عدمه، ودون نظر إلى أن الأعمال قانونية أو غير قانونية بشكل واضح قد تسببت في إيذاء المدنيين عمدًا، حيث يفرض تعديل عام 2012 بإسرائيل حظرًا تامًا على الدعاوى المدنية المرفوعة ضدهم إسرائيل من قبل سكان قطاع غزة.

سابعاً: المحكمة العليا الإسرائيلية صنفت قطاع غزة على أنه "منطقة معادية" لإسرائيل ولا تعويض للفلسطينيين عن أي عمل حربي أو غير حربي

واستندت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى تعديل الكنيست الإسرائيلى عام 2012 بحرمان التعويض للمقيمين في "أراضى دولة معادية " عن أية أضرار، سواء كانت ناجمة عن "عمل حربي" أم لا، واستناداً إلى قرار الحكومة الإسرائيلية الصادر في 7 أكتوبر 2014 بتصنيف قطاع غزة على أنه "منطقة معادية" لأغراض المسئولية المدنية؛ وهو القانون الذى ينطبق على جميع الفلسطينيين المقيمين في غزة الذين أُصيبوا أو قُتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال الحرب السابقة على القطاع عام 2014، بما يسمى "عملية الجرف الصامد"، التي قتل خلالها الجيش الإسرائيلي 2219 فلسطينيا ودمر8381 منزلاً سكنياً. وحرمت سكان غزة من التماس سبل الانتصاف المدنية في المحاكم الإسرائيلية.

ثامناً: حكم المحكمة العليا الإسرائيلية صدر دون تحقيق فردي لصالح الطفل الفلسطينى وهو ما يمثل إنكاراً لحق الإنسان في الكرامة.

يقول الدكتور محمد خفاجي، الرأي عندي أن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية صدر دون تحقيق فردي وهو جزء من القانون الأساسي لكرامة الإنسان وحريته؛ وهو ما يمثل إنكاراً لحق الإنسان في الكرامة، تتهرب به إسرائيل من مسئولياتها كدولة في التحقيق وتمنع الدولة نفسها من تحمل المسئولية عن الانتهاكات التي يرتكبها جيش الإحتلال على أرض غزة العربية؛ سواء المتخذة أثناء العمليات العسكرية أوغير العسكرية، ويتركونهم ضحايا لهم دون أي سبيل للحصول على ثمة تعويض أو ولوج أية سبل انتصاف أخرى من إسرائيل. ويضيف أن التعديل رقم 8 لسنة 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بتحصين الجيش الإسرائيلى من تعويض الضحايا المدنيين يترك الفلسطينيين في قطاع غزة ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها قادة إسرائيل , ويجب أن تكون محلاً للتحقيق من قبل لجنة التحقيق الدولية بالمحكمة الجنائية الدولية.

تاسعاً: تعديل 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بتحصين الجيش الإسرائيلى لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية من تعويض الضحايا في قطاع غزة يشكل جزءًا من نظام الإفلات من العقاب الذي تمنحه إسرائيل لنفسها وقادتها مُجّرم دولياً.

ويذكر د. خفاجي، الرأي عندي أيضاً أن التعديل رقم 8 لسنة 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بتحصين الجيش الإسرائيلى من تعويض الضحايا المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مثل هذا القانون يشكل جزءًا من نظام الإفلات من العقاب الشامل الذي تمنحه إسرائيل لنفسها وقادتها وكافة السلطات بما في ذلك جيش الإحتلال وشرطته فى معاملتهم الفلسطينيين فى المناطق الخاضعة لولايتها وسيطرتها، وهو الأمر المُجّرم دولياً، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المحكمة العليا الإسرائيلية ترسخ لنظام الإفلات من العقاب.

ويختتم الدكتور محمد خفاجي، فكم من ظلم وقهر وطغيان عايشه الفلسطينيون من سكان قطاع غزة منذ سنوات طوال من قوات الإحتلال الإسرائيلى وسائر سلطات إسرائيل حتى القضاء منهم، ولا يعلم العالم أجمع شيئاً مفصلاً عن أحكام القضاء الإسرائيلى التي شرعنت جرائم الاحتلال وخرقت الالتزامات والواجبات الدولية واغتصبت أرض فلسطين وثرواتها وجعلت من إسرائيل نفسها كياناً متجبراً سامياً مستعلياً مستكبرا فوق البشر والدول,إن سكان غزة تعرضوا لطغمة فاجرة على مدار سنوات مضت ظلت دفينة فى النفوس هديراً مدوياً لا يتحمله بشر حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023 .

اقرأ أيضا| خلال 24 ساعة.. تحرير 1847 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني