لتبييض صفحة إسرائيل الملطخة بدماء الفلسطينيين

«تهمة الإرهاب».. أكذوبة الغرب لتشويه المقاومة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: حسن حافظ  - آية فؤاد

تستخدم الحكومات الغربية تهمة الإرهاب بحسب مصالحها وأهدافها، فهى تهمة إفك تحضر لتشويه حركات المقاومة الوطنية عندما يتعارض مشروعها لتحرير بلادها، مع المخططات الاستعمارية الغربية، لذا لم يكن جديدا أن تصف العواصم الغربية المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وتناصر الاحتلال الإسرائيلى فى إجراءاته الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، فالغرض هو استخدام نفس السيناريو الذى جرب عشرات المرات لإظهار المقاومة المشروعة بحكم القانون الدولي فى صورة الإرهاب، الذى تمارسه فى الواقع عصابات الصهيونية الحاكمة في تل أبيب.

◄ أمريكا تدافع عن حق أوكرانيا في ضد العدوان وتبرر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين

◄ تاريخ طويل من المذابح ضد السكان الأصليين في أمريكا

◄ فرنسا مارست المقاومة المسلحة ضد النازي ثم حرّمت هذا الحق على الجزائريين

◄ رئيس مركز يافا للدراسات: مكونة من عائلات فلسطينية معروفة

إن سجلات التاريخ لا تعرف الكذب وهى بالمرصاد للمحاولات الأمريكية الأوروبية لتبييض صفحة إسرائيل الملطخة بدماء آلاف الفلسطينيين، لينطبق عليها جميعا المثل العربى الشهير «رمتنى بدائها وانسلت»، فما أكثر المحاولات الغربية لتشويه العديد من حركات المقاومة فى مختلف أنحاء العالم.

ما تتعرض له المقاومة الفلسطينية فى غزة وفى مقدمتها حركة (حماس)، تعرضت له أغلب حركات التحرر العالمي في مواجهة الاستعمار الغربى الذى لم يتردد فى وصمها جميعا بتهمة الإرهاب، وهى تهمة مفضلة عنده لأنها تعبر عن حقيقة الممارسات الإرهابية التى ارتكبها الغرب فى نماذج الاستعمار التى تضمنت عمليات إبادة كاملة لشعوب وحضارات أصلية فى الأمريكتين وأستراليا وأفريقيا، وهى الممارسات البشعة التى تستخدمها الدول الغربية ضد أى حركة تحرر وطنى، وذلك عبر تصنيفها تحت خانة الإرهاب، تمهيدا لاستخدام كل قاموس الانتهاكات الحقوقية واستباحة كل المعايير الإنسانية ضد حركات المقاومة.

لو نظر أى عاقل لما يجرى فى الأراضي الفلسطينية فلن يتردد فى وصف أفعال جيش الاحتلال بالإرهاب الوقح والمكشوف، لكن الآلة الإعلامية الغربية التى تقودها الإدارة الأمريكية تُسخر كل أدواتها لقلب الحقائق وعكس الوقائع، فتصف الإجرام الإسرائيلي بالدفاع المشروع عن النفس والمقاومة المقبولة، فى حين تصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وهى آلية جربتها الدول الغربية الاستعمارية طوال عقود لتمرير أعمالها الإرهابية ضد شعوب العالم المختلفة التى تحاول رد العدوان الغربى، لذا تستخدم الدول الاستعمارية القانون الدولى بحسب الهوى والمزاج ولغة المصالح، فتعكس بذلك وضع الضحية التى تدافع عن نفسها لتجعلها فى خانة المعتدى، وتجعل المعتدى المحتل فى صورة المجنى عليه.

◄ جرائم فرنسا
فرنسا صاحبة التاريخ الاستعمارى الدموى والعنيف وصاحبة سجلات الإبادة العرقية فى العديد من المواقع المختلفة فى العالم، مارست تلك اللعبة مرات عديدة، فعندما طالب الجزائريون بحقهم فى الحرية والاستقلال، ردت باريس مدينة النور، بوصف الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر بالمنظمة الإرهابية، وكان هذا الاتهام مبررا لحكومة الاستعمار الفرنسى فى ممارسة كل الجرائم الوحشية التى عرفها التاريخ الإنسانى لقمع الثورة الجزائرية، والنتيجة مقتل مليون ونصف المليون جزائرى جراء آليات القمع الفرانكفونية التى شوهت حركة المقاومة الوطنية الجزائرية بتهمة الإرهاب، لكن المقاومة انتصرت فى النهاية وحصل الجزائريون على استقلالهم رغم حملات التشويه الفرنسية.

