قضية ورأى

أحاديثُ مواقعِ التواصلِ

د. حسام محمود فهمى
د. حسام محمود فهمى

ظهرَت مواقعُ التواصلِ في أسوأ صورِها في حربِ حماس وإسرائيل؛ أخبارٌ مغلوطةٌ، صورٌ مفبركةٌ، اِفتراءاتٌ، بذاءاتٌ مُمَنهَجةٌ ضد أنظمةٍ وأفرادٍ. غابَ عنها المنطقُ مدفوعةً بمن يوجه إتجاهاتِها الغالبةِ Trends من أجهزةِ مخابراتٍ ومنظماتٍ وتجَمُعاتٍ. عجَزَ مرتادو مواقعِ التواصلِ عن المساسِ باسرائيل ولو بحرفٍ أو الدفاعُ عن غزة لأن الحَجبَ والإيقافَ هما الجزاءُ الذي لا رجعةَ فيه من قبلِ مالكيها. تسيرُ Facebook و X و YouTube و TikTok و Instagram على النهجِ السائدِ في الدولِ الغربيةِ.

المتاحُ الوحيدُ على مواقعِ التواصلِ هو الاِفتراءاتُ على الأنظمةِ العربيةِ التي تدعو إلى الحلولِ السلميةِ والتعقُلِ، وكأن الإنجرارَ للحربِ هو الحلُ الأمثلُ للدفاعِ عن عنفٍ ما لها فيه من يدٍ ويتجرَعُ نيرانَه أهلُ غزة وتُعاني منه المنطقةُ. أهلُ الحناجِرِ والعروقِ المشدودةِ وجدوها فرصَتَهم لتكرارِ شعاراتِهم الصَدِئةِ، وشَغلِ جزءٍ من الإتجاهاتِ الغالبةٍ على مواقعِ التواصلِ، لعلها تُظهِرُهم أبطالًا وتُحَسِنُ صورتَهم. الجمعيةُ العامةُ للأممِ المتحدةِ وافقَت على المشروعِ العربي للتهدئةِ، هل ينعكسُ على سياساتِ مواقعِ التواصلِ وتسمحُ بوصولِ أنينُ أهلِ غزة للعالمِ؟

مواقعُ التواصلِ قَرَبَت الأوهامَ وجَعلَتها تبدو حقيقةً يعيشُها مُرتادوها؛ يندمجون في تعليقاتِهم ويتجاوزون حدودَ أخلاقياتِ الحوارِ مدفوعين بتَصورِ أنهم أكثريةً مُتمَيِّزة بالفَهمِ. أظهرَت حربُ حماس واسرائيل كيف تُستخدَمُ مواقعُ التواصلِ في اِبتكارِ الشِقاقِ والترويجِ لبضاعاتٍ تالفةٍ واِفتعالِ القضايا الجَدليةِ شبهِ اليوميةٍ بعناوينٍ براقةٍ ظاهرُها نضالٌ ومبادئٌ عُليا وواقعُها أجوفٌ إن لم يكنْ ضارًا. جمهورُ مواقعِ التواصلِ على قدرٍ من التعليمِ والمعرفةِ، ليسوا الشارعَ المكافحِ الكادحِ ومقاهيه، لا يعيشونه ولا يعرِفُهم، ضجيجُهم قد يؤذيه ويؤذيهم أيضًا.

لما أتابعُ مباراةً لكرةِ القدمِ بمعلقٍ عربي أجدُها مُتخمةً بالاِنفعالاتِ والتوتراتِ والصوتِ العالي فيما لا يستأهلُ، هكذا هم مُرتادو مواقعُ التواصلِ. مواقعُ التواصلِ ليست دائمًا بريئةً، هي هوائيةُ المزاجِ مُتقَلِبةٌ، فيها تنَمُرٌ وكراهِياتٌ ومُغالطاتٌ موجهةٌ وأحاديثُ إفكٍ؛ من غير المُستَحَبِ أن يُتْبَعَ مَسلكُها خارجَ أجهزةِ محمولِ مُرتاديها.

اللهم لوجهك نكتب.

 أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس