«ماتت معلمتي» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

الكاتبة أميرة عبد العظيم
الكاتبة أميرة عبد العظيم

 

 كنت أتجول صباحا بين شوارع غزة وسط الأنقاض، لمحتها من بعيد فتاة جميلة تجلس فوق الركام تبكي وتنبش في التراب، وكأنها تبحث عن سراب وسط الأنقاض.

 

اقتربت منها وجدت طفلتين صغيرتين يتكومان في دفء حجرها، في حذر شديد وضعت يدي على كتفيها بهدوء يسبقه الحنين وسألتها بصوت منخفض:

...ما بكِ يا ابنتي

ردت بصوت يملؤوه الأنين: كان هنا بيت معلمتي وكنت أجلس بجوارها وكنا نلتف أنا وإخوتي حولها بعد أن استشهدت أمي منذ يومين، ندرس ونتعلم رغم أنف الضجيج والقنابل والحريق والموت، وحينما حل الظلام علينا ووسط سكون الليل الحذر، وهدوء لم يكن متوقعا، فجأة صوت المفرقعات يعلو وصراخات من هنا وهناك، كر وفر وإذا بالبيت يهتز وإذا بكل شيء يتساوى مع الأرض.

..اندس إخوتي من الخوف في حجري ولكني لم أجد معلمتي، أنادي على معلمتي وأبحث عنها. كانت هنا وإخوتي هنا. معلمتي أنا (وعد) أين أنتِ أرجوكِ لا تتركينا

 

وجدتها وقد انشق صدرها وهي تنزف، حاولت أن أتصل بالإسعاف، بأرقام الإغاثة، قطعت عنّا الاتصالات وانطفأت الجوالات....

ماتت معلمتي.. احتضنت إخوتي هكذا وتجمدنا سويا هنا كما ترينا لا أحد يسمعنا ولا نسمع أحد

 

وأنا أستمع إليها حَاولت أن أستجمع قواي وأُهدأ من روعها (وعد)...إهدائي حبيبتي ...أحسني ظنك بالله

أمسكت بيديها وطبقت عليهما بين يدي وكأني أمسك بقطعة من الثلج وهي ترتعد بشدة، تمتمت في أذنيها بم تيسر لي من آيات القرآن.

قولت لها: اسمعيني جيداً يا وعد، وسط الأشلاء والدمار تحلي بوردُك القرآني، فهو ترياق يومك ستجدي فيه جرعات الصبر لجزعك، وجرعات اليقين، وجرعات الشفاء لآلامك وجرعات التثبيت لكل فتنة ستجدين في ضوء القرآن، تراجع ظلمات هذه الأيام، وستبصر الأبصار بأنواره في عتمة أزقّة الآلام، فلم نعد نملك يا وعد إلا حسن الظن بالله.