54 .. الرقم اللغز في حياة الشاب إسلام

الشاب إسلام وعزيزة الخاطفة
الشاب إسلام وعزيزة الخاطفة

حبيبة‭ ‬جمال

  قبل 31 عامًا ونحديداً عام ١٩٩٢ نشرت «أخبار الحوادث»  قصة مثيرة عن طفل اكتشف بعد 11 سنة أن الأسرة التي نشأ في أحضانها ليست أسرته الحقيقية ولا ينتمي إليها.. وتوالت بعدها الأحداث مثيرة وكأننا أمام فيلم برع فيه خيال المؤلف؛ إسلام اكتشف أن والديه المزعومين مجرد لصوص أطفال خطفاه مع طفلين آخرين وربوهما معا على إنهم أولادهما لتبدأ محنة لم تنته حتى لحظة كتابة هذه السطور.. قصة مليئة بأحداث مشوقة ومثيرة.. عادت القصة إلى الأضواء عام 2016، عندما فاجئنا اسلام بعدما خطا إلى عالم الشباب أن مأساته ازدادت قتامة، وأن صورته التي نشرناها له قبل 31 عامًا وهو طفل صغير؛ يريد الآن أن ننشر صورته وهو شاب في ريعان شبابه، وبعد أن كان شخصًا واحدًا بلا هوية أصبح هناك أربعة أطفال يدفعون ثمن هو غير مسؤول عنه؛ وكما بدأ إسلام مشواره في البحث عن أسرته على صفحات أخبار الحوادث.. عاد إلينا مجددًا يطلب مساعدته هو وأطفاله في العثور على حل قانوني وإنساني لمشكلته التي مر عليها ثلاثة عقود دون أن تعرف النهاية السعيدة.. وإلى التفاصيل المثيرة

الحكاية وكما نشرتها «أخبار الحوادث» وقت حدوثها وتحديدًا ١٩٩٢م، كانت كالتالي؛ بلاغ من أم في مارس ١٩٩١م تقدمت به لرئيس مباحث قسم ثان العريش، قالت: إنها كانت تحمل ابنها مصطفى وعمره ٤٠ يوما، تعرفت على سيدة في السوق أخبرتها أن اسمها إيمان وتعمل بالشؤون الاجتماعية، وأنها تتعرف على السيدات الفقيرات لفحص حالاتهن وتوفير الرعاية الصحية لهن وتوظيفهن، فرحت الأم وأخذتها لمنزلها لتفحص حالتها، وفي اليوم التالي اصطحبت الأم لطبيب ليفحصها طبيًا حتى توفر لها وظيفة، وتركت الأم الطفل مع «إيمان الموظفة المزعومة»، ودخلت للطبيب، وعندما خرجت لم تجد إيمان ولا طفلها؛ فإيمان خطفت الطفل وفص ملح وداب، وظل البحث مستمرًا عن الطفل لعدة أشهر لدرجة أن الأم فقدت الأمل في أن تجد ابنها مرة ثانية، وبعد مرور عام ونصف على تلك الواقعة، وصلت معلومات لرئيس المباحث تؤكد أن الجيران في منطقة حي أبو صقل يشكون في سيدة وزوجها يعالجان من العقم ومع ذلك فإن لهما ثلاثة أطفال، كما أن الزوجة تدعي أنها حامل في الشهر الرابع؛ على الفور تشكل فريق بحث لكشف اللغز، وفعلا أثبتت التحريات أن الزوجة عقيمة، ولم تنجب طوال حياتها أي طفل، وهي عندما تدعي الحمل لجيرانها تحشو بطنها بالملابس القديمة لتنتفخ، ولكن السؤال لماذا تفعل ذلك؟، في نفس الوقت فتح ملف البلاغ الخاص بخطف رضيع من والدته منذ عام ونصف، واستدعاء الأم والتي أكدت أنها تستطيع التعرف على الخاطفة ولو مر ١٠٠ عام، فصورتها مازالت عالقة في ذهنها، وبالفعل قبض على تلك السيدة، والتي اتضح أنها تدعى «عزيزة»، وأن الطفل الذي أسميته محمد هو مصطفى نجل صاحبة البلاغ وبالفعل تم تسليمه لأهله، وأخذت عزيزة تعترف بجريمتها ولماذا لجأت لخطف الأطفال؟!، أكدت أنها عاقر وكان حلم الأمومة يساورها، وبدأت الناس في معايرتها، لذلك ملأ الحقد قلبها وقررت خطف الأطفال من أمهاتهم وإشباع غريزة الأمومة عندها، وكان إسلام بطل قصتنا هو أول طفل لجأت لخطفه. 

