«النسر» قصة قصيرة للكاتب حسن رجب الفخراني

الكاتب حسن رجب الفخراني
الكاتب حسن رجب الفخراني

فرد النسر جناحيه كشراع القارب, يحلق بهما في الفضاء حرا, من خلفه باقي عائلته, كل النسور عائدة من هجرتها, يا لجمالها وهي تحوم فوق اليابسة  فوق تيارات الهواء, بعيدا عن الماء.

كل ما يشغله هو أن يحمي عائلته من الأخطار التي قد تؤدي للقضاء عليهم.

 نظر النسر إليهم قائلا:

انتبهوا يا أعزائي من  الأخطار التي تحيط بنا خاصة من البشر.

رد عليه أحد النسور الصغيرة متسائلا باستهزاء: أي أخطار يا قائدنا الهمام , ألم تعلمنا  أننا لنا مكانة عظيمة لديهم منذ العصور القديمة , ألم يكن جدنا الكبير هو (فرخ الفرعون) وكان صديقا للمصري القديم  يعيش في القرى والمدن

انبري نسر آخر قائلا في حدة

: بل كل الثقافات قدسته واحتفت به القصص والأساطير في الحضارات المختلفة

رد النسر القائد ضاحكا

: نعم كل ما قيل صحيح, ولكن هذا كان بالماضي الآن لم تعد لنا لدي البشر حماية, كل نسلنا أصبح مهدد بالانقراض.

صمت ثم أكمل

 : الهجرة كانت متعبة ولكنها ممتعة وأجمل ما فيها العودة إلى جمال الطبيعة النقية للوطن الأم .

 

قبل أن ينهي كلمته كانت بعض النسور التي أصابها العناء وتملك منها الإرهاق والتعب جراء قسوة السفر بدأت تضع أقدامها فوق أعمدة الكهرباء من أجل التقاط الأنفاس , دون أن تعي مقدار الخطر الذي يتربص بها , كانت كل الأسلاك التي تمتد بين الأعمدة المزروعة كالنباتات في الأرض الجافة عارية من أي عازل للصعق واقتناص الضحايا.

 فسقط واحد

وثاني

وثالث

سقط الكثير من النسور صرعي .

حزنت باقي العائلة علي أولادها الموتى , لاسيما وأنهم كانوا لا زالوا صغار , لم يتعلموا بعد معرفة هذا الخطر , أو غيره من مخاطر تهدد حياتهم.

وربما لأنهم لم يستمعوا جيدا للقائد النسر الذي حنكته الأيام والليالي وعرف كيف يتقي شر الأهوال وربما يصاحبها.

قال النسر القائد بلهجة مليئة بالمواساة

 : رحم الله صغارنا, ولكن الرحلة لا بد أن تكتمل للنهاية والحذر كل الحذر من المنطقة التي سوف نعبرها الآن , هذه منبع الهلاك لنا جميعا ومن يعبرها بسلام فقد كتب الله له حياة أخري

قالت إحدى بنات النسر القائد

: يا والدي ما هي هذه المنطقة ؟ ولما كل هذا الرعب منها ؟

أجابها النسر القائد وابتسامة حزينة تداعب شفتيه قائلا

: هذه يا ابنتي الغالية بحيرة ضخمة لحفظ الماء من الهدر, مقامة خلف السد, الصيادون يتربصون بنا هناك كي يقتنصوا أكبر عدد ممكن منا في رحلة صيد جائرة ومحرمة .

ردت ابنة النسر قائلة في حزن

 : الحق يا أبي إني لم أنس - وربما كل السرب لم ينس-  أننا حين كنا نحوم فوق تيارات الهواء , امتدت أيدي طواحين الهواء العملاقة والتي أقامها البشر لتوليد الطاقة لهم وكأنها شياطين لتقتنص منا أعدادا مهولة لا حصر لها, المراوح العملاقة التي تصرخ جائعة, لا تشبع أبدا مهما التهمت..

قال أحد النسور منفعلا  :

إلى متي يظل الإنسان يطاردنا  وينصب شباك الهلاك لنا, أي جريرة قد صنعناها ؟

أكمل آخر

: حقا سيدي القائد نحن بين ليلة وضحاها ننزف الكثير من أولادنا دون جريرة , بل أصبحنا جميعا مهددين بالفناء وقد تشرق شمس الغد لنصبح نحن مجرد ذكري.

كل سرب النسور أحنى هامته للأرض في حزن.