◄ اقرأ أيضًا | «العربية لحقوق الإنسان» ترصد انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة

◄ فرنسا والاحتلال النازي
الغريب أن فرنسا نفسها مارست المقاومة المسلحة ضد الاحتلال النازى بقيادة أدولف هتلر، الذى استطاع هزيمة فرنسا واحتلالها بالكامل فى أول أيام الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وبعد سقوط باريس فى يد النازى، أعلن الجنرال ديجول حركة المقاومة المسلحة لتحرير فرنسا، وبدأت حرب العصابات ضد المحتل الفرنسى، وعلى الفور أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة تأييد هذه الحركة وحقها المشروع فى مواجهة الاحتلال الألمانى، ونفذت عمليات تخريب شملت المرافق العامة والكهرباء، ورد المحتل الألمانى بإجراءات قمعية وصلت لحد ارتكاب مذابح فى حق الفرنسيين، لكن بعد هزيمة ألمانيا وتحرير فرنسا، لا يزال الشعب الفرنسى ينظر لحركة المقاومة باعتبارها رمزا للأمة الفرنسية كلها، وهو حق تنكرت له حكومات باريس المتتالية للشعوب التى وقعت تحت الاحتلال الفرانكفونى.

اللافت هنا أن مصطلح الإرهاب الحديث كممارسة تستخدم العنف غير المشروع بهدف بث الرعب بين المدنيين وتعريض حياة الأبرياء للخطر، وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة، ظهر أول ما ظهر فى العصر الحديث فى فرنسا نفسها، وذلك ضمن أحداث الثورة الفرنسية الشهيرة نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، إذ شهدت الأحداث فترة دموية عرفت باسم (عهد الإرهاب) استمرت لنحو عام، وارتكب روبسبير الزعيم الفرنسى وقتها مجازر ضد خصومه السياسيين، الذين اتهمهم بالعمل ضد الثورة الفرنسية، ليروح ضحية هذا الإرهاب فى حفلات إعدام جماعى، نحو 17 ألفا قتلوا فى الأحداث الإرهابية التى شنها بعض من تحدثوا باسم ثورة رفعت شعار (حرية. مساواة. أخوة)!

◄ وحشية أمريكية
إذا عبرنا للجهة الأخرى من الأطلنطى، وجدنا الولايات المتحدة، زعيمة العالم الحر كما تلقب نفسها، لكن التاريخ الأمريكى كله مبنى على الدم والقمع، فالمهاجرون الأوروبيون ارتكبوا مذابح جماعية وعمليات إرهاب منظم ضد السكان الأصليين ممن نعرفهم باسم الهنود الحمر، وتم إبادة قبائل بأكملها عن بكرة أبيها، كما أن الولايات الأمريكية رفعت السلاح فى ثورتها ضد الاستعمار البريطانى، ولم تصنف هذه الثورة المسلحة كإرهاب، بل اعتبرت حقا مشروعا للمستوطنين الذين سعوا لتحقيق استقلالهم عن المحتل الإنجليزى، وتم الاستقلال بالفعل عام 1783، وهنا نرى ازدواجية المعايير التى يتعامل بها العقل الأمريكى الذى يضفى على تاريخه قداسة وينزعها فى المقابل عن بقية شعوب العالم.

الإجرام الأمريكى يتمثل فى نكران حق الشعوب فى الحصول على حريتها، لذا لا تقر مصطلح المقاومة إلا بحسب مصالحها، فإذا كانت المقاومة هى الاستخدام المشروع لكل الوسائل بما فيها القوة المسلحة لإزالة الاحتلال والاستعمار والعدوان الخارجى، سعيا لتحقيق الاستقلال، فإن هذا التعريف تستخدمه واشنطن بمزاج استعمارى، ففى الوقت الذى تغدق بالسلاح على أوكرانيا بحجة دعمها فى مقاومة العدوان الروسى منذ بداية عام 2022، نراها فى الجهة المقابلة تدعم الاحتلال الإسرائيلى وتشرعن أعماله الإرهابية الصريحة فى حق الشعب الفلسطينى، بل تواصل واشنطن الطغيان وتنكر على أهالى غزة حق مقاومة المحتل.

لكن الموقف الأمريكى من المقاومة الفلسطينية ليس غريبا ولا شاذا على دولة استعمارية عتيدة، فتاريخ واشنطن واضح فى محاربة كل حركات التحرر الوطنى إذا ما جاءت بحكومات وطنية ترفض الخضوع للشروط الأمريكية، لذا فقد تم وضع كوبا على قائمة الإرهاب الأمريكية لأكثر من 50 عاما، لا لشيء إلا لمجرد اختيار الشعب الكوبى حكومة ليست على هوى واشنطن، كما عاقبت الأخيرة الشعب الفيتنامى الساعى للحصول على استقلاله بطرد المحتل الفرنسى، عبر تمويل حرب طويلة لإعادة تعيين مجموعة من الخونة على رأس الحكومة، لكن حركة المقاومة فى فيتنام الجنوبية المعروفة باسم قوات الفيت كونج، تلقت الدعم من دولة فيتنام الشمالية بقيادة هو تشى منه، وبدأت فى العمل على الاستقلال من الاحتلال الفرنسى الأمريكى، وردت واشنطن بتصنيف حركة المقاومة الفيتنامية كمنظمة إرهابية، لكن هذا لم يمنع الشعب الفيتنامى من الحصول على استقلاله ووحدته بعد سنوات طويلة من الحرب مع القوى الاستعمارية ممثلة فى فرنسا وأمريكا.

