عاجل

يوميات الأخبار

بصيرة رئيس

علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى

أهل «أصيلة» يدركون أن سر بقائهم وأكل عيشهم، فى الحفاظ على تراثهم وموروثهم.. وكبر الصغار، وأصبحوا هم الأمناء على «أصيلة» يحافظون عليها وعلى شوارعها وآثارها

 منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الأمانة لأول مرة، وهو يضع على رأس أولوياته، تطوير وتحديث الجيش المصرى، ورفع قدراته القتالية، كما شهد الجيش ما يمكن أن نعتبره تطورًا نوعيًا على كافة المستويات؛ البشر برفع القدرات للفرد المقاتل، والمعدات بعدم البخل على الجيش بما يحتاج من معدات تتيح له أداء مهمته فى الدفاع عن حدود مصر، وبسط السيادة على كامل التراب الوطنى، وحماية المقدرات الاقتصادية لمصر.

هذا بالتأكيد أمر لم يكن على هوى أعداء مصر، ولن يسعدهم أن يجدو اسم الجيش المصرى ضمن قائمة أهم وأقوى جيوش العالم.. ولحاجة فى نفس يعقوب راحوا يقلبون العالم على رأس مصر ويتساءلون: لماذا كل هذا التسليح،ولماذا المناورات والتدريبات المشتركة؟ لماذ كل هذا الإنفاق إذا كان هناك اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل؟! وتابعت كما تابعتم عدة برلمانات أوروبية تدس السم فى العسل وتحاول استخدام كافة وسائل الضغط المباشرة وغير المباشرة (منها ملف حقوق الإنسان المختلق والملفق) لإثناء مصر ورئيسها عن الاستمرار فى مشاريع التسليح،ولكن دون جدوى.. وراحت أبواق الشر تنعق وتطلق سهامها مع شراء مصر طائرات الرافال، وحاملتى الطائرات المروحية «المسترال» والغواصات ...

إلخ ، ومع الأيام تبين بعد نظر وبصيرة الرئيس السيسى، ومن ورائه رجال القوات المسلحة المخلصون ، وظهرت أهمية وضرورة ما قام ويقوم به، عندما أمسكت النيران فى كل دول الجوار، وجاءتنا التهديدات من كل حدب وصوب، من الجنوب، حيث الحرب على أشدها بين الجيش السودانى وميليشيات التدخل السريع، ومن الغرب، فحدث ولا حرج، نحن أمام عدة دويلات تحميها ميليشيات مسلحة تتقاتل مع بعضها البعض داخل الجسد الليبى العليل،وفى الشمال،حيث الصراع المباشر وغير المباشر على الحقوق الاقتصادية فى غاز شرق المتوسط، ومؤخرًا ما حدث ويحدث فى غزة الجريحة، حيث الحرب النازية على أهلنا فى فلسطين المحتلة.

الكل على يقين من أن المنطقة يراد تقسيمها من جديد ، وما أكثر اللئام الذين يريدون نهش الجسد العربى الجريح المثخن بالجراح .. ولكن من يفكر من هؤلاء أن يقترب من مصر،سوف يفكر بدلا من المرة ألفاً.

أنجح ما يمكن أن تؤديه الجيوش القوية، هو ردع أعدائها، وتراجعهم عن القيام بمغامرة ضدها لأن الثمن سيكون غاليا ، ومن يستفز الأسد ويخرجه من عرينه فلا يلومن إلا نفسه. أقول لكل المتاجرين بالقضية : هل عرفت الآن أهمية أن يكون لديكم جيش قوى ؟

الفريسة المريضة الضعيفة تغرى وتفتح شهية الضوارى. 

حفظ الله مصر ، قيادة وشعبا وجيشا .

أصيلة.. تجربة تُحكى

أتيحت لى فرصة ذهبية، تمنيتها كثيرا، ولم تتحقق إلا مؤخرا، سمعت عن التجربة، وقرأت عنها كثيرا وجاءتنى الدعوة أخيرا لزيارة مدينة أصيلة البديعة فى المملكة المغربية الشقيقة، وصاحب الدعوة الكريمة هو المثقف والمفكر العربى الكبير محمد بن عيسى الذى شغل منصب وزير الثقافة، وأيضا الخارجية فى المملكة المغربية لسنوات، وعمل سفيرا لبلاده فى عدة بلدان، وهواه مصرى، حيث تعلم فيها، ولكنه قبل هذا وذاك رجل مثقف ومفكر وصاحب رسالة وتجربة رائعة.. تجربة تستحق أن تدرس لتكون مثالا يحتذى فى كل عالمنا العربى.. الرجل ببساطة هو الأب الشرعى لتحويل مدينته الصغيرة «أصيلة» من مدينة أقرب إلى قرية تطل على المحيط الأطلسى إلى مدينة تمتلك كل أدوات العصر.. ولكن −وهو الأهم− بالحفاظ على تراثها وإرثها الثقافى والحضارى.. ولم ينفصل عن محيطه أو بيئته بل بقى وسط أهل أصيلة، قريته الصغيرة التى نشأ فيها وتعلم فى مدارسها، ينفذ مشروعه العبقرى للحفاظ على تراث أصيلة عبر مشروع ثقافى واع ومدرك لعناصر ومكنونات العظمة فى قريته، ٤٤ عاما والرجل يضع طوبة فوق طوبة.. كانت عينه على الصغار، راهن عليهم، تخيل ٤ عقود ونيفاً وهو يراهن على مشروعه العبقرى، وراح يرمم، كل بيوت أصيلة، ويحافظ عليها ضد عوامل الهدم لبناء الجديد فى هذه القرية التى تحتضنها قلعة أثرية فريدة.. عاما بعد عام − بدأ اسم أصيلة يتأصل فى الحياة الثقافية والفكرية العربية وأصبح أهل «أصيلة» يدركون أن سر بقائهم وأكل عيشهم، فى الحفاظ على تراثهم وموروثهم.. وكبر الصغار، وأصبحوا هم الأمناء على «أصيلة» يحافظون عليها وعلى شوارعها وآثارها.. صغيرة لكنها جميلة.. نظيفة تطل على المحيط وعلى بعد عشرات الكيلو مترات من طنجة حيث التقاء البحر المتوسط بالمحيط الأطلنطى.

