..الحقائق التاريخية لا تبديل أو تحريف ولا تحتمل التزييف في أحداثها، أو التلاعب فيها بالحذف أو الإضافة؛ بل تظل ثابتة وصحيحة ما دمنا نسعى إلى مكامنها بخطوات حثيثة؛ بهدف المعرفة الكاملة..؛
التاريخ يقول؛ بينما كانت مصر تصل على يد أخناتون إلى التوحيد؛ كانت أمة اليهود قد انتهت من دفن صحف موسى وتوراته وعهده في التابوت، وبدأت في تبديل اسم الله في العهد القديم من «يهوه» الاله الحقيقي خالق كل الأشياء وهو ليس إله شعب واحد بل إله كل الأرض، وقد عبده النبيان إبراهيم وموسى، إلى الاسم الجديد «رب الجنود»، ومن بعدها بدأت تؤمن بالعدوان على البشر وتدبير المؤمرات، وافتعال الأزمات وإثارة الفتن، جاءوا بمال اعتصروه من عرق الشعوب؛ ليضعوه تحت أمر صهيون؛ لتبدأ الهجرة غير الشرعية التي لا تزال تحدث إلى اليوم ولها مسبقات في التاريخ؛ بدأت في أوائل القرن السادس عشر، عدة آلاف قليلة من اليهود لا تتجاوز الخمسة، جاءوا إلى دولة فلسطين بمزاعم دينية تتالت بعدها الهجرات وبُنيت عشرات المستوطنات اليهودية في فلسطين، ووُطن آلاف المهاجرين اليهود في هذه المستوطنات التي بُنيت على الأراضي الفلسطينية، إلى أن أتت الحرب العالمية الأولى وتعهد الانجليز بما سمي بوعد بلفور أو تصريح بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مما فتح الباب امام الصهاينة لاحتلال الأراضي الفلسطينية بدعم من بريطانيا الكبرى وقتها، لم يقبل الصهاينة بفكرة وطن قومي لليهود في جزء من فلسطين؛ فقد أرادوا دولة جديدة لئيمة شاع أهلها في البلاد أنهم أتوا بوعد إلهي في كامل فلسطين، دولة تقوم بمساعدة أمريكا والغرب على أنقاض شعبها الأصلي.
ولكن؛ هل يحتاج طلوع النهار إلى دليل؟!
مهما فعلوا من رذائل لا تصنعها إلا الأبالسة؛ سوف تظل القدس عربية دينيًا وتاريخيًا، يعتبرها العرب والفلسطينيون عاصمة دولة فلسطين؛ فالمراجع لما جرى للقضية الفلسطينية في كل مراحلها التاريخية يتأكد لديه أن دولة إسرائيل قامت علي الإرهاب والعنف والتشريد، ومع ذلك لم يترك زعماء الصهيونية مناسبة إلا وتظاهروا بأن دولة إسرائيل تريد السلام، وهي في الواقع دولة ترفض مبدأ الأرض مقابل السلام، وترفض جميع قرارات المنظمات الدولية، وترفض عودة الفلسطينيين إلى ديارهم أو إلى جزء من أراضيهم مقابل أن يسود السلام، حتى وإن اعترف العرب رسميًا بدولة إسرائيل، وانهوا المقاطعة الاقتصادية لها، وإشراكها في التجمعات الاقتصادية العربية، وفتح سوق إسرائيلي لمنتجاتها في العواصم العربية، بل سأذهب بعيدًا في حلم اليقظة بما يحقق إشباعًا على مستوى الخيال الذي لم ولن يتحقق أبدًا، وحققنا رغبة إسرائيل إشراكها في برامج التعاون العسكري والأمني؛ فلن تمنح الفلسطينيين دولة جادة تكون عاصمتها القدس الشرقية؛ فالتفاوض حول حل الدولتين الآن وتحديدًا بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب؛ الأحادي المشئوم بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، لم يكن هدفه نبيلًا كما زعم نصًا: «أن هذا القرار لا يناقض التزامنا الكامل بالتوصل لاتفاق سلام»، صار دربًا من الخيال مثل اسطورة طائر العنقاء، أو على طريقة «قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم».
إذن ماذا تريد الدولة الصهيونية؟!
ما تسعى إليه إسرائيل الآن هو إلغاء كل ما ورد في المواثيق العربية والاتفاقات الدولية مما يشير إلى اعتبارها دولة ترفض السلام، وفي الوقت ذاته عدم التنازل عن القدس، وألا تطرح كجزء من الحل النهائي للقضية الفلسطينية؛ فعندما أقدمت إسرائيل على احتلال القدس الشرقية بعد حرب سنة 1967، وألحقتها ضمن حدودها اعتبرتها جزءًا لا يتجزأ منها، رغم عدم اعتراف أغلبية المجتمع الدولي وقتها بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووجه مجلس الأمن اللوم إلى إسرائيل بسبب إقرار هذا القانون وأكد أنه يخالف القانون الدولي، ولكن في العقيدة اليهودية أن كل ما يفعلونه هو أمر إلهي، على اعتبار وكما قلنا آنفًا يزعمون أن لهم إلهًا خاصًا بهم وللشعوب الأخري آلهة أخرى، وأن إله شعب إسرائيل ليس كبقية آلهة الشعوب الأخرى، وأنهم أولاد إلههم وأحباؤه، وكما يقول هنا العلامة الدكتور عبد الناصر توفيق العطار عميد كلية الحقوق بجامعة أسيوط السابق رحمه الله: «قديمًا افتتن بنو إسرائيل بعجل جسد له خوار، صنعه لهم السامري، فعبدوه من دون الله عز وجل، وحديثا افتتن الصهاينة بعجل جديد له ضجيج أسموه دولة إسرائيل، أصبح معبودهم الثمين».
ولكن كيف أقنع عقلي الباطن على مجرد التفكيربقيام إسرائيل بهذا العدوان الهستيري على غزة بعد هجوم «مقاومجية» حماس، وهي الدولة التي تتغنى بجهاز مخابراتها وأقمارها الصناعية التي تصور النملة وهي تسير في حالك الليل؟!
الحقيقة والواقع أن الضحية هم أهل غزة والقضية الفلسطينية كلها، فـ دولة الاحتلال تسعى لتنفيذ مخططها القديم ببعثرة مليوني غزاوي في أرض سيناء على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا، ثم التهجير الكامل لأهالي الضفة الغربية إلى الأردن، وبالتالي خلق واقع ديمغرافي جديد، مثلما ضحت الولايات المتحدة الأمريكية ببرجين وثلاثة آلاف قتيل من أجل تشكيل شرق أوسط جديد؛ لكن لا وألف لا لهذا المخطط اللئيم، فـ مرارًا وتكرارًا يشدد الرئيس السيسي على أن عملية النزوح في اتجاه الأراضي المصرية شديد الخطورة، ولن – كما أكد الرئيس - نسمح بالنزوح أو الهجرة من القطاع للأراضي المصرية.
فما تفعله مصر اليوم، فعلته على مدى 75 عامًا وسوف تفعله للحيلولة دون هذا الاغتصاب العلني لدولة فلسطين، فموقف مصر ثابت على مدار التاريخ بالدفاع عن هذه القضية بل وفي كافة المحافل الدولية تكون هي القضية ذات الأولوية، والذي تفعله الأردن اليوم أيضًا فعلته كل البلالد العربية أمس لنفس الغرض.