صراع قديم متجدد.. محطات العداء في كلاسيكو الأرض بدأت سياسية وانتهت رياضية

برشلونة وريال مدريد
برشلونة وريال مدريد

كلاسيكو الأرض بين الغريمين التقليديين في الدوري الإسباني برشلونة وريال مدريد، هو أشهر منافسة بين فريقي كرة قدم في دوري واحد حول العالم، ويحظى بمتابعة كبيرة من عشاق الساحرة المستديرة.
ويترقب جماهير الكرة حول العالم أي مباراة تجمع أبناء إقليم كتالونيا مع الفريق الملكي، لأنهم سيكونون على موعد مع المتعة والإثارة التي تتوكأ على تاريخ من الصراع وصل إلى حد العداء وخرج عن الروح الرياضية في غير مرة، لذا فإن أهمية هذه المباراة لا تأتي من أمور فنية ورياضية فحسب، ولكن هناك بُعد سياسي يمتد إلى مئات السنين.
الصراع بين عملاقي الكرة الإسبانية بل والأوروبية، قديم «متجدد»، وربما بدأ قبل نشأة الناديين بعشرات السنين، إذ يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي، حيث بدأ سياسيًا عندما قرر الملك فيليب الخامس احتلال أرض كتالونيا في وضمها إلى إسبانيا في عام 1714.

عداء سياسي وشعبي

 


ومن ذلك التاريخ، وهناك عداء شعبي بين أهل إقليم كتالونيا -الذي كان ينعم بالاستقلال-، والإسبان، وانعكس ذلك على العلاقة الرياضية بين برشلونة وريال مدريد، وهناك أسباب أخرى عززت هذه الخلاف على مر التاريخ كما نستعرضها في السطور التالية.
بلا شك الصراع المستمر بين أقليم كتالونيا ودولة إسبانيا للانفصال عن الدولة الإسبانية هى أعمق الصراعات بين الريال وبرشلونة، حيث كان الإقليم في يوم الأيام دولة مستقلة بذاتها لها ثقافتها ولغتها حتى تم ضمها إلى الدولة الإسبانية.
 وفي عام 1936، انقلب فيه الجنرال فرانكو على المملكة الإسبانية، وهنا راود أهالي إقليم كتالونيا حلم الانفصال نظرًا لما يميزهم من خصائص وهوية، خاصة في ظل ما ارتكبه فرانكو حيال الإقليم من ظلم واضطهاد، كما وجه برشلونة لمنافسه اتهاما بأنه كان مقربا من هذا الديكتاتور الذى حكم قبضته الحديدية على إسبانيا من 1939 حتى 1975.
الجنرال فرانكو كان له دور بارز في تهميش أهالي إقليم كتالونيا وجعل مدريد هي سيدة كل شيء في إسبانيا، حتى أن يده طالت نادي برشلونة نفسه بعدما منع النادي الكتالوني من توقيع أية صفقات من خارج كتالونيا وأغلق عليه كليًا وجرده من نجومه!

مباراة مجنونة تزرع الخلاف

 


كان الفريقان يتنافسان في نصف نهائي كأس إسبانيا، خلال عام 1916، وكان العلاقات بينهما طبيعية غير متوترة -رياضيًا- بعيدًا عن الخلفية السياسية التي تم التطرق لها في السطور السابقة، والتي ولدت حالة من عدم الثقة بين الفريقين ولكن المنافسة تتسم بالروح الرياضية.


وفي ذلك الوقت، كانت الكأس بنظام الذهاب والإياب بين بطل كل إقليم، وتقابلا البارسا والريال حينها في 26 مارس 1916، في المباراة الأولى على ملعب إسبانيول، وكان الفوز حليف أبناء إقليم كتالونيا بهدفين لهدف واحد من نصيب الملكي.


وفي الثاني من الشهر التالي، التقى الناديين في مباراة الإياب، على ملعب نادي العاصمة أتلتيكو مدريد، وأطلق الحكم صافرة نهايتها والريال متقدم  برباعية لهدف واحد لصالح برشلونة، وتم احتساب ركلة جزاء للفريق الفائز سجلها سانتياجو برنابيو.


