أمس واليوم وغدًا

عصام السباعي يكتب: «الأمل» في قلب المستحيل

عصام السباعي
عصام السباعي

من قلب الأزمة، تحدث الانفراجة، ووسط الصخور تنبت الورود، ومن جوف المستحيل يشرق الأمل، هكذا تواجه الأمم التحديات، ويحقق الرجال التمنيات بالإرادة القوية والأيدي الفتية، لا يرتعدون أمامها ولا يهتزون، يواجهون ويقتحمون، لن يتراجعوا ولن يترددوا أبدا، ولن يحدث مرة أن يتسلل اليأس إلى قلوبهم، ولا الشك في يقينهم .

وما أشبه اليوم بكل بارحة مرت على مصر وشعبها وجنودها على مر العصور، منذ أحمس مرورا بصلاح الدين الأيوبي ونهاية بناصر والسادات والسيسي، فعندما تبدأ في التأزم، تنجح معادن الرجال في المعالجة الصحيحة والحكيمة والقوية والحاسمة، وما تلبث بعدها أن تشرق الشمس، ويعود الضوء وترتفع الرايات، مهما كانت الحوادث، ومهما كانت المؤامرات! 

وأثبت الشعب المصري نضجه، في طبيعة مساندته لأهلنا في قطاع غزة الفلسطيني، وكذلك في طريقة تجاهله لـ«جماعة التأجير الحنجوري»، داخل وخارج مصر، وقوة مساندته لقيادته السياسية، وكانت المواقف المصرية المؤثرة والواضحة والمباشرة في تلك الأزمة، هي المصدر الرئيسي لتشكيل توجهات الشعب المصري، والذي حول الأزمة إلى منحة، يعيد فيها تأكيد ميله الأساسي والطبيعي للسلام، ورفضه الكامل لأي نوع من الظلم والعدوان، والتزامه الكبير بكل ما عليه من واجبات تجاه القضية الفلسطينية بصفة خاصة ومجمل القضايا العربية بصفة عامة، ولا أحتاج هنا إلى التدليل على ذلك بعشرات التحركات والتصريحات والكلمات، سواء في المحافل الرسمية الثنائية والإقليمية والدولية.

ولا أستطيع وصف مشاعري، وأنا أرصد الناس في بلادي، وهم يرددون هنا وهناك دعوة ونداء الرئيس السيسي منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية بأن نأكل مما نزرع، ونستعمل في حياتنا مما نصنع، وأننا نستطيع أن نحقق ذلك الحلم بالعمل والإصرار، سعدت جدا بأن الناس بدأت تبحث عن المنتج المصري، ولا أتحدث هنا عن مقاطعة تلك المنتجات التي تدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بسلاح يقتل الشعوب المحتلة المستضعفة بدم بارد، بل ويتجرأ ويريق دماء الأطفال والنساء والآمنين في المستشفيات ودور العبادة، ولكن ما أقصده هو ذلك الوعي الكبير بضرورة أن نتحرك لمواجهة التحديات الاقتصادية، بالاعتماد على إنتاجنا الوطنى، ومن خلال مبادرات وطنية خالصة مخلصة، فكأننا نضرب «غرابين» بحجر واحد الأول وهو اتخاذ موقف ضد الاحتلال الإسرائيلي الهمجي، والثاني هو دعم الاقتصاد الوطني والإنتاج المحلي، لأن رواجه هو بداية جذب الاستثمارات الأجنبية الجديدة له نظرا لحجم استهلاكه والإقبال عليه، خاصة أن هناك العديد من الواردات كماليات لا قيمة استراتيجية لها، ويمكن سد الاحتياجات منها محليا .

أشير هنا إلى أن تلك الخطوات لا تكفي، وتحتاج إلى مبادرات مصرفية، يكون فيها تقييم قيادات البنوك بناء على ما نجحت في توفيره من فرص العمل والمشروعات الصغيرة والصادرات، مبادرات مبتكرة تكفل اتجاه النقد الأجنبي من البيوت إلى حسابات البنوك، وإجراءات تكفل ترشيد الإنفاق وتوفير البدائل المحلية بأسعار مناسبة وجودة مقبولة، حاضنات لمشروعات الأعمال والأفكار الجديدة للمشروعات الصغيرة، وجزاءات رادعة ضد من يعيث في الاقتصاد فسادا، سواء بالغش أو الإضرار بالمنافسة أو المغالاة في الأرباح والتهرب من الضرائب وحقوق الدولة، وكذلك دعم مبادرات المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص، الذي نعتمد عليه بالدرجة الأولى في توفير فرص العمل وقيادة قاطرة التنمية في مصر، وخلق أجيال جديدة من رجال ورواد الأعمال، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، فلا نمو بدون كل هذه الأعمدة الأساسية لدولة قوية متماسكة قابلة لتحقيق معدلات مرضية من التنمية .

وأزعم أن الأجيال الحالية كانت شاهداً على  كل تلك الأخطار التي واجهت مصر، وكيف تماسكت الدولة واستقامت بعدها، بفضل عنصر رئيسي، هو تلاحم الجيش والشعب والحكومة، وأعتقد أن تلك المعادلة ستظل موجودة إلى ماشاء الله، وما كانت حياة على الأرض، ومهما علا صوت بعض «الحنجوريين» هنا وهناك من جنرالات المقاهي، وشيوخ حارات السياسة، فهؤلاء قد أصبحوا مكشوفين اليوم أمام الجميع، بعد أن فضحتهم المواقف السابقة وكشفت أكاذيبهم، أما مروجو الشائعات، فمواجهتهم مسئولية الجميع، ولا أعتقد أننا سنسمح لهم بأن يتعاملوا مع عقولنا مثل «أكرة» الباب يحركونها كيفما شاءوا، ولكن علينا أن نمنطق ما نسمع ونعقله قبل أن يمر من آذاننا، وأن نرد عليهم في أسرع وقت، وبالمعلومات الدقيقة وبالشكل المناسب.
ودائما ودوما وأبدا.. تحيا مصر وعاشت فلسطين . 

◄ بوكس

 قال المسيح لهم: يا أولاد الأفاعي، كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار، فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم . «متى12: 34»