يوميات الأخبار

متلازمة «عقدة الناجى»

 د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى

سارة الذهبى

لازم كلنا نفتكر ان مش دورنا اللى ربنا عز وجل خلقنا عشانه اننا وقت الشدة والأزمة نضعف و نستسلم و ننقطع عن العالم ونزهد فى الحياة، طول ما ربنا كاتبلنا عمر لازم نأدى رسالتنا من عبادة وعمل و إعمار للأرض

الإحساس السائد الآن عندى وعندك وعند كل الناس اللى حوليك: الشعور بالذنب والاحساس بالعجز لدرجة وصلتنا لإحساسنا بالذنب لمجرد أننا لسه على قيد الحياة، لينا بيت وسقف بيحمونا، أولادنا فى حضننا وبخير، لاقيين مياه وأكل وهِدمة نضيفة.. عايشين فى أمان وبنمارس حياتنا الطبيعية! حاسين بالذنب لما بنروح الشغل و لما بنودّى ولادنا المدارس أو التمارين.. حتى لحظات الاستحمام و ان فى مياه جارية بتنزل من الحنفية بقينا مستكترينها على نفسنا وبنلوم حالنا فى كل لحظة إزاى احنا لسه عايشين وأخواتنا بأطفالهم ونسائهم بيستشهدوا وبيستهدفوا وبيوتهم بتتقصف وبتتساوى بالأرض وهما نايمين!
إزاى بناكل وبنشرب وأخواتنا مش لاقيين لقمة العيش الناشف بعد قصف المخابز واضطرارهم لشرب مياه البحر بعد نفاذ المياه العذبة الصالحة للشرب بسبب صب العدوان للأسمنت جوه المصارف !
إحساس جلد الذات المستمر وقت الحروب والكوارث أطلق عليه علم النفس مصطلح «متلازمة عقدة الناجى» survivor’s’ guilt
حالة مسيطرة علينا كلنا بدرجات متفاوتة بتختلف من شخص لآخر.. يمتزج فيها الإفراط فى تأنيب الذات مع الشعور بالعجز واليأس وقلة الحيلة والقلق والتوتر وفقدان الشغف..
وبتصل عند البعض انه بيحس بالذنب هو ليه لسه عايش لحد دلوقتى وأخواته بيموتوا كل يوم؟ وأنه لا يستحق هذه الحياة !
وقد تصل فى بعض الحالات للتفكير فى الانتحار والإقدام عليه إذا تطورت الحالة..
والشعور ده فى بداياته ممكن نسيطر عليه وبيكون طبيعى ومتوقع لأن فى محفزات سلبية مفاجئة كتير اتعرضنا لها خلال فترة زمنية قصيرة وجهازنا العصبى مش متعود على استقبالها وانعكاساً لما سبق بتلاقى الشخص بيهرب من الواقع ويتقوقع وينعزل لأنه حس إن وجوده بلا جدوى و انه مش قادر يساعد بالشكل اللى نفسه يساعد بيه.. أو أن الشخص بيكون عصبى وعدوانى بشكل غير طبيعى بسبب احساسه بقلة الحيلة..
وممكن المشاعر المضطربة دى توصله لبداية نوبات اكتئاب اذا تم اهمالها و لو استمر الشخص فى انعزاله ورفضه للحياة وللواقع اللى مش قادر يغيره ..
معظم الناجين من الكوارث مثل الحروب واعتداءات التحرش بيتعرضوا لاضطراب ما بعد الصدمة «PTSD” وهو اضطراب ينتج من تكرار حادث مؤلم مراراً و تكراراً ويبدأ الاضطراب فى الظهور خلال ٦ أشهر من الحدث المؤلم وبيتعرض له واحد من أصل عشرة أشخاص..
وتظهر أعراضه فى صورة أعراض اقتحامية بمعنى ان الشخص بيتعرض لهجوم متكرر من هذه الأحداث المؤلمة وقد تُترجم لكوابيس والشخص بيستعيد الحدث بكل تفاصيله كما لو انه يحدث الآن .. وفى الحالة دى لابد من اللجوء السريع للطب النفسى منعاً لتدهور الحالة..
فى الفترة الحالية من الضرورى إلقاء الضوء على كيفية التعامل مع متلازمة عقدة الناجى منعاً لمضاعفات ممكن تسبب ضررا نفسيا و أذى جسديا لينا أو لأشخاص يهمنا أمرهم..
قبل كل شيء لازم نتيقن ان ربنا سبحانه وتعالى عليم حكيم خبير سميع بصير، يُسيّر كونه و مُلكه و عباده كيفما يشاء.. و ان ربنا عز وجل له حكمة من كل الأحداث اللى بتحصل مهما كانت موجعة، وسواء عرفنا ايه حكمة ربنا أو لم نعلمها بسبب قدراتنا البشرية المحدودة فلازم نُسلم بكل قضاء الله وقدره ونرضى بيه ونحمد الله عليه..
و ده رد على تساؤلات ناس كتير بتقول هو ربنا -والعياذ بالله- مش شايف اللى بيحصلهم أو بدل ربنا قادر يرفع عنهم الظلم ليه سايب الصهاينة يعملوا كده فيهم؟
