أوراق شخصية

التأدب فى حضرة الموت

د. آمال عثمان
د. آمال عثمان

جاء موقف الدولة المصرية، وقرارها بوقف المهرجانات والاحتفالات الدولية والمحلية، فى ظل ما يحدث من إبادة ممنهجة للشعب الفلسطينى،ليعكس مشاعر الحزن والغضب المتأججة فى الشارع المصرى، لذلك توقعت أن يتضامن الفنانون مع الموقف المصرى الرسمي، بعدم المشاركة فى مهرجانات أو حفلات خارج أو داخل الوطن، تأييداً لهذا الموقف المحترم الذى أعلنته د. نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة.

وهنا تحضرنى المواقف المشرفة لبعض الفنانين، والتى لم تقتصر مواقفهم الداعمة لأهلنا فى غزة على التبرع بإيرادات حفلاتهم الغنائية فى الدول الغربية، مثلما فعل مطرب الراب «ويجز» الذى أشعل حماس الجماهير بالهتاف باسم غزة، ورفْع علم فلسطين، وشارك فى المظاهرات تضامناً مع شعبها فى العواصم والمدن العالمية، بينما ألغى المطرب كاظم الساهر حفلاته الغنائية التى كان مقرراً  إقامتها خلال الأيام المقبلة، إلى أجل غير مسمى، قائلاً: «لا احتفال وأهلنا تحت القصف، نعتذر عن عدم إقامة الحفلات فى موعدها تضامنًا مع أبناء فلسطين، وسيتم إعادة ثمن البطاقات المبيعة بأقرب وقت ممكن، ولا يسعنا فى هذه الظروف إلا التضرع لله تعالى أن يخفف معاناة أحبتنا فى فلسطين، ويمدّهم بالصبر والصمود».

كما أجل الفنان عمرو دياب حفلته التى كان مقررا إقامتها مع شركة كوكاكولا حتى إشعار آخر، قائلا: «قلوبنا تنبض بالدعم والتضامن مع أهل فلسطين فى هذه الأوقات الصعبة»، كذلك ألغى الفنان تامر حسنى 20 حفلة كان مقررا إقامتها، تقديرا لقيمة الحياة الإنسانية التى تنتهك تحت قصف الجيش الإسرائيلى، أمام مرأى ومسمع من العالم.

 إن الجماهير التى صنعت نجوميتكم، لا تطالبكم بوقف أعمالكم، وإنما تطلب منكم التوقف عن أى مظاهر احتفالية لا تُقدّر قيمة الحياة الإنسانية، ولا تعرف معنى الدمار ونزيف الدم وسحق الأرواح، تطالبكم بألا تخونوا أحزانهم، فعندما تنعدم النخوة والشهامة، وتُمتهن المبادئ والقيم تحت وطأة المصالح، يصبح كل شيء قابلاً للبيع والشراء، لا فرق بين من يبيع إنسانيته وضميره ، ويخون أحزان وطن جريح ينزف دماً، وبين من يشترى مشاعر التضامن والتعاطف مع الدم المهدور، ويرقص فوق جثث الشهداء وآلام الجرحى والمكلومين، ويزدرى مشاعر الغضب والحزن على ما يحدث من تجويع وإبادة لشعب يقاتل من أجل البقاء!! نطالبكم يا حضرات.. نطالبكم بالتأدب فى حضرة الموت والدمار!!