في ذكرى افتتاح «قناة السويس».. حكاية شريان ملاحي غير خارطة العالم التجارية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: فتحي البيومي

لم تك مجرد شريان ملاحي ربط البحرين الأحمر والأبيض ببعضهما ، بل كانت نقطة تحول في مسار الاقتصاد العالمي ، لتضع مصر على خارطة الممرات الدولية الهامة، وترسل للعالم أجمع رسالة مصرية خالصة مفادها  "لو لم نكن نحن، لما كنتم أنتم" فلولا مصر بمكانتها ومكانها لما كانت التجارة العالمية والاقتصاد العالمي لما هو عليه الآن .

فقبل شق قناة السويس كانت التجارة العالمية تمر بطريق رأس رجاء الصالح لتأخذ شهورا من بداية انطلاقها وحتى وصولها مبتغاها، مما كان له أثرا كبيرا في صعوبة الحركة التجارية، ولكنها "قناة السويس" جاءت وكأنها معها مفتاحا سحريا فتح أبوابا جديدة لتجارة أكبر سرعة وأكثر رخاء، فمنذ افتتاحها والعالم اتخذ شكلا تجاريا جديدا ومسارا أكثر أمننا وربحا.

ذلك الشريان الملاحي العظيم الذي أضاف إلى مصر أهمية فوق أهميتها، وعظمة وجلال فوق جلالها، وكأنه رسالة للعالم أجمع " مصر فقط من تمتلك الحلول لكل أمر عسير" 

في السابع عشر من نوفمبر ١٨٦٩ أطلق ذلك الحفل الأسطوري لافتتاح قناة السويس، ليخطف أنظار العالم، ويبهر عقولهم ويردد صوتا قويا في أعماقهم "هنا مصر، ومن دون مصر العالم لا شيء" ..


"بوابة أخبار اليوم"  تفتح خزانة ذكريات قناة السويس لتحكي حكايتها من الفكرة حتى الافتتاح.

◄ فكرة المشروع وبداية الإنشاء
وعن بداية مشروع قناة السويس يقول "جلال عبده هاشم" أحد أبناء الإسماعيلية ومؤلف كتاب الاسماعيلية أحداث وذكريات يبدأ التاريخ الحقيقي لقناة السويس من فرمان الامتياز الأول وما تلاه من فرمانات مرورا بضربة الفأس الأولى في أعمال الحفر وصولا إلى انتهاء أعمال الحفر "18 اغسطس 1869" والتي توجت بحفل الافتتاح في 17 نوفمبر 1869.
وقد تضمنت هذه الفترة عدة مراحل أهمها .

◄ فرمان الامتياز الأول
وقد صدر فرمان الامتياز الأول الذى منح فرديناند ديليسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس فى 30 نوفمبر 1854 وينص هذا الفرمان في مادته الأولى على أن ديليسبس يجب أن ينشىء شركة ويشرف عليها ، وفى مادته الثانية أن مدير الشركة يتم تعيينه بمعرفة الحكومة المصرية وفى مادته الثالثة أن مدة الامتياز تسع وتسعون سنة تبدأ من تاريخ فتح القناة، وفى مادته الخامسة أن الحكومة المصرية تحصل سنوياً على 15 % من صافى أرباح الشركة، وكذلك وينص هذا الفرمان أيضاً على أن رسم المرور فى القناة يتم الاتفاق عليه بين الخديوي والشركة، وأن تتساوى فيه كل الدول دون تفرقة أو امتياز، وأنه عند انتهاء امتياز هذه الشركة تحل الحكومة المصرية محلها، وتستولى على القناة وعلى كل المنشآت التابعة لها.

◄ اقرأ أيضًا | «مكتبة الإسكندرية»: ترميم سجلات قناة السويس من أكبر المشروعات التي نتبناها

◄ فرمان الامتياز الثاني
وقد صدر فرمان الامتياز الثاني فى 5 يناير 1856 وهو يتضمن 23 مادة توضح ما تضمنه الفرمان الأول من أحكام، غير أنه يلاحظ أن المواد 14 و 15 من الفرمان الثاني تؤكد بصورة واضحة حياد القناة،  فقد جاء فى المادة 14  "القناة البحرية الكبرى  والمرافىء التابعة لها مفتوحة على الدوام بوصفها ممراً محايداً لكل سفينة تجارية"

◄ تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية
وعن بدء تفعيل خطوات المشروع يقول "هاشم " ثم بعد ذلك تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية "15 ديسمبر 1858" برأس مال قدره 200 مليون فرنك "8 ملايين جنيه"، مقسم على 400,000 سهم قيمة كل منها 500 فرنك ، خصصت الشركة لكل دولة من الدول عددا معينا منها وكان نصيب مصر 92136 سهما ونصيب انجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم غير أن هذه الدول رفضت رفضا باتا الاشتراك في الاكتتاب ، فاضطرت مصر إزاء رفضها ، إلى استدانة 28 مليون فرنك "1120000 جنيه " بفائدة باهظة لشراء نصيبها بناء على إلحاح دي ليسبس ، ورغبة منها في تعضيد المشروع وإنجاحه ، وبذلك أصبح مجموع ما تملكه مصر من الأسهم 177642 سهما قيمتها 89 مليون فرنك تقريبا "3560000 جنيه"، أي ما يقرب من نصف رأس مال الشركة.

◄ بدء العمل في حفر قناة السويس
وعن بدء الأعمال في حفر قناة السويس يقول "هاشم" : في 25 أبريل 1859 بدأ العمل فى حفر قناة السويس رغم اعتراضات انجلترا والباب العالي، وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح " 18 نوفمبر 1862"  ، وكانت وقتئذ عبارة عن منخفض من الأرض ، تحف به الكثبان الرملية ويقع في منتصف المسافة بين بورسعيد والسويس.

وتلاقت مياه البحرين الأبيض والأحمر "18 اغسطس 1869" ، فتألف منها ذلك الشريان الحيوي للملاحة العالمية ، وبذلك انتهت أعمال هذا المشروع الضخم الذي استغرق تنفيذه عشر سنوات ، بعد استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة ، وقد بلغت تكاليفه 433 مليون فرانك "17320000 جنيه" ، أي ضعف المبلغ الذي كان مقدرا لإنجازه.

◄ افتتاح القناة في حفل أسطوري، وأشهر المدعوين
وعن افتتاح قناة السويس في السابع عشر من نوفمبر ١٨٦٩ يقول "هاشم" بعد أن تلاقت مياه البحرين الأحمر والمتوسط في ١٨ اغسطس ١٨٦٩ لتظهر إلى النور قناة السويس " شريان الخير لمصر والعالم " التي وصفها عالم الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان بأنها " نبض مصر"، افتتحت القناة في حفل أسطوري في "١٧ نوفمبر ١٨٦٩" وكان ذلك  بحضور ستة آلاف مدعو في مقدمتهم الإمبراطورة اوجينى زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا ، وشقيق ملك هولندا ، وسفير بريطانيا العظمى في الآستانة ، والأمير عبد القادر الجزائري، والأمير توفيق ولى عهد مصر، والكاتب النرويجي الأشهر هنريك إبسن ، والأمير طوسون نجل الخديوي الراحل سعيد باشا ، ونوبار باشا. وغيرهم.

وعبرت القناة في ذلك اليوم السفينة "ايغيل" وعلى متنها كبار المدعوين تتبعها ٧٧ سفينة منها ٥٠ سفينة حربية، وأقيمت بهذه المناسبة احتفالات ومهرجانات تفوق الوصف، أنفق فيها الخديوي إسماعيل نحو مليون ونصف مليون جنيه.