«الحب في بيت الثعابين!» قصة قصيرة للكاتب ​علاء عبدالعظيم

الكاتب ​علاء عبدالعظيم
الكاتب ​علاء عبدالعظيم

هو ليس في الحقيقة ابن ذوات، ولا يتصل نسبه بأسرة عريقة، بل أوثق المصادر تؤكد أن إبراهيم هو ابن أحد الشيالين بمحطة مصر الذين كسبوا رزقهم بسواعدهم المتينة، وحنجرتهم القوية في الزعيق والمناداة على المسافرين.

ومع ذلك إذا وقعت عيناك عليه فأنت تعجب بأناقته. ورشاقته ولباقته في الحديث، ويسرح خيالك إذا ما رأيته يصعد إلى مكتب المحاماة الذي افتتحه أخيرا.

وتعجب لمظاهر الأنفة والكبرياء والعجرفة المرتسمة على وجهه.

ولا شك أن وسامة وجهه، وبياض بشرته هما اللذان دفعاه إلى أن يتخيل نفسه ابن ذوات، ويحاول أن يتصرف في حياته كأنه من نسل تلك الطبقة الارستقراطية التي لا تختلط بالشعب وتعتزل الحياة مع الرعاع.

استطاع إبراهيم أن يقطع صلته بأهله بعد وفاة أبويه فقد كانا يذكرأنه بأصله الفقير، وانتقل للعيش بعيدا عن الحي الفقير الذي كان يقطن فيه، ويواصل عمله في المحاماة صباحا، ويتردد على النوادي وصالات الرقص باحثا عن رفاق سهراته من أبناء الذوات الحقيقيين.

لكن كانت هناك مشكلة تعترض حياته، وهي كيف سيتزوج، فأنه بطبيعة الحال لن يتزوج واحدة من طبقته الفقيرة.

لابد له من الزواج من إحدى فتيات الأسر الغنية المعروفة، وهو لا يريد أن يتطفل على أحد أو يخدع أي فتاة، لكنه في الحقيقة مؤمن بأنه جدير بواحدة منهن، وبدأ يصدق فعلا أنه ابن ذوات!

ورأى أخير الفتاة التي أحبها، رآها تركب المصعد في نفس العمارة التي فيها مكتبه، وعندما التقت نظراته بنظراتها أحس برجفة تسري في أوصاله، وسأل عنها البواب فعلم أنها ساكنة جديدة.

التهب غرامه عندما رآها تركب سيارتها الفاخرة وتقودها بنفسها، وبدأ يحلم بالزواج منها، وأخذ يفكر في الطريقة المناسبة التي يستطيع أن يحقق بها حلمه.

وتعمد أن يعرف مواعيد هبوطها، وصعودها كي يلاحقها بنظراته، وفجأة أحس أن الفتاة تبادله النظرات، بل خيل إليه أنها قد ابتسمت له، أو على الأقل ارتسم على وجهها شبح ابتسامة، ثم تطورت الأحداث فجأة فقد وصله منها خطاب.

لم يتوقع أن يحدث هذا، إذن فهي وقعت في حبه بل متيمة به، فقد بدأت الخطوة الأولى، أن الخطاب يضرب له موعدا في حديقة الحيوان، في بيت الثعابين، علت وجهه الدهشة يتساءل أن حديقة الحيوان ليس المكان المناسب لابنة الذوات، وخصوصا في بيت الثعابين، لكن لا بأس ربما هي تريد أن تقابله في الخفاء، ولفترة من الوقت حتى يتفقا على مراسيم الزواج.

أسرع إلى بيت الثعابين في الموعد المحدد، ووقف وحده يتأمل الثعابين وهي تفح وتتلوى في بيوتها الزجاجية، ومضى ربع ساعة كأنه ربع قرن، ثم ظهرت فتاة.. لا أنها ليست هي.. ومع ذلك تقدمت الفتاة منه، نعم إنه يذكرها، إنها خادمة حبيبته لقد رآها معها عدة مرات.. ووقفت الخادمة أمامه وقالت:

إنا متأسفة.. ستي مش جاية النهاردة

 - ليه حصل حاجة؟

- عندها شوية برد

 -وبتقول لحضرتك أنها هتكلمك عن الميعاد الثاني.

-  طيب متشكر

أدار إبراهيم ظهره إلى الخادمة، ومضى يتأمل الثعابين من جديد، لكنه فوجئ بالخادمة تحتضنه وتقبله، أصيب بذهول تام، وهو يستمع إليها تقول له بأنها هي التي أحبته، وأرسلت له الخطاب، وأنها ستموت كمدا لو علمت أنه سيرفض حبها لمجرد أنها فتاة فقيرة، وابنة شيال يعرف أباه عندما كان يعمل معه في محطة مصر!