«كوفية» قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

الكاتبة نجوى عبد الجواد
الكاتبة نجوى عبد الجواد

صرخة وداع يصرخها جميع من انهار عليهم السقف لمَّا دكَّت طائرات العدو المبنى، بينما صرختها هي كانت صرخة خلاص نفس حان مجيؤها إلى الدنيا.

غابت عن الوعي، وكان أول لقاء له بالدنيا تحت الأنقاض. ملفوفا بكوفية الأجداد والآباء انغرس الرضيع في حضن أمه، وذاق رحمة الله من ثديها.

ترنو إليه بعينين تحرسانه وهو يحبو أمامها، طائرة العدو تضرب في مكان بعيد عنهما ،صمت مطبق، ظاهرها ساكن وباطنها مرجل، فزع من الصوت وهرع إليها، حضنته، وأمسكت بيديه ليثبت الوتد، وتقوى القدمان ويبدأ خطواته الأولى. بعينين تمنحانه الطمأنينة تتأمله وهو يرتدى الكوفية في صور تملأ هاتفها .

تحت ظلام الليل الذي طال عندهم لا تجد له ملاذا آمنا من ضربات العدو إلا حضنها! كل ما في الوجود تمحوه قنابل العدو وصواريخه.

تهدَّم البناء وصار الجميع في حماية بقاياه، تخفيه بين ضلوعها ربما ينتهي هذا المشهد من جهنم الدنيا، يشعر بضجر ويتملص منها، تخفف من قبضتها عليه حتى يهدأ. يمسك بحصيات وبقطع من الحطام بين يديه ويقبع بجانبها.

يبدأ سرب جديد من وحوش الجو يقترب، يشعر بالرغبة في رجمهم، يسرع بحصياته في اتجاههم بلحظة لم يتوقعها أحد، آلمت حصياته العدو، فليفتك بالحصيات قبل أن يشتد البناء! يغضب وحوش الغابة من قسوة  وحوش البشر.!

أعادته إلى حضنها وغطته بالكوفية، وبحثت عن جزء من السماء مازال لونه أزرقا ورفعت عينين تحجرت فيهما الدموع وقالت :إنك ترى كل شيء.

عادت إليه، مسحت دمعة بكمها، واغتصبت من الدنيا ابتسامة وقالت له: سأنجب لك أخوة يثأرون، فارتقب إنهم مرتقبون.