في ذكراه الـ106:

وعد بلفور.. الفلسطينيون يتذكرونه على إيقاع أصوات الرصاص وضربات غارات المحتل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

على أصوات الرصاص والديناميت المتفجر الذي يعقبه الصراخ والفر لنجدة من هم تحت الأنقاض، لم يكن للفلسطينيين أن ينسوا من وضعهم في ذلك المأزق ومن تسبب في احتلال أوطانهم من عدو لم تكن للإنسانية أن تعرف له بابًا ولا لحقوق الإنسان له طريقًا.

قبل 106 سنوات من الآن، كان لوزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور ليسدي بوعده المشؤوم، ليُملّك اليهود الذين لا يمتلكون وطنًا أرضًا لم يعرف تضاريسها لا آباءهم ولا أجدادهم.

واليوم يقف الفلسطينيون بعد ست سنوات أضيفت على قرنٍ من الزمن من ذلك الوعد المشؤوم، وهم يرون الاحتلال يشن غاراته العسكرية في غزة، ويشتبك ويطلق الرصاص على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ممزقًا جسد وطنٍ واحدٍ ويقتل من أبنائه الآلاف دون رحمةٍ أو هوادة.

عدوان متواصل في ذكرى وعد بلفور

ويتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الثامن والعشرين على التوالي، وذلك منذ السابع من أكتوبر الماضي، وذلك مباشرة بعد بدء عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها المقاومة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي ومستوطنات غلاف غزة.

وخلال 28 يومًا من الحرب التي تُشن في قطاع غزة، سقط 9155 شهيدًا إلى جانب أكثر من 23 ألف جريح، وفق آخر تحديث صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية، وسط استمرار المجازر الإسرائيلية التي لا تتوقف، والتي كان آخرها اليوم عند بوابة مجمع مستشفى الشفاء في غزة، وفي مدرسة أسامة بن زيد، التي تأوي آلاف النازحين شمال غزة.

وفي الضفة الغربية، أسفرت الاشتباكات والمواجهات في مختلف أنحاء الضفة 144 شهيدًا إلى جانب أكثر من 2200 جريح برصاص قوات الاحتلال.

بريطانيا وأمريكا في قفص الاتهام

وفي الذكرى الـ106 لوعد بلفور المشؤوم، أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الشعب الفلسطيني ما زال يواجه آثار بلفور وما أسسه في وعده المشؤوم والنكبة المستمرة إلى يومنا هذا، بسبب غرسه لجذور منظومة استعمارية، تقوم على نفي الآخر والانتقام منه، وهو ما نشهده اليوم من العدوان الإسرائيلي الهمجي على شعبنا في قطاع غزة، وحرب انتقامية من النساء والأطفال والمدنيين، وامتداد عدوانها في الأرض الفلسطينية كافة.

كما أكدت الخارجية الفلسطينية أن بريطانيا، والولايات المتحدة تتحملان مسؤولية هذا الوعد، وعليهم واجبات رئيسية خاصة في هذه الأيام لوقف الانحياز إلى الإجرام، والفرض على إسرائيل وقف عدوانها الهمجي، وإطلاق النار فورًا، والسماح بمرور المساعدات والمعونات الدولية، ووقف التهجير القسري، وحماية أبناء الشعب الفلسطيني، والتوقف عن تشجيع إسرائيل في الاستمرار في جرائمها ومنحها الحصانة من العقاب على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية، مضيفةً أن مواقفهم تشكل تواطئ في قتل المدنيين الأبرياء في غزة، وفي كافة الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس.

وحيّت وزارة الخارجية الفلسطينية الشعب الفلسطيني الصامد، في قطاع غزة، وفي كافة أماكن تواجده، رغم كل الجرائم التي تركبها إسرائيل، سلطة الاحتلال غير الشرعي، واضطهادها للشعب الفلسطيني منذ 75 عامًا على النكبة، وأكدت رفضها للتهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني لاستكمال النكبة ومشروع بلفور المستمر.

وشددت الوزارة على أن "شعبنا وقيادته يرفضون، وسيواجهون وعد بلفور، وجميع المؤامرات الشبيهة التي تحاك هذه الأيام للنيل من مشروعه الوطني"، مطالبة كلًا من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة للاعتذار للشعب الفلسطيني عن هذا الوعد المشؤوم، وجبر ضرر ما أصاب الشعب الفلسطيني، وانساله من تهجير قسري، ولجوء، وإعدامات ميدانية، وسرقة أراضيه وممتلكاته، وحرمانه من الحقوق الأساسية، وغير القابلة للتصرف في تقرير المصير، والاستقلال والعودة.

كما طالبت الوزارة المجتمع الدولي، ومؤسساته لتحمل مسؤولياتهم ووقف معاناة الشعب الفلسطيني واتخاذ خطوات واضحة لعكس اثر وعد بلفور، والتعبير عن رفضه، ورفض آثاره، وعكسها من خلال منع التهجير القسري، وحماية الشعب الفلسطيني الذي ما زال يتعرض للاضطهاد، وإنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، وجلب مجرمي الحرب إلى العدالة الدولية، وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها تقرير المصير، والاستقلال، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها تنفيذا للقرار 194.

ذكرى وعد بلفور

وصادف أمس الخميس 2 نوفمبر نوفمبر، الذكرى الـ106 لصدور وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

"وعد بلفور" كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.

وجاء على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميا وعلنيًا سنة 1919، وكذلك اليابان.

مستند باطل

من جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.

وتبدو الإشارة إلى وعد بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلًا فصيحًا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: "الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور".

وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.