​«عنتر» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

الكاتب علاء عبد العظيم
الكاتب علاء عبد العظيم

 

 

ارتفع نباح الكلب-عنتر- يمزق صمت الليل الحالك.. الجاثم فوق العزبة، وهو يرى سيده راقدا على الأرض جثة هامدة، قد اخترقتها عشرات الطلقات النارية.

 

كان المنظر بشعا، ورائحة الدم تملأ أنف عنتر وتزكمه، وقد تجمدت الدماء الغزيرة، وغطت التراب بطبقة لينة لزجة حول الجثة، تثير القشعريرة في نفس عنتر، وتجعله يدور حولها في جنون، وهو يخشى الاقتراب منها.

 

وفوجئ- عنتر- بعد الحادث بأيام بأهل القرية يهجرونها، ولم يبق فيها أحد حتى الفلاحون، والخفراء، والماشية، على الرغم من أنه ينبح كثيرا، وجرى ورآهم إلا أن أحدا لم يلتفت إليه، ومضوا جميعا في طريقهم حتى اختفوا في الطريق الزراعي الطويل.

 

وبعد أيام قضاها-عنتر- وحده متنقلا من البيت الصغير الخالي من الأثاث، والأرض المهجورة، أقبلت سيارات كبيرة تحمل عشرات من العمال، وآلات حديدية ضخمة، وهدموا البيت أمام عيني-عنتر- وحولوه إلى أنقاض، وجعلوا يحفرون الأرض حتى قلبوها رأسا على عقب.

 

أحس-عنتر- بالوحدة، والألم يتغلبان عليه، وقد ايقن أن أصحاب البيت لن يعودوا، وأن احدا ليس في حاجة إليه في هذا المكان.

 

قرر هو الآخر أن يهجر الأرض، وأخذ يسير في الطريق الزراعي باحثا عن عمل جديد.

 

سار-عنتر- بحذاء الترعة إلى الجنوب، حيث تمتد مزارع القصب حتى آخر حدود البصر، وبعد مسيرة يوم كامل حملت إليه الريح، رائحة عزيزة مألوفة لديه، فأسرع في السير، وقد علم أنه اقبل على "عزبة" آهلة بالسكان، والكلاب، والماشية، وفيها بيت تفوح منه رائحة الطعام الشهي الذي لم يذقه منذ زمن بعيد.

 

وما كاد-عنتر- يتقدم خطوات نحو "العزبة" حتى خرجت إليه جماعة من الكلاب، يقودها طلب أسود شرس كالذئب، له نباح خشن غليظ، وهجم الكلب الأسود على عنتر، يمنعه من الاقتراب، ويهدده بالقتل إذا ما حاول أن يتقدم خطوة أخرى للإمام.

 

 

وتراجع -عنتر- إلى شجرة سنط كبيرة، وهو يفكر في المشكلة التي تعترضه، أنه جوعان، أحشاؤه تصرخ وتعوي، وقد مرت به أيام من الوحدة القاتلة بلا كلب أو كلبة يبادلها النباح، والمصير مجهول أمامه إذا لم يستطع الالتحاق بهذه القرية.

 

 

وسرعان ما تبين-عنتر- أنها مسألة حياة أو موت، ويتذكر صاحبه الذي قتل في وحشية بين المزارع، وزكت أنفه رائحة دمائه، وها هو يجد نفسه يواجه أزمة لم يخرج منها بعد حين إلا قاتلا أو مقتولا.

 

كان جسده يرتجف من الانفعال والقلق، وكل ما يخشاه أن يتحول هو بدوره إلى جثة ملقاة في التراب، وقد مزق لحمها ذلك الكلب الاسود الشرس، وأسأل دمائها.

 

ومضت ساعات، وجوعه يشتد، والوحدة تقسو عليه، ونباح الكلاب البعيد يهزه، ورائحة الطعام تحملها الريح تدعوه، وتغريه.

 

واخيرا، طرأ له خاطر فرح به، فأسرع ينبش الأرض، حتى أحدث فيها حفرة عميقة، وبعد أن فرغ من إعدادها مضى للقاء الكلب الأسود.

 

وتقابل الخصمان، وتطاير الشرر من عيني الكلب الأسود، وعلا الزبد فكيه، ودارت المعركة، رهيبة دامية، تعالى فيها النباح، والضرب، والخبش، والعض، ووقفت بقية كلاب القرية في حلبة تشهد ما يدور، وبعد صراع دام ساعة، انتصر عنتر بقوة اليأس على الكلب الأسود، وجسم فوقه، وأصبح جثة ممزقة تسيل منها الدماء.

 

ونبحت الكلاب الأخرى، تعلن ترحيبها واعترافها بعنتر المنتصر، والتفت من حوله مهللة صاخبة غير ملتفتة إلى الكلب الأسود الذي كان يتزعمها.

 

أما عنتر المنتصر فعلى الرغم من جراحه التي كانت تنزف دما، وعلى الرغم من آلامه الشديدة التي كانت تعصف بقواه، لم يلتفت إلى تهلل الكلاب وصخبهم، بل كان كل همه أن يجر جثة الكلب الأسود إلى الحفرة التي نبشها ليواريه التراب!.