نتنياهو يشعل الحرب الدينية في الشرق الأوسط| إسرائيل قامت على تأويلات متعسفة لابتلاع حق الفلسطينيين

المكسيكى: دانتى أغيليرا بينيتيز.. انستجرام
المكسيكى: دانتى أغيليرا بينيتيز.. انستجرام

■ كتب: حسن حافظ

◄ الصهيونية المسيحية تعتمد على نبوءات إشعياء لدعم اليهود تمهيدا لعودة المسيح

◄ اليمين المسيحي في أمريكا يدعم دولة إسرائيل استعدادا لمعركة هرمجدون وألفية المسيح

استند رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على ميراث دينى فى تبرير الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ليشعل بذلك حربا دينية ليست غريبة عليه ولا على الحركة الصهيونية، إذ ارتكزت على مدار تاريخها على الخلفيات الدينية وتأويل بعض النبوءات فى التوراة لخدمة مشروعها السياسى الاستعمارى فى المنطقة، بل إن الصهيونية المسيحية نفسها تعتمد فى دعمها لمشروع دولة إسرائيل على تأويل مثل هذه النبوءات لخدمة التصورات المسيحية حول نهاية البشرية، وكل ذلك على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق.

نتنياهو خرج مؤخرا وقال فى حديثه للإسرائيليين، إنهم يخوضون حربا باعتبارهم أبناء النور، فى مواجهة الفلسطينيين الذين وصفهم بأبناء الظلام، مؤكدا أنهم سيحققون نبوءة إشعياء، التى يفسرها بعض اليهود باعتبارها إشارة لقيام إسرائيل الكبرى بين النيل والفرات، بعد دمار مصر والعراق والشام، ورغم أن سياق النبوءة يشير لوقائع تاريخية قديمة، فإن استدعاء نتنياهو لها يكشف الخلفية الدينية التى يستند إليها قادة إسرائيليون فى حرب الكراهية التى يشنونها على الفلسطينيين والعرب عموما.

خطورة سفر إشعياء تكمن فى احتوائه على العديد من النبوءات مثله مثل سفر حزقيال التى تم تأويلها من قبل الحركة الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية، والأخطر أن فيه نبوءات يعتمد عليها الصهيونيون المسيحيون فى أمريكا لدعم مشروع جمع اليهود فى مكان واحد ودولة واحدة فى فلسطين لتحقيق شرط أساسى لتمهيد عودة المسيح، إذ تقول النبوءة: «ويرفع راية للأمم، ويجمع منفيى إسرائيل، ويضم مشتتى يهوذا من أربعة أطراف الأرض. فيزول حسد أفرايم، وينقرض المضايقون من يهوذا. أفرايم لا يحسد يهوذا، ويهوذا لا يضايق أفرايم. وينقضان على أكتاف الفلسطينيين غربا، وينهبون بنى المشرق معا. يكون على أدوم وموآب امتداد يدهما، وبنو عمون فى طاعتهما. ويبيد الرب لسان بحر مصر، ويهز يده على النهر بقوة ريحه، ويضربه إلى سبع سواق، ويجيز فيها بالأحذية. وتكون سكة لبقية شعبه التى بقيت من أشور، كما كان لإسرائيل يوم صعوده من أرض مصر».

◄ اقرأ أيضًا | «فايننشال تايمز»: نتنياهو يسعى لحشد أوروبي للضغط على مصر لقبول تهجير الفلسطينيين

اللافت أن نتنياهو سبق أن تحدث صراحة عن الخلفيات الدينية لأفكار الصهيونية المسيحية ودورها فى إقامة دولة إسرائيل توفير الدعم لها فى دوائر صنع القرار الأمريكية، إذ قال فى فبراير 1985، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وقت أن كان سفير إسرائيل لدى المنظمة الأممية: «إن كتابات المسيحيين الصهيونيين من الإنجليز والأمريكان أثرت بصورة مباشرة فى تفكير قادة تاريخيين… إن حلم اللقاء العظيم أضاء شعلة خيال هؤلاء الرجال، الذين لعبوا دورًا رئيسًا فى إرساء القواعد السياسية والدولية لإحياء الدولة اليهودية… لقد كان هناك شوق قديم فى تقاليدنا اليهودية للعودة إلى أرض إسرائيل، وهذا الحلم الذى يراودنا منذ ألفى عام، تفجر من خلال المسيحيين الصهيونيين».

في إشارة إلى اعتقاد بعض الجماعات المسيحية البروتستانتية استنادا لتأويل بعض نبوءات التوراة، بأنه لا بد من تجميع اليهود فى دولة فى مكان واحد من أجل عودة المسيح المنتظر كتمهيد لمعركة هرمجدون التى يهلك فيها كل من لا يؤمن بالمسيح، الذى يظهر فى سماء المعركة وينزل إلى الأرض ليملأها عدلا وسلاما لمدة ألف عام تقوم بعدها القيامة، لذا يرى أصحاب هذا التيار المسيحى أن تأييد دولة إسرائيل واجب ديني لتمهيد عودة المسيح، ومن هنا نفهم سر تأييد اليمين الأمريكى لدولة إسرائيل بشكل لا يقبل التنازل أو التفاهم، إذ يقوم الأمر على عقيدة دينية ترى فى الدولة اليهودية خطوة أساسية لاكتمال التاريخ المسيحي، بحسب ما وضع أسسه وتصوره القديس أوغسطين فى كتابه (مدينة الله)، ومن المهم هنا التذكير بأن الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية لا تعتنق هذا الفكر وترفضه، بحسب محمد السماك فى كتابه عن (الصهيونية المسيحية).

