التضامن مع فلسطين ليس جريمة| استهداف المعارضين للكيان الصهيوني

صورة موضوعية
صورة موضوعية

جرائم وحشية وإبادة بشرية لأهل غزة.. مجازر ترتكب بدم بارد، لا يوقفها بكاء طفل، وفزع أم ولا ألم شيخ؛ عمليات انتقامية وجرائم حرب ترتكب ضد مدنيين عزل، جعلت من كان يشجب يصرخ ويئن، ومن كان ملتزم الصمت يدين ويحذر من كارثة ومأساة إنسانية مثلما فعل الأمين العام للأمم المتحدة، «أنطونيو جوتيريش» الذى قال إن ما تفعله حماس لم يأتِ من فراغ، وأن الفلسطينيين عانوا من احتلال قمعى من قبل إسرائيل لعقود من الزمن لارتكابها انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي فى غزة. ما أثار غضب حكومة الكيان الصهيونى وطالبت جوتيريش بالاستقالة الفورية. وبدأت عدة أوروبية وبريطانية بحظر التضامن مع فلسطين، والعقاب عليه وكأنه جريمة.

◄ جوتيريش: الفلسطينيون فى احتلال وأراضيهم تلتهمها المستوطنات

◄ إسرائيل تطالب باستقالة الأمين العام للأمم المتحدة

■ حملة قمع ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء أوروبا

قبل ما يقرب من 40 عامًا، فى مقال نشرته مجلة «لندن ريفيو» بعنوان «الإذن بالرواية»، كتب المؤلف والمفكر الفلسطيني «إدوارد سعيد»: «يوجد جهاز اتصالات تأديبى فى الغرب يتجاهل معظم الأشياء الأساسية التى قد تمثل إسرائيل، ومعاقبة أولئك الذين يحاولون قول الحقيقة». ولم يتغير الكثير منذ ذلك الحين. فى الواقع، لا تزال رواية البراءة والضحية الإسرائيلية، وما يقابلها من همجية وشر فلسطينيين جامحين، تسيطر على الخطاب الإعلامى والسياسى الغربي. ولابد من الانتقام السريع لجميع الوفيات الإسرائيلية ومن دون رحمة، فى حين أن الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين لا يمكن إلا أن تكون موضع رثاء، إن لم يكن تبريرها وإضفاء الشرعية عليها بشكل قاطع. 

وعادةً ما يتم استهداف الأشخاص الذين يرفضون أن يظلوا على الحياد أو استخدامها مثل العرائس المتحركة؛ وتحب القوى الكبرى أن تعرف أنها قادرة على جعل مثل هذه الشخصيات عاجزة، إن لم تكن غير ذات أهمية، مثل الأمين العام السابق «بان كى مون»، الذى بالكاد سجل مذكرة معارضة. واليوم، خرج جوتيريش بتصريحات أشار إلى أهمية الاعتراف بأن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، بعد تعرض الفلسطينيين طيلة 56 عاماً من الاحتلال الخانق. لقد رأوا أراضيهم وهى تلتهمها المستوطنات بشكل مطرد وتعانى من العنف؛ بالإضافة إلى خنق اقتصادهم وتشريد أهلهم وهدم منازلهم. وأضاف الأمين العام قائلًا «رغم أن الهجمات التى تشنها حماس لا يمكن تبريرها لمعالجة مثل هذه المظالم، فإنها أيضاً لا يمكن استخدامها كذريعة لتبرير العقاب الجماعى للشعب الفلسطيني». وأوضح أنه حتى الحرب لها قواعد. وأضاف أُمر أكثر من مليون شخص بإخلاء الجنوب، حيث لا مأوى ولا طعام ولا ماء ولا دواء ولا وقود، ومن ثم الاستمرار فى قصف الجنوب نفسه».

◄ اقرأ أيضًا | الخارجية الفرنسية تعلن مقتل طفلين في قطاع غزة

■ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش

ولكن سرعان ما أحدثت كلمات جوتيريش ضجة، وحتى فى أروقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهاجم المندوبون هناك بعضهم البعض باتهامات كالافتقار إلى التعاطف. وطالبت إسرائيل الأمين العام بتقديم استقالته. وفى المقابل، أصيب جوتيريش نفسه بالصدمة وقال بإنه أسيء تفسيره، وخرج بتصريحات يحاول أن يمسك العصا من المنتصف كمحاولة لإرضاء الكيان الصهيوني. 

ولم تلق مثل هذه التعليقات استحسان وزير الخارجية الإسرائيلي؛ من السهل دائمًا الاستهزاء بالمتنمرين فى العلاقات الدولية. وهكذا كان «إيلى كوهين» يلهث ويتساءل عن العالم الذى كان يعيش فيه الأمين العام. «بالتأكيد، هذا ليس عالمنا». وإحدى تصريحاته على موقع التواصل الاجتماعى «إكس»، تويتر سابقًا، تحدث سفير إسرائيل «جلعاد إردان» لدى الأمم المتحدة، بغضب وذهب إلى حد المطالبة باستقالة جوتيريش.

■ الشرطة الألمانية تقمع احتجاجات التضامن مع فلسطين

وبثرثرة لا معنى لها، أشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة «أعرب عن تفهمه للإرهاب والقتل». وفى إذاعة الجيش، أعلن إردان أيضًا أن إسرائيل سترفض «إصدار تأشيرات لممثلى الأمم المتحدة، ولقد رفضوا بالفعل تأشيرة دخول لوكيل الأمين العام للشئون الإنسانية، «مارتن جريفيث»، وعلق إردان قائلًا: «لقد حان الوقت لتلقينهم درسا».

