«قصاصات» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

محمد محي الدين أبوبيه
محمد محي الدين أبوبيه

صار خبر طلاق الأستاذ عبد الرحيم وزوجه الأستاذة نادية على كل لسان، والتساؤل أبعد هذا العمر؟ وبعد أن كَبُرَ الأولاد وأنجبوا لهما أحفاد وبلغ العمر مبلغه وشارفت النهايات والذي ذهب لن يأتي مقداره من سنوات، فقد مرت عليهما أيام عصيبة وتجاوزاها بكل عزيمة ولم ينخر في عضد عشرتهما أي آفة تعطبها، فما الذي حدث..؟

كنت في سفر وعندما سمعت الخبر قطعت رحلتي وأتيت لأستيقن مما حدث فالاثنان زملاء وأصدقاء منذ الصغر

 لم تجب علي سؤلي ولكنها أشارت إلى بعض قصاصات ورق أمامها.. أمسكتها وأخذت أقرأ

القصاصة الأولى:

عندما يأتي الليل والسكون يحيطني..أجدكِ أمامي.. رعشة برد تزمني.. من هواكي.. رأيتك بعدها في أحلامي.. طوق الياسمين حول جِيدكي.. فما أحلاه وما أحلاكي.

القصاصة الثانية:

أجمل شعور.. أم تجد يدا تحنو عليك دون أن تلمسك.. وعينا تبكي من أجلك دون أن تراك.

القصاصة الثالثة:

أسألكِ أن تسافري إلى واحتي.. ستجدين كل ما تريدين.. حبا وحنانا ومودتي.

القصاصة الرابعة:

لاطفتها بصورة وردية.. أرسلت لي قبلة هوائية.. صباحك صديقتي حلو المزاج.. رقراق كمثل تدفق الأمواج.. دعوتها.. قبلت.. تعانقنا.. وأخذنا ركنا.. طال الحديث.. نسينا أنفسنا.. فما أحلي أوقاتي معها.. وعند الوداع تهامسنا.. واستمعنا لصوت فيروز يأتي من بعيد.. فجلسنا ثانيةً.. ومعه رددنا يسعد صباحك يا حلو.

 سألتها.. لمن هذه الكلمات؟

: كتبها عبدالرحيم لفتاة أحلامه

: أنتِ؟

:لا.. بل لأخرى

: متى وكيف؟ ربما تتوهمين

: لا أتوهم بل حقيقة

: كيف عثرتي عليها؟

: وجدته مخبئها وسط كتبه

: ربما كتابات يكتبها تسرية لنفسه بعد خروجه علي المعاش

: لا.. لقد واجهته بها وصارحني

 : صارحك بماذا؟

سكتت.. أسمع نحيبا من داخلها

لقد تعرف على فتاة ليست مصرية.. تعرف عليها أثناء تمشيته اليومية علي الكورنيش

 : ربما مجرد تعارف

: في البداية كان ذلك.. ثم إعجاب.. ثم حب

: عبدالرحيم يقع في حب واحدة غيرك وأصغر منه بكثير بعد هذا العمر!!

: تخيل

: لربما نزوة وتمر

 :حسبت ذلك في البداية.. لكنه باح لي بأنه ينتوي الزواج منها متعللا بأنها غريبة وحيده ويريد   أن يشعرها بالأمان

: وماذا كان رد فعلك؟

: طبعا ثرت عليه وذكرته بأيامي معه، وكيف بعد كل ما مر بنا يأتي في لحظة ويتنكر لي في الأواخر ويجعل لي (ضرة)، ومع تمسكه بقراره خيرته بيني وبينها

وكان الطلاق

.. تأسفت لما آل إليه الموقف.. تركتها وأنا عازم للذهاب إليه لأراجعه في موقفه الأناني هذا، فهذه زوجته التي حملت معه الأحلام ووقفت أمام الصعاب وتحملت ما تنوء به الأخريات، وتكون هدية آخر عشرتها معه أن يتركها من أجل أخرى، لم يعرفها مقدار زمن من الأزمان التي قضاها مع أم أولاده وجدة أحفاده..

 قابلني وجمود في عينيه

: أعرف لماذا أتيت اليّ

وقبل أن أنطق بكلمة مد إلىّ يده بقصاصة أخرى مثلما فعلت نادية

تفحصتها وأنا أنظر إليه وقد تمدد على الأريكة التي بجانبه وعيناه لم تعدا جامدتان بل تدفق منهما وابل من الدمع

فأخذت أقرأ :

  لي حبيبة شامية.. طلتها بهية.. عيونها وحشية.. أخت رجال في المواقف العصية.. صافية النية.. في حبها وفية.. اسمها سولاف.. صفتها جورية.. لا تخاف.. في وقت النِزال أبيّة.. حاولت معها مرات.. ألّا تذهب للبلاد.. ردت وهل لي لبلاد غيرها.. سأحيا وأموت تحت ترابها.. صمت ولم أسمع صوتها.. حتي جاءني خبر الاستشهاد.. جازفت حتي نالتها.. وحزن فراقها في قلبي يزداد.. أوقدت لها شمعة ورسمت لها قبرا.. فمثلها بفقده نقتات.

بعد أن فرغت من القراءة لمحته وقد أغمض عينيه وطرح يديه التي وقعت منها لوحة مرسوم فيها فتاة وقبر وشمعة..