قَالَتْ لِيَ الأُنْثَى: أَنَا النُّونُ الَّتِي
رَقْرَقْتُ نُورَ اللهِ فِي الزَّمَنِ الشَّقِي
شَمْسَانِ فِي كَفِّي بِنَكْهَةِ سَوْسَنٍ
قَمَرَانِ فِي صَدْرِي بِطَعْمِ الفُسْتُقِ
مِنْ أَلْفِ عَامٍ خَمْرَتِي فِي عِتْقِهَا
وَبِمِثْلِهَا رُوحُ السَّمَا لَمْ تُرْزَقِ
تَتَوَالَدُ الحَانَاتُ فَوْقَ ضِفَافِهَا
البَيْضَا يَقُولُ لَهَا الدَّلَالُ تَمَوْسَقِي
جَسَدِي ارْتَوَى طِيبًا وَشَفَّ كَلُؤْلُؤٍ
هَيَّأْتُهُ لَكَ حَانَةً لَمْ تُطْرَقِ
هَاتَانِ مَائِدَتَانِ مِنْ كَرْمِ الضُّحَى
وَلَهَانِ مَا ارْتَفَقَا بِحَلْمَةِ دَوْرَقِي
وَمُفَتَّحٌ وَرْدِي كَمُوسِيقَا
فَأَنَّى شِئْتَ فَامْدُدْ نَارَ رُوحِكَ وَانْتَقِ
كَمْ أَسْتَحِمُّ بِبَحْرِ طِيبٍ رَائِقٍ
فَأُحِسُّ شَهْقَتَهُ تُزَلْزِلُ زَوْرَقِي
فَتَّقْتُ فِي حَجَرِ المَدَى حَانِي فَيَا
لَلْحَانِ مِنْ وَرْدٍ هُنَاكَ مُفَتَّقِ
الأَبْجَدِيَّةُ فِي العَمَى الحَجَرِيِّ كَانَتْ
جَاءَ نَهْدِيَ فَتَّحَ اللَّوْزُ النَّقِي
"شُكْراً لِجِسْمِكِ يَا مَرَاعِي النُّورِ":
دَنْدَنَةٌ بِبَالِ النَّهْرِ عِنْدَ المَشْرِقِ
فِي نَحْتِ أَغْصَانِي أَزَامِيلُ الشَّذَى
مَبْهُوتَةً فِي مُنْتَهَى إِسْتَبْرَقِي
مَنْذُورَةٌ نَارِي لِأَجْنِحَةِ السَّمَا
فَتَعَالَ مِنْ أَزَلِ الحَنِينِ وَطَوِّقِ
لَا أَسْتَرِيحُ وَلَا أُرِيحُ.. الوَجْدُ فِي
شُغُلٍ طَوِيلٍ مِنْ قَمِيصِي الأَزْرَقِ
حَتَّى أَنَا مَفْتُونَةٌ بِي شَهْقَةً
مِنْ شَهْوَةِ الغَابَاتِ لَمْ تَتَمَنْطَقِ
اسْمِي تُمَجِّدُهُ اللَّيَالِي وَالرُّؤَى
وَبِه المَرَاعِي فِي اخْضِرَارٍ مُونِقِ
وَإِذَا كَفِرْدَوْسٍ عَبَرْتُ المُنْتَهَى
نُودِيتُ يَا شَمْسَ الكَمَالِ تَأَلَّقِي
تَرْنُو لِيَ الشُّطْآنُ مُرْهَقَةَ المُنَى
فَأُرِيقُ رُوحِيَ لِلْجَمَالِ المُرْهَقِ
هَذَا أَنَا مَدَدُ الصَّبَايَا الخُضْرِ فِي
شَجَرِ الوِلَايَةِ يَرْتَقِينَ وَأَرْتَقِي
هَذَا أَنَا وَقْتٌ لِرَفْرَفَةِ الحَمَامِ
عَلَى المَدَى.. وَقْتٌ لِخَلْقِكَ فَاشْهَقِ
هَذَا أَنَا لَا صُبْحَ إِلَّا فِي يَدِي