٢٢ عامًا في وهم

انتقل إسلام للعيش مع أسرته الجديدة، واستخرج شهادة ميلاد جديدة باسم إسلام جمعة، مرت السنوات طبيعية جدا، حتى وصل إسلام سن ١٥ سنة، وبدأت تتغير معاملة أسرته له، تحولت من الحب للكراهية، ومن العطف للقسوة، وإسلام لا يعرف السبب في تغيير المعاملة، كبر إسلام وحصل على دبلوم صنايع، وقرر الزواج، وبالفعل تزوج من فتاة وأنجب طفلة أسماها ملك، وازدادت المشكلات والخلافات بين إسلام وأسرته، لدرجة أن والده طرده من البيت واستحوذ على شقته وجهازه، فلم تتحمل زوجته تلك الخلافات، فذهبت تشتكي إسلام بالقايمة، ورفعت دعوى طلاق، وبالفعل طلقتها المحكمة وأخذت ابنتها واختفت، مرت الأيام وأراد إسلام أن يستقر ويتزوج للمرة الثانية، فتعرف على فتاة وأحبها وتزوجها، ورزقهما الله بطفلين أكبرهما الآن في الصف الثالث الإعدادي والصغير في 5 ابتدائي، وعاد إسلام للعيش مرة أخرى في شقته في بيت أسرته، لكن الخلافات بينه ووالده تحديدًا ازدادت، من هنا بدأ يشك إسلام إنها استحالة تكون أسرته وقرر يجري تحليل البصمة الوراثية DNA؛ ليتأكد من الحقيقة، وكان ذلك في رمضان عام ٢٠١٥، وللأسف شكوكه كانت في محلها فهو ليس ابنهم، عاش ٢٢ عاما مع تلك الأسرة في وهم، حتى وجد نفسه يعيش المأساة مرة أخرى ويعود لنقطة الصفر من جديد ويبحث عن أسرته الحقيقية وكأنه عاد بالزمن لما كان عمره ١١ عاما، الأسرة رفعت قضية إنكار نسب وذهب الأب وألغى قيد إسلام من العائلة، بمعنى أدق إسلام جمعة ليس له أي وجود في الحياة، اسم الأب المقيد في شهادات ميلاد ثلاثة أطفال ليس له وجود في الدنيا. 

أخذ إسلام زوجته وطفليه وذهب لمحافظة القليوبية وتحديدا طوخ؛ ليعيش مع أسرة زوجته التي وقفت بجانبه وظلت تسانده في محنته، وعمل إسلام حدادا، ورغم أنه استقر وبنى حياة جديدة له، إلا أنه لا يريد سوى معرفة الحقيقة ومن هم أسرته الحقيقية، هذه كانت المشكلة الوحيدة في حياته التي مازالت تؤرقه ولا يعرف للنوم طريقًا بسببها، فأخذ يبحث عن عزيزة ليعرف منها الحقيقة ولماذا كذبت وقالت إن جمعة والده؟! ، كان يحفظ اسمها جيدا وعرف أنها أدت العقوبة وخرجت من السجن، فظل يبحث عنها حتى وصل لها في محافظة الإسكندرية. 