حرف تراثية، وأشغال يدوية مطاعم تغص بالسياح من إسبانيا والبرتغال وفرنسا.

تتميز أصيلة، رغم عراقتها الضاربة فى أعماق التاريخ، بأنها بكر.. شواطئها مصانة لم تقع فريسة للأغنياء.. الشاطئ ملك  للجميع!! وهى فينيقية الأصل واستولى عليها البرتغاليون عام ١٤٧١ وبنوا أسوارها الباقية إلى يومنا هذا.

استطاع محمد بن عيسى أن يوجد مشروعا متكاملا قابلا للاستمرار، والبقاء.. وضع أسسه وأركانه، وأشرك المواطنين فيه، فأصبح تراث وثقافة ومستقبل أصيلة قضية أهل البلد أنفسهم.. والطفل الصغير الذى دعى يوما للمشاركة فى ورش للرسم، بمصاحبة اسماء عالمية جاءت إلى أصيلة.. كبر وأصبح شابا وأبا وأورث أولاده حب «أصيلة»، وحب الثقافة، وحب الأنشطة الفكرية، لذلك قد تفاجأ عندما تجد أطفالا − نعم أطفالا يحضرون ندوات عن الرواية، أو الشعر وستجد من يقومون ببث الندوة على الإنترنت ويقدمون  للك خدمات هم من المتطوعين.

القضية لم تعد قضية محمد بن عيسى وحده، لقد نجح − كما رأيت− فى أن يجعل موسم أصيلة الثقافى الدولى ملكا لكل مواطن مغربى من أهل أصيلة.. يرحب بالضيوف من كل العالم باعتبارهم ضيوفا شخصيين.

وعبر سنوات طويلة نجحت أصيلة عبر موسمها الثقافى السنوى فى خلق فضاء للتعارف، وحلقة للتقارب بين المثقفين والكتاب والفنانين فى مختلف البلدان والقارات.. وكل عام يلتقى فى «أصيلة» الخبير الاقتصادى مع السياسى والمعمارى والمفكر والأديب والفنان.

مصر حاضرة

مصر حاضرة، وبقوة فى مفردات الحياة المغربية وانت تتجول فى أروقة المقر الذى يحتضن مؤسسة منتدى أصيلة سوف تستمع إلى أغانى أم كلثوم تأتيك من كل الزوايا.. لا يوجد نشاط إلا ويشارك فيه كبار مفكرى مصر.. فى المحور السياسى الذى سبق المحور الأدبى تحدث الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، وكانت له مشاركة أساسية لاقت تفاعلا كبيرا.. إضافة إلى النقاد والروائيين المصريين الذين جاءوا من مصر، ومن المهجر.. فى طنجة كنت أجلس على مقهى الريف− هكذا اسمه مأخوذا من سينما الريف− الذى يطل على ميدان رئيسى مطل على طنجة القديمة التراثية لم يجدوا أفضل من فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية لكى يزينوا بها ردهات وواجهة المقهى.

الله يرحمك يا إبراهيم

رحمك الله يا إبراهيم.. احتسبتك شهيدا عندما جاءنا الخبر المشئوم من أختى: إبراهيم مريض بفيروس سى. هذا لم يكن خبرا بإصابة مريض بمرض ما بقدر ما كان فى حقيقته خبرا منتظراً بإعلان الوفاة.. قد يتأخر الخبر قليلا، ولكنه آت لا محالة!

كنت حديث عهد بالصحافة، وزوج أختى أقرب الناس إلى قلبى، كان صديقا لى أكثر من كونه زوجا لأختى، رحت أستخدم علاقاتى، ومعلوماتى فى تحديد أفضل أسماء أطباء علاج الكبد فى مصر، ورحت أشترى أى كتاب يتحدث عن فيروس سي: أسبابه، وطرق علاجه.. وبدأنا الدوامة يحدونا أمل أن يكتب الله النجاة.

وسافرت للعمل خارج مصر، حتى جاءنى الخبر المشئوم برحيل إبراهيم يوم عودتى إلى القاهرة.. كان خبرا قصم ظهرى.

استرجعت هذه الهموم التى مضى عليها ثلاثة عقود، وأنا أتابع أفضل وأسعد خبر يمكن أن يقرأه مصرى وهو خبر تسلم الرئيس السيسى شهادة منظمة الصحة العالمية تفيد بخلو مصر من فيروس سى، لتصبح الدولة الأولى فى العالم التى تحصل على هذه الشهادة، بعد أن كانت على رأس قائمة العار باعتبارها الدولة الأولى على مستوى العالم فى عدد الإصابات.

ما من بيت فى مصر إلا وفقد عزيزا بسبب فيروس سى.. واليوم من حق كل مصرى أن يأمن أن حياته فى سلام، بسبب هذه المبادرة الرئاسية التى تصدى لها الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه حتى أتت أكلها وثمارها الطيبة.. هذه المبادرة تكفى الرئيس السيسى منفردة، لكى تضع اسمه فى أنصع صفحات التاريخ.
الله يرحمك يا إبراهيم، ورحم كل عزيز فقدناه بسبب فيروس سى.