يوميات الأخبار

الآن.. الآن.. وليس غدًا

داود الفرحان
داود الفرحان

لقد تجدد الغضب الفلسطينى المشروع تجاه إسرائيل التى لا تكف عن العدوان على أصحاب الأرض

هذه ليست أول حرب فلسطينية مع الإسرائيليين المعتدين من الألف إلى الياء. وكلما فتح العرب شبابيك السلام خلال السنوات الأخيرة ازداد النظام الصهيونى اندفاعًا فى طرق مغلقة ليس فيها غير الموت والدماء والدمار والحجج الهزيلة لخلط الأوراق والجنسيات والمستوطنات.

لقد نفد صبر الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلى الجائر والعنصرى والدامي. وتزدحم السجون والمعتقلات الإسرائيلية بآلاف السجناء والمعتقلين الفلسطينيين من الرجال والنساء والصبيان بدون محاكمات لسنين طويلة.

وإذا كانت الولايات المتحدة تحتفظ بمعتقل واحد خارج حدودها فى كوبا، وهو «سجن غوانتانامو» فإن إسرائيل تحتفظ بمئات السجون والمعتقلات موزعة على كل خريطتها وتزج بها آلاف المجاهدين من الفلسطينيين المعتقلين بلا أى أمل بإطلاق سراحهم ويخضعون لتعذيب لا ينتهي.

ومع العدوان الإسرائيلى على فلسطين فى هذه الأيام تذكرنا أغنية فيروز الخالدة «الآن.. الآن.. وليس غدًا» التى كتبها ولحنها الأخوان رحباني، وغنتها فى معرض دمشق وتتحدث عن ضرورة عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة من قبل إسرائيل.

سيف فليشهر فى الدنيا.. وتصدع أبواق تصدع

الآن.. الآن.. وليس غدًا.. أجراس العودة فلتقرع

اتفاقية جنيف فى الحروب

أين اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب؟.. لقد داست تل أبيب بأقدامها على هذه الاتفاقية التى تحظر الأفعال التالية:
1. الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.

2. أخذ رهائن.

3. الاعتداء على الكرامة الشخصية.

4. إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة قانونية تكفل جميع الضمانات القضائية.

وتطبق هذه الاتفاقية بمجرد بدء أى نزاع أو احتلال. وفى كل الأحوال يجب توفير الحماية العامة للسكان من بعض عواقب الحرب. ومن أهم النقاط الأخرى أن يكون الجرحى والمرضى والعجزة موضع حماية واحترام خاصين.

الأبواب الدوارة

هل فشلت الأمم المتحدة فى حلّ النزاعات الدولية؟ وهل فشل الاتحاد الأوروبى فى حلّ المشكلات الأوروبية؟ وهل فشلت جامعة الدول العربية فى حلّ الأزمات العربية؟ وهل فشل الاتحاد الأفريقى فى حلّ الأزمات الأفريقية؟

وبلا ملل، هل فشل «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» فى مساعدة الناس، فى نحو 150 دولة عانت وتعانى من الكوارث الطبيعية والأوبئة والتهجير القسرى ونزوح اللاجئين فى الحروب الأهلية؟ من الصعب أن نجزم بأن هذه المنظمات «فشلت» فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فالعالم كله بقاراته ومحيطاته وجزره يشكو من معاناة ضحايا الحروب والنزاعات والكوارث.

لا يُخفى على المندوبين فى الأمم المتحدة أن عملية صنع القرار فى مجلس الأمن أو الجمعية العامة تعانى من شقاق بين القوى الكبرى، وتذهب سدى مطالب وقف إطلاق النار بشكل فورى وغير مشروط، فى أى أزمة أو حرب؛ رغم الرحلات المكوكية والدبلوماسية والمكالمات الهاتفية السريعة.