وبالنظام المعمول به حاليًا، فإن الكفة راجحة لصالح ريال مدريد والفوز من نصيبه، ولكن الوضع حينها كان مختلف، ولا يتم احتساب مجموع الأهداف، وإنما من يحسم نتيجة الذهاب والعودة لصالحه يتأهل للمباراة النهائية.
اتجه الريال ومعه برشلونة للعب مباراة فاصلة لتمنح أي الفريقين بطاقة التأهل لنهائي الكأس، وكانت في 13 أبريل، وتولى إدارتها الحكم الذي أدار مباراة الإياب، وهو خوسيه أنخل بيراوندو، الذي كان لاعبًا في صفوف الفريقين، إلا أنه لعب أكثر لصالح الملكي.


المباراة بين برشلونة وريال مدريد كانت في قمة المتعة والإثارة الكروية، وانتهت بالتعادل الإيجابي حيث سجل كل فريق 4 أهداف، وبعد الوقت الإضافي سجل كل منهما هدفين ليحسمها التعادل بـ 6 أهداف لمثلهما، وحينها شهد اللقاء احتساب ثلاثة ركلات جزاء للريال نجح في إحراز هدف واحد وأهدر لاعبوه ركلتين، في مباراة وصفت وقتئذ بالمجنونة.
عاد القطبان واتفقا من جديد على لعب مباراة فاصلة، وتم تحديد الخامس عشر من الشهر ذاته، وتولى إدارتها خوسيه أنخل بيراوندو، وتقدم أبناء كتالونيا بنتيجة «2-1» ولكن الحكم احتسب ركلة جزاء لصالح الفريق الملكي سجلها «برنابيو»، ويحرز التعادل الأمر الذي تسبب في غضب لاعبي برشلونة.
وجاء الوقت الإضافي للمبارة، وسجل لاعب الريال ألوخيو أرانجورين هدف التقدم، وهنا احتدمت شدة المنافسة ولم يرضخ لاعبو البارسا وحاولوا وقاتلوا من أجل الفوز، ولكن أرانجورين عزز تقدم الريال بالهدف الرابع، المشكوك في صحته بداعي التسلل، ما دفع لاعبي برشلونة إلى الاعتراض والصراخ ولكن دون جدى لأن الحكم استخدم سلطاته واعتمد الهدف، ليقابله الفريق المهزوم بالانسحاب.
ويمكن القول إنها كانت من أهم محطات الخلاف الذي تحول إلى عداوة، بين الزعيمين، وتبادل الاتهامات بين المجاملة واحتساب ركلات الجزاء دون وجه حق، وعدم إلغاء الهدف رغم التسلل الواضح، هذا من ناحية، ومن الجهة المقابلة كانت الاتهامات تتعالى من الملكي إللا غريمه بـ انعدام الروح الرياضية وعدم تقبل الهزيمة.
وفي ختام هذه المنافسة الغريبة، خسر ريال مدريد مباراة نهائي الكأس التي وصل لها بأعجوبة، لأنه بالصدفة كان يتم لعبها في مدينة برشلونة، وأمطر أثلتيك شباك نادي العاصمة بأربعة أهداف وتوج باللقب.
وخرج أبناء العاصمة من الملعب في حماية قوات الحرس المدني، وبعض لاعبي الفريق المتوج، أمام غضب الجماهير التي لم تتوان عن إلقاء الحجارة على حافلة الفريق أثناء عودتها للفندق.


خيانة ألفريدو دى ستيفانو

 

بينما هناك من راح إلى أن أسباب الحقد والكراهية بين العملاقين، تعمقت في 1953 بسبب اللاعب الأرجنتينى الشهير ألفريدو دى ستيفانو المسمى على اسمه ملعب الريال الحالى.
 كان الفريق الكتالوني يرغب في التعاقد معه، ولكن الريال عمل مفاجأة وانقلب على طموحات منافسه وخطف اللاعب من بين أنياب برشلونة وضمه إلى صفوفه، وساعد اللاعب النادي الملكي على الفوز بخمس مرات بكأس أبطال أوروبا بين 1955 و1960.


 لويس فيجو على خط الأزمة

 


هذه الصراعات استمرت عبر عقود طويلة وتكرر الحدث فى سنة 2000 عندما انضم البرتغالى لويس فيجو إلى النادى الملكى قادما من برشلونة، وهو ما اعتبره البارسا كنوع من الخيانة.
البداية عندما كان فلورنتينو بيريز يجهز حملته الانتخابية من أجل الترشح لرئاسة نادي ريال مدريد، وكانت أحد وعود بيريز التي جعلت جماهير الملكي تتمنى فوزه هي الحصول على خدمات نجم المنافس التقليدي، البرتغالي لويس فيجو لاعب برشلونة، ونفذ وعده للجماهير، وانضم فيجو إلى صفوف الملكي في صفقة قياسية بلغت قيمتها 60 مليون يورو، وهي قيمة الشرط الجزائي في عقد النجم البرتغالي.


