بالعمل وليس بالكلام.. د. أحمد كريمة| حب الوطن والحفاظ عليه واجب شرعى

د. أحمد كريمة
د. أحمد كريمة

الوطن قيمة كبرى يجب على كل مواطن الوفاء لها وبذل الجهد لرفعته والحفاظ على أمنه ومن الأدلة الشرعية والتطبيق العملى أن النبى صلى الله عليه وسلم صبيحة الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة قال والدموع فى عينيه وهو يودع مكة «والله إنك لأحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلى ولولا أن قومى أخرجونى منك ما خرجت»، فحب الوطن غريزة فطرية وواجب شرعى وإنسانى ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة..

فكيف كان حب النبى صلى الله عليه وسلم لوطنه وكيف يكون حبنا لأوطاننا هذا ما يوضحه الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بقوله: لقد كانت مكة أحب البلاد إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتركها مجبرًا قال تعالى: «إذ أخرجه الذين كفروا»، ولما فرض عليه كفار قريش الحروب كان يميل إلى جانب الموادعة والحفاظ على وطنه، فعقب معركة بدر مال النبى صلى الله عليه وسلم إلى أخذ فداء الأسرى بدلا من قتل المقاتلين المحاربين بل أمر صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى كفار قريش وأيضا فى فتح مكة أعلن العفو العام وقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم، وبين الهجرة وفتح مكة ووسط الحروب المتصاعدة من قريش أرسل أبو سفيان بن حرب إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة أن مجاعة شديدة ألمت بمكة قائلا: إن بنى عمك يأكلون ورق الشجر والجيف فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن أرسل ١٢ ألف درهم ليشترى أقواتا لأهل مكة.

ويضيف: أما عن الوطن الدعوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهى المدينة المنورة عقب الهجرة مباشرة حافظ على الأمن الداخلى ليثرب، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بكتابة صحيفة المدينة من ٥٤ مادة تقرر الدفاع عنها وحدودها وحرية التنقل وحرية الاعتقاد بين المسلمين وسكانها من غير المسلمين أيضا، وكذلك لما فتح الله له مكة ظن أهل المدينة أن النبى صلى الله عليه وسلم سيعود إلى وطنه الأصلى حيث مولده وتربيته الأولى إلا أنه طمأنهم أنه سيظل فى وطنه الثانى فى المدينة فقال المحيا محياكم والممات مماتكم ولو سلك الأنصار شعبًا وسلك الناس شعبًا، لسلكت شعب الأنصار وآثر النبى صلى الله عليه وسلم أن ينتقل إلى جوار ربه فى أعلى عليين فى وطنه الثانى المدينة ضاربا المثل فى الحفاظ على وطنه الأصلى ووطنه الثانى البديل، وأؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه احترموا أوطان الناس فلم يغيروا أسماء البلاد التى فتحوها وأبقوا أسماء مصر والعراق واليمن والشام كما هى بل الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باحترام مواطنى كل بلد دخله وبالذات مصر فقال: ستفتح مصر لكم من بعدى فاستوصوا بأهلها خيرا. ومن هنا يقرر التشريع الإسلامى على أن الإسلام يقر الناس على الانتساب لقومياتهم الوطنية؛ ففى عصر الصحابة ومجتمع الصحابة وجد من ينتسب إلى وطنه الأصلى دون حرج مثل سلمان الفارسى وصهيب الرومى وبلال الحبشى ومارية القبطية المصرية رضى الله عنهم وأرضاهم؛ فالقومية والوطنية من السياسة الشرعية فى الإسلام، التى تجب الحفاظ عليها وأيضا فى الدول الإسلامية ماليزيا وإندونيسيا وتركيا هذه أسماء لشعوب وأوطان لم يمحها الإسلام وأبقى عليها فالانتساب إلى الإسلام الدينى لا يتعارض مع الوطن والوطنية أما ما يتصل بمصر بلدنا بما فيها من مسلمين ومسيحيين فيجب عليهم أن يحافظوا على هذا الوطن بالانتماء إليه وإيثار مصلحته على مصلحتهم الشخصية والدفاع عنه والغيرة عليه لأن مصر كنانة الله فى أرضه فهى بلد آوى الأنبياء والرسل عليهم السلام والأولياء أيضا وآل البيت رضى الله عنهم بل إن الأولياء من بلاد الحجاز والعراق والمغرب اختاروا مصرا للإقامة فيها وفيها مراقدهم فى كل المحافظات كذلك آل البيت سادتنا؛ فالسيدة زينب بنت الإمام على رضى الله عنها  لما نفاها الأمويون خارج المدينة اختارت مصر أيضا علينا أن نتذكر سيناء هذه البقعة العزيزة التى تكلم فيها رب العزة بدون واسطة أو حجاب وبدون أن يرسل مبعوثًا، فالتجلى كان فى أرض مصر من رب العزة إلى سيدنا موسى عليه السلام.. لذا فإن الواجب الشرعى والإنسانى يحتم العمل لرفعة الوطن وهذا هو الانتماء الحقيقى فهو ليس بالشعارات ولا القصائد ولا الأغانى بل بالعمل الجاد لإعمار البلاد وإسعاد العباد.
نادية زين العابدين