وتبدأ وسائل الإعلام فى انتقاد الأمين العام بأنه غير فعّال فى منظمة عقيمة، وهو انتقاد لا بد منه؛ لأن الدول الأعضاء غير متعاونة، ويبدو مبنى الأمم المتحدة المكون من 39 طابقًا فى نيويورك كأنه برج بابل الذى يُسند إلى سلالة النبى نوح، فى بلاد ما بين النهرين، أى العراق، وقد بناه الملك البابلى الشهير نبوخذ نُصّر. لقد تجدد الغضب الفلسطينى المشروع تجاه إسرائيل التى لا تكف عن العدوان على أصحاب الأرض. ولا يُخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية هى «حزام الظهر» لإسرائيل، فى كل عدوان على الفلسطينيين.

يقول مصطفى البرغوثي، رئيس حزب «المبادرة الوطنية» الفلسطيني: إن الفلسطينيين أصبحوا يائسين من الوضع السياسي، بسبب «أننا كنا منذ عام 1967 تحت الاحتلال العسكرى الإسرائيلى لمدة 56 عامًا، ولم يقم المجتمع الدولى بأى خطوة لإنهاء هذا الاحتلال، أو بما يسمى حل الدولتين الذى ترفضه تل أبيب، وتَراجع عنه كما يبدو البيت الأبيض الأمريكي، ولم تتبناه الأمم المتحدة».

وبذلك نعود إلى بداية الدوامة: هل فعلا فشلت الأمم المتحدة فى حلّ القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلى الإرهابى بالغ القسوة والوحشية؟ وهل فشلت جامعة الدول العربية فى وضع حدّ لمسلسل الاجتياح الإسرائيلى شهرًا بعد آخر؟ وقد يكون هذا المطلب أكبر من إمكانات الجامعة العربية؛ لأن المأزق سياسى وعسكرى شبه معقد.

مع ذلك يجب ألا تُترك السلطة الفلسطينية وحيدة فى الميدان، فهى بحاجة ماسّة إلى إسناد عربى مادى ومعنوى ودولى لإعادة الإعمار، وإطلاق سراح المعتقلين، ومنع الجيش الإسرائيلى وميليشيات المستوطنين من شن أى غارات على المخيمات الفلسطينية المدنية؛ سواء فى الضفة الغربية أو غزة.

القضية الفلسطينية ليست الحرب السودانية، ولا الحرب اليمنية، ولا الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا احتلال جزيرة القرم، ولا الحرب السورية التى انتهت والحمد لله. القضية الفلسطينية أكثر أهمية من المفاعلات النووية الإيرانية، أو انتخاب رئيس لبنانى يُرضى معظم الأطراف.

لاتتركوا الإسرائيليين المستوطنين المسلحين ينفردون بالمدنيين الفلسطينيين العزل، من دون تمييز بين رجل وامرأة وشيخ وطفل.. قالت خبيرتان أمميتان مستقلتان إن «الضربات الجوية والعمليات البرية التى نفذتها القوات الإسرائيلية فى مخيم جنين، يمكن أن تصل إلى جرائم حرب».

وفسّرها ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية لعام 1945 التى حاكمت مجرمى النازية الألمانية، بأنها الانتهاكات لقوانين الحرب أو القانون الدولي، بما فى ذلك قتل مدنيين أو قتل أسرى حرب فى أرض محتلة، أو إساءة معاملتهم، أو قتل رهائن، أو سلب ملكية خاصة، أو التدمير غير الضرورى عسكريًا.
لقد فعلت إسرائيل ذلك كله على أى حال من دون مساءلة ولا إدانة ولا محاكمة ولا خشية من أحد، إلى درجة الاستهتار بكل القيم والمقاييس الإنسانية. وهى تفعلها باستمرار داخل فلسطين المحتلة أو خارجها.

ومثلما دخلت القوات العسكرية الغازية إلى مخيم جنين خرجت بعد تدميره برًا وجوًا، مع «تلويح» بالعودة. إنها «الباب الدوّارة» فى غياب الأمم المتحدة والدول العربية والمنظمات الإنسانية. لقد بلغ التحدى الإسرائيلى حدّ الإعلان مقدمًا عن العودة إلى المخيم فى أى وقت من دون أى رادع دولى لمنع تكرار جرائم الحرب.

