خيارات الحرب بين سفك الدماء والدمار والمآسى الإنسانية

غزة تشهد قصفًا إسرائيليًا «غير مسبوق» بحرًا وجوًا وبرًا
غزة تشهد قصفًا إسرائيليًا «غير مسبوق» بحرًا وجوًا وبرًا

أعد الملف آمـال المغـربى  مروى حسن حسين  سميحة شتا

دفع العنف المتصاعد غير المسبوق بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى تساؤل العديد من الخبراء الجيوسياسيين عن موعد انتهاء الصراع، وما الضرر الذى سيحدث فى هذه الأثناء؟ وفى النهاية، ما إذا كان يمكن تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟
 رغم أن عدد من لقوا حتفهم من الإسرائيليين لا يتناسب اطلاقا مع آلاف الجرحى والشهداء من الفلسطينيين الذين قتلوا واصيبوا بآلة الحرب الإسرائيلية، فمن المتوقع أن يرتفع عدد القتلى بشكل كبير مع استهداف إسرائيل لقطاع غزة المكتظ بالسكان. ورغم بعض دعوات السلام، يبدو وقف إطلاق النار شبه مستحيل، حيث من المرجح أن يدخل الصراع مرحلة ساخنة. وتتوقع مجلة تايم الامريكية أربعة سيناريوهات لهذه الحرب:


السيناريو الأول، هو فى حال شنت إسرائيل هجوما بريا واسع النطاق، من شأنه أن يلحق خسائر متعددة لكلا الجانبين وربما تفشل فى نهاية المطاف. حيث سيواجه الجيش الإسرائيلى نوعا من حرب المدن لم يشهده منذ تسع سنوات منذ الغزو البرى الأخير فى عام 2014، والذى امتد 50 يوما وخلف 72 إسرائيليا و2.251 قتيلا فلسطينيا. هذه المرة، قد يؤدى وجود ما يقرب من 220 رهينة إلى تعقيد الأمور أكثر.  إن التكلفة البشرية لمحاولة إسرائيل القضاء على حماس - بالنظر إلى تصميم الفلسطينيين على عدم مغادرة غزة - تثير قلقا بالغا للمنظمات الإنسانية والمراقبين مثل ميكلبرج من تشاتام هاوس.


وقال ميكلبرج: «لقد قتلت اسرائيل الاف المدنيين بالفعل على الجانب الفلسطيني، وإذا كانت تستخدم هذا القدر من القوة، وإذا كانت هناك حملة برية، فسيكون هناك المزيد».
يكمن السيناريو الثانى فى اتساع رقعة الحرب وفتح جبهات أخرى خصوصاً شمال إسرائيل، لا سيما أن حماس دعت إلى دعم جهودها ضد إسرائيل. إحدى النتائج المحتملة للحرب الحالية التى يصعب التنبؤ بها هى ما إذا كان جيران إسرائيل، وكثير منهم معادون لدولة الاحتلال بشكل كامن أو علني، سيتورطون. فحماس لديها حلفاء فى سوريا ولبنان، وإيران هى الممول لها بحكم الأمر الواقع. وأطلقت القوات الإسرائيلية بالفعل صواريخ على جنوب لبنان مستهدفة مواقع قالت إنها تابعة لجماعة حزب الله المسلحة الموالية لإيران. وفى سوريا، على الحدود الشمالية لإسرائيل، هى أيضا كيان لا يمكن التنبؤ به، على الرغم من أن هناك آمالا فى أن روسيا يمكن أن تراقبها إلى حد كبير، والتى تربطها بإسرائيل علاقات دافئة. لكن توسيع الحرب إلى إيران سيشكل مخاطر هائلة، ليس فقط فى شكل انتقام إيرانى ضد إسرائيل، ولكن أيضا فى الهجمات ضد شحن النفط فى الخليج والتصعيد المحتمل عبر العراق واليمن والجبهات الأخرى التى يسيطر فيها حلفاء إيران وحتى اليوم، يشير التدفق المستمر للتسريبات من المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين الذين يقللون من دور إيران إلى وجود مصلحة فى تجنب التصعيد. ولكن على الرغم من تلك الجهود، فإن ديناميات الحرب التى طال أمدها لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق. 


الخيار الثالث أمام إسرائيل هو إجراء مفاوضات عاجلة بشأن اتفاق لتبادل الأسرى، حيث تطالب حماس بثمن «فلكي» يتمثل بإطلاق سراح الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين من السجون الإسرائيلية، وبالتالى تحقيق دفعة معنوية هائلة أخرى.


اما الخيار الأخير فهو القضاء على حماس ومغادرة غزة: وفى هذا السيناريو، ستسعى إسرائيل إلى تدمير «حماس» ولكنها ستمتنع عن التورط فى الأعمال الفوضوية المتمثلة فى حكم غزة. فى هذا الوضع، يمكن أن يتحول القطاع بسهولة إلى مزيد من الفوضى والصراع العنيف حيث تتنافس مجموعات مختلفة لملء فراغ السلطة الناجم عن غياب حماس. ولكن هناك شكوكا كبيرة حول ما إذا كانت إسرائيل ستكون قادرة حتى على تدمير حماس التى تزعم أنها بنت أكثر من 300 ميل من الأنفاق تحت الأرض، وأن حرب المدن فى القطاع المكتظ بالسكان ستشكل تحديات عسكرية كبرى.


حماس هى أيضا أكثر شعبية من أى وقت مضى، وحتى لو دمرت إسرائيل عسكريا الكثير من البنية التحتية لـ «حماس»، فمن المرجح أن تستمر أيديولوجية الحركة. ففى أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية، اكتسبت حماس دعما شعبيا فى كل من غزة والضفة الغربية.


أيدت واشنطن وعدد من الدول الغربية الخطط الإسرائيلية بشكل كامل، ولا سيما الامتناع عن الحث على ضبط النفس. فى بيئة سياسية محمومة، كانت أعلى الأصوات فى الولايات المتحدة هى تلك التى تحث على اتخاذ تدابير متطرفة ضد حماس. كما دعا بعض المعلقين للقيام بعمل عسكرى ضد ايران.


مجلة فورين افيرز ترى ان هذا هو الوقت الذى يجب أن تكون فيه واشنطن أكثر هدوءا وأن تنقذ إسرائيل من نفسها. لان الغزو الوشيك لغزة سيكون كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية؛ فهو لن يضر بأمن إسرائيل على المدى الطويل ويكبد الفلسطينيين تكاليف بشرية لا يمكن فهمها فحسب، بل سيهدد أيضا المصالح الأمريكية الأساسية فى الشرق الأوسط وأوكرانيا وفى منافسة واشنطن مع الصين على نظام المحيطين الهندى والهادئ. وحدها إدارة بايدن التى يمكنها منع إسرائيل من ارتكاب خطأ كارثي. ويجب أن تصر على ألا تنطوى المعركة مع حماس على المزيد من تشريد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء وقتلهم الجماعي.


يرى البعض ان كل الرهانات ستتوقف إذا تورطت الولايات المتحدة فى الصراع بين إسرائيل وحماس، ويقول محللون جيوسياسيون إن أحد أكبر العوائق أمام السلام هو عدم الاهتمام الدولى السابق بمثل هذه النتيجة قبل اندلاع الحرب.