◄ تاريخ بريطانيا الاستعماري
أما بريطانيا صاحبة الباع الاستعمارى الطويل والبغيض، فكانت لا تتورع عن وصف الفدائيين ورجال المقاومة ضدها فى أى مكان فى العالم بالإرهاب، ولا يمكن حصر جرائم حكومات لندن، فمن ينسى دك مركز الشرطة فى مدينة الإسماعيلية فى 25 يناير 1952، لكن نكتفى هنا بنموذج واضح وصريح فى كيفية تعامل الدول الغربية مع ملف الإرهاب وتطويعه لصالحها ومصالحها، فقد رفضت منح إيرلندا استقلالها وبعد حروب سمحت بمنح معظم جزيرة إيرلندا استقلالها، لكنها احتفظت لنفسها بعدة مقاطعات فى شمال الجزيرة عرفت باسم إيرلندا الشمالية، التى تعتبر جزءا من المملكة المتحدة، وهنا دخل الجيش الجمهورى الإيرلندى فى مواجهات وحرب عصابات مع المحتل البريطانى، الذى رد بتصنيفه كمنظمة إرهابية، هو وكل التنظيمات التى خرجت من رحمه، لكن الإجراءات البريطانية لم تؤت أكلها وأُجبرت فى النهاية على توقيع اتفاقية مع من كانت تصفهم بالإرهابيين، وعرفت اتفاقية بلفاست باتفاقية الجمعة العظمية، أبريل 1998، التى اعترفت بحق المقاطعات فى إيرلندا الشمالية بحق تقرير مصيرها متى رغبت.

◄ تصريحات الإرهابيين
مع كل هذا الميراث الإرهابى للدول الغربية لا يمكن أن تأخذنا الدهشة أو الصدمة من تصريحات المسئولين الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين، فهذا هو أسلوبهم وتاريخهم، فضلا عن تاريخهم الطويل فى حماية الإرهاب الإسرائيلي عبر إعاقة أى محاولة دولية لإدانة المجازر الإسرائيلية وما أكثرها، بل تشارك هذه الدول فى التعبئة الإعلامية لتعمية الرأى العام العالمى عن مجازر الجيش الإسرائيلى التى تتخطى حدود الإرهاب لتصل إلى مرحلة الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، والترويج لوصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، فى تناقض صارخ لكنه ليس بغريب عن الدول الاستعمارية، التى تحمى مشروعها فى المنطقة، لذا لم تسبب تصريحات إرهابية من نوعية وصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، أو ضرب غزة بالقنبلة النووية، أى استهجان غربى، رغم أنها صدرت عن وزراء فى الحكومة الإسرائيلية.

فى هذا السياق، يوضح محمد كمال أستاذ العلوم السياسية أن الغرب يرتبط لديهم الإسلام بالعنف والتطرف والإرهاب، ولقد عملت إسرائيل على ربط هذا الفكر لديهم بالهجوم الذى قامت به حماس مؤخراً، وصدَّرت للعالم أن إسرائيل هى الضحية، وقالت إن حماس هى داعش تقتل المدنيين والأطفال والنساء دون سبب، فى حين أنه معروف للعالم أجمع من هو المعتدى والمغتصب لحق الفلسطينيين وأنهم من يقومون بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية ومعظم الضحايا فى غزة من الأطفال.

ويضيف: حماس حركة مستقلة تم تنظيمها بغرض الدفاع عن فلسطين، وليس لها أى علاقة بتنظيم داعش، فهى صاحبة فكر إسلامى وسطى معتدل، وما تزعمه إسرائيل هو نوع من الهجوم والحرب الإلكترونية لكسب التعاطف والدعم المعنوى والمادى من الدول المختلفة، لذلك لا بد من الانتباه لهذا الفكر الذى تسعى دولة الاحتلال لتصديره إلى العالم، وتوضيح أن حماس حركة وطنية تسعى إلى رد الحقوق للشعب الفلسطينى الذى سُلب منه جميع حقوقه على أرضه، أما داعش فهى حركة إرهابية يحاربها الجميع بما فى ذلك المجتمعات العربية والإسلامية.

يوافقه الرأى رفعت السيد أحمد، رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة ويقول: إن ما تقوم إسرائيل بزعمها أن حماس هى داعش غير صحيح بالمرة من جميع الجوانب سواء حضارياً أو تاريخياً، فحماس مكونة من عائلات فلسطينية معروفة من داخل الشعب الفلسطينى، وهى حركة مقاومة وتحرير شعبية لديها أسر وعائلات كاملة وحكومة رسمية واعتراف من أغلب الدول العربية.