حين يقاتل الممثل مع شعبه

كان الفنان الراحل الكبير محمود مرسى يعمل فى إذاعة «بى. بى. سى» فى عام 1956 حين وقع العدوان الثلاثى على مصر، فخرج على الهواء مباشرة قائلا:

«إن هذه هى آخر حلقة أقدمها فى هذه الإذاعة حيث إنه لا يمكننى أن أعمل أو أقيم فى دولة تشن حاليًا عدوانًا على بلادى وتلقى بقنابلها على أهلى فى مصر. ولتلك الأسباب أقدم استقالتى على الهواء وسوف أعود إلى بلادى أقاتل بجانب أهلي.. أعيش معهم أو أموت معهم». وقد انتقل من الإذاعة إلى التليفزيون فمثل زينب والعرش، وعصفور النار، وبين القصرين، ورحلة السيد أبو العلا البشري. كما مثل بطولة مسلسل «المحروسة» فى عام 1985.

محلل إسرائيلي: علينا أن نخجل

قال محلل تليفزيونى على القناة 13 الإسرائيلية: «حتى لو أبدنا غزة عن بكرة أبيها فنحن خاسرون فى هذه المعركة منذ اللحظة الأولى. مجموعة فتية فى غزة يوقعون بنا خسائر مالية وقتلى ومصابين بالآلاف. يفرضون حظر التجول ويغلقون المطارات. يخطفون الأسرى بكل سهولة وكأنهم فى رحلة. أين الأسلحة الأمريكية والتكنولوجيا المتطورة؟ هؤلاء عار على الجيش الإسرائيلي. منذ إنشاء إسرائيل الى اليوم لم نحظ بهزيمة كهذه: الصواريخ تزداد وكذلك أعداد جيشنا.

وتساءل المحلل الإسرائيلي: أين فرقة غزة وجنود النخبة الإسرائيلية؟ كيف هبط المقاتلون العرب بالمظلات من دون أن يكتشفهم أحد؟ كيف اخترقوا المنظومة الأمنية وقرصنوا الشيفرات؟ علينا أن نخجل من أنفسنا لأن قتل المدنيين العرب لن يصنع نصرًا. نحن مهزومون حتى لو حالفتنا كل دول العالم».
إسرائيل تريد فلسطين دولة على الورق

مختصر مفيد: إسرائيل تريد دولة «كارتونية» اسمها فلسطين على الورق فقط، لها علم مثل أى نادٍ رياضي، بلا جيش ولا سلاح ولا عُملة نقدية ولا سيادة ولا حتى مطار دولي. «دولة» كأنها مركبة فضائية فى أفلام حرب النجوم لها موقع ولكن بدون خريطة! وعليك أن تبحث عنها عبر الموجات الصوتية أو أشعة إكس! شيء من دول المستقبل الخرافية أو أساطير الماضى المحكية.

لا تصدقوا أن استعراض العضلات الأمريكية توقف بانتهاء ولايات جورج بوش الأب والابن وباراك أوباما وترامب، أو حتى بعد ولاية جو بايدن. نحن أمام استعراض لا يتوقف تارة ضد عراق صدام حسين، وتارة ضد ليبيا القذافي، وتارة ضد كوريا ليم جونغ أون، وتارة ضد أفغانستان. وهى «استعراضات قوة» ولم تكن أبدًا استعراضات مبادئ. إنه التطور الطبيعى للاستعمار بشكله الإمبريالى العتيق الباحث عن النفط ومناجم الذهب وطريق الحرير.

إنها حرب بربرية

يقول العرب «الحرب تضع أوزارها»، أى تنزع أسلحتها الثقيلة. لكن العدوان الصهيونى على فلسطين وأهلها يضاعف أوزاره، فهو يستخدم كل الأسلحة المحرمة والقاتلة التى تزوده بها الولايات المتحدة الأمريكية. بل إن الرئيس الأمريكى جو بايدن قيل إنه زار غرفة العمليات الإسرائيلية فى عز العدوان البربرى الإسرائيلى على المستشفيات والمدارس والمخيمات والملاجئ والعمارات، وهو لا يفرق بين الرجال والنساء والأطفال، وحتى الأطفال الرضع. إنها حرب بربرية تشنها تل أبيب بهدف إخراج الفلسطينيين من وطنهم التاريخى وسط صمت العالم المقبور.