اللعب على حبل النبوءات لا يأتى على هوى نتنياهو دوما، إذ سبق أن خرج إيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، العام الماضي، وانتقد قيادة نتنياهو للبلاد، وأعلن مخاوفه من أن زوال إسرائيل بات قريبا، بسبب لعنة العقد الثامن، أى مع حلول الذكرى الثمانين لتأسيسها فى 2029، وذلك لأن تاريخ الدول اليهودية السابقة لم تعمر أكثر من 80 سنة، باستثناء دولة الملك داود ودولة السلالة الحشمونية، وفى النموذجين كانت بداية التحلل والتفكك فى العقد الثامن كذلك، وهى نبوءة تتناولها الأوساط الإسرائيلية ويتعامل معها بعض المفكرين اليهود بجدية كاملة، وهو ما تلقفه أبوعبيدة، الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة حماس، إذ خرج وقال فى أحد تصريحاته، إن «زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم، ليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم، ليقرأوا ذلك جيدا، ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر».

الاستدعاء الدينى الذى أغرق به الصهاينة المنطقة، وخروج قادتهم لتحويل الأمر لمواجهة دينية تحضر فيها النبوءات، دفع الكثير من المسلمين العرب للبحث فى التراث الإسلامى للبحث عن الإشارات المعنية فوجدوا الحديث النبوى الشهير المذكور فى صحيحى البخارى ومسلم، عن النبى (ص) قال: «يقاتل المسلمون اليهود، فينصرون عليهم، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبدالله، هذا يهودى تعال فاقتله»، وهى إشارة لحرب مستقبلية تقع بين المسلمين واليهود ينتصر فيها المسلمون بإذن الله.

لكن الإشارة الأكثر إثارة للاختلاف هى محاولة تفسير آيات الذكر الحكيم فى قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ‎*‏ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلناكم أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء: 4-7].

الآيات القرآنية تتحدث عن علو إسرائيلى فى الأرض، ليس مرة واحدة بل مرتين، ولأن معظم تفاسير القرآن خرجت للناس قبل ظهور دولة إسرائيل فقد حاولت هذه التفاسير أن تستدعى نماذج تاريخية قديمة سابقة على ظهور الإسلام باعتبار الآيات إخبار عن الماضي، لذا اقتصر التفسير على أن العلو الأول ربما يكون قد انتهى بغزو نبوخذ نصر البابلى لإسرائيل، أو حتى انتصار النبى محمد (ص) على يهود خيبر، لأن معظم المفسرين اعتقدوا باستحالة تحقق العلو الإسرائيلى فى زمنهم، بسبب تشرذم اليهود وهوانهم على الناس وقتها، لكن مع ظهور دولة إسرائيل وسيطرتها على الميديا العالمية ومراكز صنع القرار فى أكبر دولة فى العالم وهى الولايات المتحدة أعيد النظر فى تفسير تلك الآيات القرآنية، إذ أصبح النظر لها على أنها من الإعجاز الربانى بالإخبار بالمستقبليات.

تحمل آيات سورة الإسراء بشرى للمسلمين ونعيًا لنتنياهو والصهاينة، إذ تتحدث عن العلو الكبير الذى يعقبه الخسران المبين، فهنا نحن أمام نبوءة ربانية بخسارة اليهود أمام المسلمين، وكما نشاهد جميعا فقد وصلت دولة إسرائيل إلى العلو الكبير بعد أن سيطرت على الإعلام والرأى العام العالمى تزين له الباطل وتصرفه عن الحق، تقتل وترتكب المذابح فيصورها الإعلام الغربى حمامة سلام، وعندما يرد الفلسطينيون بعض العدوان يتم تصويرهم فى صورة شياطين وإرهابيين، هذا العلو الإسرائيلى إشارة لا تخطئها العين على قرب زوال الكيان الصهيوني، فإذا كان نتنياهو يستدعى النبوءات التوراتية لمحاولة شحذ همم مجرمى الحرب من حوله، فإن نبوءات القرآن والأحاديث النبوية ولعنة العقد الثامن اليهودية تتفق كلها على قرب زوال دولة إسرائيل، والبداية رمية حجر من طفل فلسطيني.

◄ مذابح غزة.. الهالوين على الطريقة الأمريكية

تحتفل العديد من دول العالم الغربى بعيد الهالوين على الطريقة الأمريكية، التى تتميز بالتنكر بأشكال وأقنعة مرعبة فى ليلة العيد الموافقة 31 أكتوبر من كل عام، وهو عيد له أصل دينى يرتبط بالاحتفال بجميع القديسين، لكن هذا العام قدمت لنا الولايات المتحدة نسخة أكثر بشاعة وقذارة ودموية من عيد الهالوين، إذ وقفت ودعمت وحمت الإسرائيليين فى جرائم الحرب التى ترتكب فى حق الشعب الفلسطيني، فجاءت مشاهد الهالوين الأمريكية هذه المرة من قلب غزة فى صور بشعة لقتلى من الأطفال والنساء العزل، وسط بيوت مدمرة وأحياء تحولت لأنقاض.

وإذا كان احتفال الهالوين الدينى فى الولايات المتحدة وعدة دول غربية متأثرة بها ثقافيا، مناسبة للبهجة، فإن واشنطن بسياساتها فى نصرة الباطل، حولت المناسبة إلى احتفالية دموية مقززة، إذ إن صور القتلى البشعة فى غزة قد ترضى زبانية الحرب فى الإدارة الأمريكية، الذين يعرقلون أى تحرك دولى فى مجلس الأمن لوقف المذبحة، لذا قد يكون من المناسب أن يرتدى الأطفال فى عيد الهالوين لهذا العام أقنعة مرسوم عليها صور للرئيس بايدن وأعضاء الإدارة الأمريكية، فهى فى الحقيقة أكثر إثارة للرعب من أى صورة لشيطان أو سفاح متخيل.