ماتت وسرها معها

وبعد أيام وتحديدا يوم ٢٧ سبتمبر ٢٠١٦م، وجد إسلام عزيزة تدق بابه، فرح لرؤيتها اعتقد أن ضميرها استيقظ وستخبره بالحقيقة، لكنها أخبرته أنها مريضة سرطان وبدون أي مقدمات ألقت بنفسها من الطابق الرابع وسط ذهول إسلام، نقلت سريعًا للمستشفى في محاولة لإنقاذها، وداخل المستشفى وهي بين الحياة والموت ظل المسكين يتوسل إليها أن تخبره الحقيقة وتقول له من والده ومن أسرته، لكن صعدت روحها للسماء، وفي هذه اللحظة نتذكر فيلم «العفاريت» للكاتبة ماجدة خيرالله، والذي تحول من خيال إلى واقع عاش فيه إسلام، وكأن الكاتعة هي عزيزة وإسلام هو بلية التي رفضت الكاتعة أن تبوح لها وتقول من والدتها وماتت قبل أن تنطق بالحقيقة.. ماتت عزيزة وسر إسلام معها!.. وقتها اتهم إسلام بقتلها وظل محبوسا ٦٤ يومًا، كان لا يتمنى من الله سوى أن يسخر له من يخرجه مما هو فيه وأن تظهر براءته، حتى أثبتت التحريات وشهادة الشهود وتقرير الطب الشرعي براءته وأنها هي من انتحرت.

رغم موت عزيزة إلا أن إسلام لم يفقد الأمل في أن يجد أسرته؛ أنشأ صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، يحكي فيها قصته، تاركا رقم هاتفه وأن أي أسرة لديها طفل تم خطفه عام ١٩٨٢م يتصل به.. لم يكن إسلام يتوقع أن تنهال عليه كل هذه الاتصالات، مرة من محافظة كفر الشيخ وأخرى من الإسماعيلية وثالثة تأتيه مكالمة من الصعيد، وهكذا من شرق مصر وغربها وشمالها وجنوبها تنقل إسلام، لدرجة أنه أجرى 54 تحليل دي أن ايه لـ 54 أسرة، ولكن جميعها لم تثبت النسب لواحدة منهم.

رحلة مع إسلام 

ذهبنا لمنزل إسلام، حيث يعيش في بيت بسيط بطوخ، بمحافظة القليوبية، في رحلة للبحث معه عن أسرته ونقل معاناته، ومحاولة لإيجاد حل لمشكلته خصوصا أنه بلا أي أوراق تثبت وجوده في الحياة، قال لنا بأسى: «أنا نفسي أعيش زي الناس»، هكذا بدأ إسلام حديثه معنا، وأضاف: «عندي ٤١ سنة ومازالت مجهول النسب، لا أعرف مين والدي ولا مين والدتي، ٤١ عاما في عذاب، وحتى آخر يوم في عمري لن أفقد الأمل في أن أبحث عن أسرتي ومعرفة الحقيقة، مش عشاني ولكن عشان خاطر أولادي التلاتة، أنا دلوقت مش معايا بطاقة ولا شهادة ميلاد، وأولادي التلاتة مش عارفين لما يكبروا ويستخرجوا بطاقة هتم ازاي، فالاسم المدون في شهادات ميلادهم ليس له وجود في الحياة بعدما ألغى جمعة الذي كنت اعتقد أنه والدي اسمي من قيد العائلة». 

واضاف إسلام: «لو كانت عزيزة ماتت وسري معاها فزوجها لسه عايش وأكيد عارف الحقيقة ومين أهلي بس أنا مش عارف أوصله.. ياريت يرحم ضعفي ويقولي الحقيقة أنا مين وابن مين».

ولذلك اناشد المسئولين لوصول لحل انسانى وقانونى لاعيش حياة طبيعية

اقرأ أيضا : محاكمة المتهمين بخطف طالب بالزيتون لخلافات مع والده.. اليوم 


 

;