ردى عليك ان ده أهم مدخل من مداخل الشيطان لينا دلوقتي، الشيطان كل همه دلوقتى انك تقنط من رحمة الله و تُشكك انه سميع لدعائك وبصير بكل ما يحدث فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واقرأ فى القرآن هتلاقى آيات كتير تُشفى ما فى صدرك من ألم وقهر وخاصة سورة الأحزاب وسورة آل عمران، لما هتقرأهم هتحس انها سور بتتنزل تانى دلوقتى علينا من دقة الوصف وتشابه أحداثها مع ما نعيشه الآن.. ولازم تستوعب ان الشهداء هم من نجحوا فى ابتلائهم لأن الدنيا ما هى إلا دار ابتلاء و من عظمة مكانتهم عند الله عز وجل فهم أحياء عند ربهم يرزقون، احنا بفكرنا المحدود بنعتقد ان الشهيد بيعذب وقت استشهاده ولكن جاء حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ليطمئننا (مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم..
عند التعامل مع متلازمة الناجى لازم نتفهم النقط دى..
أولاً: ان أهم مشكلة عند الشخص اللى بيعانى من هذه المتلازمة شعوره الدائم بالذنب، و انه مسئول بشكل مباشر عن كل التصعيدات اللى بتحصل فأهم خطوة لازم الشخص يعيد تفكيره من جديد ويضع الأمور فى نصابها الصحيح، ويتيقن انه مش هو السبب لا من قريب و لا من بعيد فى اللى بيحصل لإخواتنا فى غزة و ان الحرب كلها ما هى إلا سياسة وصراعات لا يد لك فيها على الإطلاق.. ومتحسش بالذنب وتلوم نفسك ليه انا عايش فى دولة كذا وشخص تانى عايش فى غزة؟ هو ده نصيبك ورزقك زى ما ده نصيبه ورزقه وتذكر دائما «و ما ربك بظلام للعبيد».
ثانياً: الشخص فى هذه الحالة غارق فى نوبات حزن وضيق وتوتر مش قادر يخرج منها وتكرار تعرضه للفيديوهات بمحتواها اللا إنسانى المؤذى لمشاعر أى إنسان سوى بيحرّض عنده المزيد من الإحساس بالحزن والمزيد من اليأس وقلة الحيلة.. وساعتها بيبقى من الصعب جداً انتشال هذا الشخص قبل دخوله فى نوبات اكتئاب حاد إلا لو بقى عنده وعى ذاتى بالطريقة السليمة لمتابعة أخبار الحرب بطريقة تسمح له يتابع بيها الأخبار بدون ما تنهش فى صحته النفسية وتدمر حياته وتعيقه عن الاستمرار فيها..
فى محتوى وفيديوهات كتير مننا لا يقوى على رؤيتها وممكن لو شافها يمتنع عن النوم والأكل والكلام، بعكس أشخاص تانية بتشوف نفس المحتوى بس شخصيتها صلبة وتأثرها لحظى ينتهى بالانشغال بتفاصيل حياته الخاصة..
ولذلك يتوجب وجود وعى ذاتى لمراقبة المحتوى اللى هتتابعه ولازم تراقب جسمك كويس وتعرف مدى تأثير المحتويات الصادمة عليك عشان تفهم تتعامل ازاى مع سيل الفيديوهات المنتشرة..
وتيقن ان تقنينك لمشاهدة فيديوهات بها مشاهد دموية لا يُعيبك و لا ينتقص من تعاطفك مع القضية و لا يُحقر من انسانيتك زى ما ناس كتير فاكرة بتضغط على نفسها عشان تتابع بمعدل يفوق طاقة تحملها.
افتكر قول الله تعالى: لايكلف الله نفساً الا وسعها..
الحزن شعور فطرى اتولد بداخلنا لتفريغ المشاعر وكبت الحزن أمر غير مستحب ويجب تفريغه بالطريقة المناسبة لكل شخص وفقاً لشخصيته سواء بالبكاء أو بالكتابة أو ممارسة الرياضة ولكن الأمر غير الطبيعى هو الانغماس فى الحزن لفترات طويلة و تملكه مننا..
ثالثاً: افتكر دائماً ان فى ناس حوليك انت مصدر أمانهم وصحتك النفسية والجسدية تهمهم زى ما تهمك بالظبط.. انتِ كأم ولادك مسئولين منك ومش ذنبهم بسبب حرب يتعاملوا مع أمّ مكتئبة حزينة بتبكى علطول، معزولة عنهم، عصبية بزيادة، أو مقصرة فى دورها تجاههم. وكزوجة فانت عصب البيت.. ونفسيتك بتنعكس على نفسية زوجك و استقرار البيت والأسرة كلها.
ولو انت مش متزوجة فنفسك ليها عليكى حق، واجب عليكى تكونى حنينة عليها ومتفهمة لقدراتها.. ولازم تكونى السند لنفسك ولأهلك ولكل اللى بيحبوكي.. ولازم تعرفى ان الصحة النفسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بصحتك الجسدية و ان مفيش أكتر من الأمراض اللى بتظهر بعد نوبات الحزن الشديد وساعتها الشخص بيحس انه أذى نفسه بنفسه..
ولو انت أب فأنت مصدر الأمان والحماية لأسرتك، وتملك إحساس العجز منك هيهدد استقرار وأمن البيت..
لازم كلنا نفتكر ان مش دورنا اللى ربنا عز وجل خلقنا عشانه اننا وقت الشدة والأزمة نضعف و نستسلم و ننقطع عن العالم ونزهد فى الحياة، طول ما ربنا كاتبلنا عمر لازم نأدى رسالتنا من عبادة وعمل و إعمار للأرض..
والسلبية والاكتئاب عمرهم ما هيغيروا حاجة.. كل واحد مسئول يقوم بدوره اللى يقدر عليه من دعاء.. دعم للقضية.. تبرعات.. توعية.. تنشئة أولادنا على الدين وحب بلدنا ودعم القضية الفلسطينية وترسيخ هويتنا العربية جواهم.. خليك ايجابى وثق فى نصر الله تعالى ألا إن نصر الله قريب.