يوسف إدريس يحلل الأساطير المؤسسة للصهيونية

د. يوسف إدريس
د. يوسف إدريس

كتب الدكتور يوسف إدريس الكثير عن بشاعة الفكر الصهيونى المتوحش المتطرف سفاك الدماء، وأحلامه وتوسعاته الاستيطانية وأطماعه التى لا تتوقف فى أرض العرب وليس فى فلسطين فقط، كتب عن نظرية «هولاكو» التتارى فى غزو البلاد وقهر شعوبها، كانت طريقتَه إذا أراد غزو عاصمة كبيرة، يَختار مدينة صغيرة قريبة منها، يقوم جيشُه بمذبحة يُفنى فيها تسعة أعشار سكانها، ويسمح للباقى بالهرب ذُعرًا للعاصمة ليحكوا عن الأهوال التى أفلتوا منها، تصل جيوشه العاصمة ويكون أهلها قد فرُّوا هالِعين أو استسلموا له، فيَستولى عليها دون قتال، والصهيونية اقتبست هذه الطريقة التى اقتبسها هتلر قبلهم، واستعملتها للاستيلاء على فلسطين، كل هذا كتبه د. يوسف إدريس من أحداث حقيقية ارتكبت فيها إسرائيل نفس المذابح ونفس المخطط الذى تقوم به الآن فى غزة بالتطهير العرقى والتهجير القسرى، ولو كان د. يوسف حياً بيننا الآن ما كانت الدهشة ستصيبه بما يدهش البعض لأنه كتب عنه كثيراً.


ويقول د. يوسف إدريس: إنه عندما قرأ كتاب «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» للفيلسوف الفرنسى «روجيه جارودى» وجد فيه ما تصوره سابقاً عن رؤية الصهيونية وأحلامها وتكتيكاتها، وجدها ماثلة كحقيقة وواقعٍ فى كتاب المفكِّر الفرنسى ابن الحضارة المُختلفة الذى لم يُعانِ شخصيًّا من جرائم الصهيونية، وتثبَّت من نفس الأشياء التى تخيَّلتُها أحلامًا غير قابلة للتصديق، ويقول د.يوسف إدريس فى كتابه «فقر الفكر وفكر الفقر»: «يقول جارودى إن للجنرال شارون ماضيًا عريقًا فى الاضطهاد والتعذيب، فهو قائد ومؤسس «الوحدة 101» عام 1953 التى تنكل بأهالى القرى الحدودية، ودفع السكان غير اليهود للرحيل تطبيقًا للعقيدة الصهيونية السياسية، وكانت أولى غاراته على قرية « قبية » فى أكتوبر1954 التى قتل فيها 66 شخصًا ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال، وأثبتَ مراقبو الأمم المتحدة أنهم شاهدوا فى المجزرة أجسادًا مزقها الرصاص فى البيوت التى كانت تَنهار عليهم، وجنود الصهاينة يتجوَّلون فى القرية يُفجِّرون المنازل بالقنابل اليدوية، ويرعبون من فى المزارع.


ويقول د. يوسف إدريس: إن طريقة اليهود فى التعصُّب والعنصرية لحكم العالم تتم بالتسلُّل والسيطرة على أقوى دولة فى العالم، لفرض سيطرتهم الذاتية على العالم كله، لأن مشكلة المؤسسة اليهودية ليست فى الأشخاص، بل فى عقيدة الصهيونية السياسية التى ساروا بها إلى أقصى الحدود، فالمتطرف شيمون بيريز كان من الأتباع المُفضَّلين لـ «بن جوريون»، الذى وضع الخطوط الرئيسية لبرنامج الصهيونية السياسية، ويتساءل د. يوسف إدريس: هل كان بيريز أكثر إنسانية تجاه الفلسطينيين حينما أبدى سخطه فى الكنيست على مسئولية وزير الدفاع شارون عن مذابح صبرا وشاتيلا، وأجابه شارون قائلا: «أين كان الضباط الإسرائيليُّون حينما كان الفلسطينيون يُقتَلون فى تل الزعتر، لقد كنت يومئذٍ يا بيريز وزيرًا للدفاع»، وجارودى أكد أن شارون كان يتباهى بجرائمه قائلًا: «يجب أن نَضرب الإرهابيين بلا هوادة فى كل مكان، أنا أعرف كيف أضربهم لأننى فعلت ذلك، التحرُّك لا يتمُّ فقط بعد قيامهم بعمليات، بل كل يوم وفى كل مكان، إذا وصل لعلمنا أن بعضهم موجود فى أى بلد، فيجب الوصول إليه لكى يختفى أو يتم العثور عليه ميتاً»، وما يقوله شارون هو إرهاب الدولة بمنطق الصهيونية السياسية.


ويقول د. يوسف إدريس على ما جاء فى كتاب جارودى: إن الدولة الصهيونية حينما زُرعت فى فلسطين فهى بلا مشروعية تاريخية وتوراتية وقانونية وأخلاقية، لأنها كيان عنصرى توسعى يمارس الإرهاب، ويحترف التمييز العنصرى والمنهج الاستعمارى القديم.
ويقول د. يوسف إدريس: عن العصابة التى أخذت شكل شعبٍ يَجعل من العهد القديم وطنه الروحى، يُوقف به عجلات التاريخ ويَدفعها كثيرًا إلى الوراء، ويَغتصب بواسطة تعاليمه المزعومة أغلى قطعة فى الوطن العربى، عيانًا بيانًا جهارًا، ويقتل ويسفح دم العرب علنًا أمام الملأ، ويُعربد على ساحة الدنيا دون أن يجرؤ أوروبى أو أمريكى أو أية حكومة غربية أن تقول له: «قف»، وكشف جارودى زيف هذا الكيان وهدم الأُسس التى اتَّخذها لبُنيان نظرية شعب الله المختار الذى يرى أنه أحق بأن يسود العالم ويَحكمه بسيطرته على أقوى دولة فى العالم تعتبره إحدى ولاياته المتحدة وتعينه لكى تُخضع له المنطقة العربية والشرق أوسطية، وتدين له بالطاعة، وتقوم منه إمبراطورية يهودية تتحكَّم فى العالم بأسره، واستطاع اللوبى اليهودى فى كل أوروبا وأمريكا، خلق رأى عام جعل ما يُسَمَّى ﺑ «العداء للسامية» جريمة يستحق أى أحد المحاكمة عليها، فى حين أن الإلحاد فى تلك الدول الكاثوليكية لا يُعتبر جريمة، الرأى الوحيد الذى يُعتبر جريمة بشعة أن يتصدى أحد لأحلام الصهيونية العالمية، أو ينتقد إجرام الدولة الإسرائيلية إذا قرن هذا الإجرام بكونها دولة يهودية.


أليس ما ذكره د. يوسف إدريس فى كتابه المشار إليه هو ما يحدث الآن فى غزة والضفة الغربية بالحرف الواحد، بالتطهير العرقى والتهجير القسرى وإشاعة الرعب بالهدم والحصار ودم النساء والأطفال والشيوخ والشباب المسال على الأرض؟!.
من كتاب «فقر الفكر وفكر الفقر»