هذه الصفقة أثارت غضب جمهور برشلونة بشدة، وبعد الصفقة بقرابة شهرين، كان لويس فيجو على موعد مع أحد أسوأ لياليه داخل المستطيل الأخضر، حيث كان يتأهب للمشاركة في "كلاسيكو الأرض" على ملعب "الكامب نو".

لم تتوقف هتافات برشلونة ضد فيغو قبل وخلال المباراة، واصفين إياه بـ"الخائن"، مع إلقاء الزجاجات على أرض الملعب كلما أتيحت لهم الفرصة لفعل ذلك، إلا أن التصرف الأشد قسوة كان بإلقاء "رأس خنزير" تجاه فيجو داخل أرض الملعب.
هذه الواقعة هي إحدى أغرب وقائع "كلاسيكو الأرض" عبر تاريخه، وكانت سببًا في تأجيج الصراع بين الفريقين، الذي كان مشتعلًا بالفعل.
معاقبة الجماهير
في عام 1943، التقى برشلونة وريال مدريد في نصف نهائي بطولة كأس ملك إسبانيا، في ذلك الوقت لٌعبت مباراة الذهاب في كتالونيا وانتصر فيها برشلونة بنتيجة 3-0. قبل أن ينقلب كل شيء تمامًا في مباراة الإياب الذي حسمها ريال مدريد بنتيجة 11-1.

لكن الأحداث التي طالت تلك المباراة كانت الأبرز على الإطلاق، تقول إحدى الروايات أن الجنرال فرانكو منع سفر مشجعي برشلونة من السفر إلى مدريد لمؤازرة فريقها، وقال فيما بعد أن جماهير برشلونة ظلت تطلق صافرات استهجان طوال مباراة الذهاب اعتبرها الجميع أنها استهجان من ممثلي إسبانيا “ريال مدريد” لذا قرر معاقبة تلك الجماهير بعد الحضور في الإياب.

نهائي الزجاجات الشهير

 


في واحدة من أشهر مباريات الكلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، هو ما حدث في نهائي كأس ملك إسبانيا عام 1968، في تلك المباراة عُين الحكم “أنطونيو ريخو” لإدارة اللقاء، ما ساهم في زيادة حدة الاحتقان من جانب جماهير الميرينجي قبل المباراة بالأصل.

ترى جماهير ريال مدريد أن هذا الحكم يدعم برشلونة بشكل أو بأخر، حتى أن أغلب جماهير ريال مدريد، نشرت اشاعة بأن “أنطونيو ريخو” يشجع نادي برشلونة بالأساس، برغم أن الحكم خرج في مناسبات عدة لينفي تلك الشبهة.

أما عن مباراة نهائي كأس إسبانيا تلك التي أدارها “أنطونيو ريخو”، فقد شهدت فوز برشلونة بهدف عكسي على ملعب سانتياجو برنابيو، وفي الدقائق الأخيرة، عبرت جماهير الميرينجي عن غضبها الشديد من المباراة والتحكيم من خلال إلقاء الزجاجات الفارغة على لاعبي برشلونة وطاقم الحكام أثناء تسلم الميداليات والتتويج بالكأس! وبسبب كثرة الزجاجات الملقاه داخل الملعب، أطلق على هذه المباراة “نهائي الزجاجات”.

خوسيه نيجريرا يجدد الخلافات

 

في فبراير 2023، وبعدما كانت العلاقة بين رئيسي ريال مدريد وبرشلونة تنعم بسلام تام، خرجت أنباء تورط نادي برشلونة بقضية فساد ورشوى حكم إسباني شهير يُدعى نيجريرا خلال فترة ولاية بارتوميو.

نادي ريال مدريد أصدر بيان بعد اجتماع طارئ، أكد خلاله أنه سيقوم بالحفاظ على حقه الشرعي من خلال تقديم شكوى ضد برشلونة في تلك القضية. الأمر الذي أعاد التوتر بين فلورنتينو بيريز رئيس الميرينجي وخوان لابورتا رئيس برشلونة.

 

حتى أن لابورتا تراجع عن تناول وجبة الغداء التقليدية التي تسبق مباراة الفريقين عادة مع بيريز، كما قرر الأخير عدم حضور المباراة بسبب المشاحنات التي قد يقابلها من جانب الجماهير.