فيما تعرض الكيان الصهيونى لانتقادات من جماعات حقوق الإنسان، التى تتساءل عما إذا كان الرد العسكرى للبلاد فى قطاع غزة متناسبًا، وما إذا كان التهجير والأذى الذى تعرض له المدنيون الفلسطينيون يهدد بانتهاك إسرائيل للقانون الدولي، وفقًا لشبكة «CNBC» الأمريكية الإخبارية. ويرى الباحث الإنجليزى «بينوى كامبمارك» فى كلية سيلوين، كامبريدج، فأن الاستراتيجية الإسرائيلية هنا هى تبرير ما لا يغتفر: التمزق الجماعى للشعب. تحدث رجل الدولة اليمينى «إدموند بيرك» عن عدم معرفة «طريقة صياغة لائحة اتهام ضد شعب بأكمله». ومن المؤسف أنه فى هذا الصراع، تم إعداد لائحة الاتهام هذه منذ بعض الوقت، وتجرى محاكمتها بقسوة لا هوادة فيها.

فيما وصفت الكاتبة البريطانية «فيليسيتى أربوثنوت» والناشطة التى كرست حياتها لنصرة العراق وأفغانستان ضد عدوان حكومة بلدها عليهما، خطاب الأمين العام للأمم المتحدة بأنه «مزدوج». موضحه أنه لم يثِر جوتيريش أيًا من هذه القضايا فى تصريحاته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى 24 أكتوبر الماضي، بأن الوضع فى الشرق الأوسط يزداد خطورة كل ساعة، واحتدام الحرب فى غزة وتهدد بتفاقمها فى جميع أنحاء المنطقة، والتوترات تهدد بالغليان.» كل ذلك وفى لحظة حاسمة مثل هذه، من الضرورى أن يكون هناك وضوح بشأن المبادئ – بدءاً بالمبدأ الأساسى المتمثل فى احترام وحماية المدنيين. ولكن مظالم الشعب الفلسطينى لا يمكن أن تبرر الهجمات التى تشنها حماس. وهذه الهجمات المروعة لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعى للشعب الفلسطيني.

ومن ناحية أخرى، اتخذ تجريم ألمانيا للتضامن مع فلسطين أبعادًا جديدة تمامًا منذ السابع من أكتوبر، حيث حاولت السلطات الألمانية خنق النشاط الفلسطيني فى البلاد، معتبرة ذلك مصدر إزعاج لسياستها الصريحة المتمثلة فى الدعم غير المشروط لقوات الاحتلال. وقد تم حظر المظاهرات، كما تعرضت منظمات، مثل شبكة صامدون للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين، لتدقيق متزايد. وهبت وسائل الإعلام الألمانية والهيئات السياسية الألمانية ضد الفلسطينيين، وقال المستشار الألمانى «أولاف شولتز» إنه «يجب علينا الآن وأخيرًا ترحيل السكان الذين لا يحملون الجنسية الألمانية ويحتجون علنًا ضد إسرائيل.» فيما يطالب الحزب الديمقراطى المسيحى (CDU) بأن يصبح الاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود شرطًا مسبقًا للحصول على الجنسية الألمانية.

وتمكنت ألمانيا من استخدام القوة والعنف لمنع المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية فى الشوارع الألمانية. ومع ذلك فمن غير المرجح أن تتمكن الحكومة من حظر مشاعر التضامن هذه إلى أجل غير مسمى، وخاصة مع استمرار انتشار صور الهجوم الإسرائيلى الوحشى على غزة فى مختلف أنحاء العالم.

وعلى خطى ألمانيا، أصدرت فرنسا حظرا شاملا على المسيرات المؤيدة لفلسطين باسم استباق معاداة السامية المحتملة. وأن كل من يرفض تقديم الدعم غير المشروط للغزو الإسرائيلى الوشيك لغزة يُعامَل باعتباره «مؤيداً للإرهاب».

وفى المملكة المتحدة، كتبت وزيرة الداخلية «سويلا برافرمان» رسالة إلى الشرطة تشير فيها إلى أن الهتافات المؤيدة للفلسطينيين، أو حتى التلويح بالعلم الفلسطيني، قد تكون غير قانونية فى المناخ الحالي. كما حظرت النمسا مسيرات التضامن مع فلسطين.

ووفقًا لمجلة «The Nation» هناك إصرار على قمع أى شخص يتمكن من إيصال صوته ويعلن دعمه للقضية الفلسطينية. على سبيل المثال، طُرد الكاتب الرياضى «جاكسون فرانك» المقيم فى فيلادلفيا من منصبه على موقع PhillyVoice.com بسبب تعبيره عن دعمه للفلسطينيين. فيما أعلنت جمعية أدبية ألمانية أنها لن تكرم رواية للكاتبة الفلسطينية «عدنيا شبلي» هذا العام فى معرض فرانكفورت للكتاب.

ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن كتاب «تفاصيل ثانوية» يحكى القصة الحقيقية لاغتصاب وقتل فتاة بدوية فلسطينية عام 1949 على يد الجنود الإسرائيليين. ويرى الإذاعى «نيما شيرازي» أن الحرية لا معنى لها عندما يتوقف حق الفرد فى التعبير عن أفكاره وآرائه؛ وهذا هو خوف الطغاة وهو الحق الذى يضربونه أولاً، إنهم يعرفون قوتها.»