فَصَبَاحُ خَيْرِيَ لِلْوُجُودِ المَأْزِقِ
هَذَا أَنَا! وَأَنَا انْهِيَارٌ قَاصِفٌ
إِنْ غِبْتَ عَنْ عَيْنِي فَضَجَّ تَمَزُّقِي
لَا لَيْلَ لِي لَا بَحْرَ لِي لَا نَجْمَ لِي
وَأَدُورُ فَارِغَةَ الخَيَالِ كَأَحْمَقِ
خُذْنِي لِصَدْرِكَ آهَةً سُلْطَانَةً
فِي أَسْرِ مُوسِيقَى البَرَاحِ الضَّيِّقِ
مَا هَكَذَا مِنْ قَبْلُ كُنْتُ فَمَا جَرَى
لِيَ؟ ضُمَّنِي كَيْ أَسْتَعِيدَ تَفَوُّقِي
وَتَعُودَ سِيرَةُ كِبْرِيَائِيَ نُزْهَةً
فَوْقَ الخَيَالِ الحُرِّ فَوْقَ المَنْطِقِ
فَضَمَمْتـُهَا فَتَوَلَّهَتْ وَتَدَلَّهَتْ
وَتَأَلَّهَتْ أُسْطُورَةً مِنْ زَنبَقِ
وَشَكَى الدَّلَالُ إِلَيَّ فَيْضَ شُمُوسِهِ
فَصَلَبْتُنِي فِي جِذْعِه المُتَأَلِّقِ
ضَوْءَانِ مُمْتزِجَانِ طِيباً نَاعِماً
مَاءَانِ فِي أَلَمٍ لَذِيذٍ رَيِّقِ
"رِزْقُ الغَرَامِ أَنَا" يِقُولُ حَنَانُهَا
فَأَقُولُ: أَشْهَدُ! يَا شَهِيَّةُ فَارْزُقِي
وَتَقُولُ ثَغْرِيَ خَاتَمُ التَّوْثِيقِ فِي
حُبِّي فَقُلْتُ لَهَا: فَدَيْتُكِ وَثِّقِي
اللهُ وَفَّقَ رُوحِيَ الوَلْهَى
لِتَتْبَعَهَا سَرِيراً حَائِراً كَالزِّئْبَقِ
زَمَنٌ؟ نَسِينَا فِكْرَةَ الزَّمَنِ!
انْشَبَكْنَا فِي اسْتِعَارَاتِ الصُّعُودِ الأَعْمَقِ
وَطَنٌ؟ خَلَعْنَا خَاتَمَ الوَطَنِ!
افْتَتَحْنَا عَصْرَ حُبٍّ لَا يَمُوتُ مُوَفَّقِ
لَيْلَى زَمَانٌ آخَرٌ وَوِشَاحُهَا
عِنَبٌ يُعَرْبِدُ فِي سَماً لَمْ تُخْلَقِ
لَيْلَى تَقُولُ مَنَابِتُ الأَنْهَارِ
عَنْهَا: كَهْفُنَا فِي سِرِّهِ المُتَدَفِّقِ
لَيْلَى نَبِيذٌ طَيِّبٌ
تَتَصَوَّفُ الدُّنْيَا بِهِ! تَنْدَاحُ فِي نُورٍ نَقِي
لَيْلَى هُتَافُ الكَهْرَمَانِ الرَّغْدِ: بِي
مَاءً نَبِيًّا كُلُّ مِعْرَاجٍ سُقِي
لَيْلَى عَزَاءُ اللهِ لِلْعُشَّاقِ
صَرْعَى فِي النَّوَى! صَوْتٌ هُنَاكَ: سَنَلْتَقِي!
لَيْلَى لَهَا أَنْ كَيْفَ شَاءَ هَدِيرُهَا
يَقْضِي وَلِي أَنْ لَا أَقُولَ تَرَفَّقِي
وَتَذَوَّقَتْ نِيرَانُهَا جَبَلَ الهَوَى
فَالآنَ دَوْرُكَ يَا شَهِيدُ تَذَوَّقِ
يَا هَاصِرَ البُسْتَانِ فِي وَهَجِ الرُّؤَى