«العندليب» يرد على رسالة سجين غزاوى بترنيمة المسيح الفلسطينى

عبد الحليم حافظ غنى للمسيح الفلسطينى
عبد الحليم حافظ غنى للمسيح الفلسطينى

يحدثنا العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فى كتاب «حياتى» للكاتب منير عامر عن رسالة تلقاها عن طريق الصليب الأحمر من سجين فلسطينى يُدعى «عبد الله» من سجن «غزة» المركزى بعد احتلال إسرائيل للقطاع، ويقول نصها: «تحية طيبة وأشواق قلبية أبعثها لكم من صميم قلب إنسان ينبض بالحياة الحرة، أخى العزيز ابعث لك ولجميع الأخوة ألف سلام من وراء قضبان الحديد بعد أن حُكم عليّ بالسجن لمدة 15 عاماً، أرجو من سيادتكم اغنية تعبر عنا، نحن رجال خلقتنا الطبيعة ولله الفضل، من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ونحن رجال صدقنا فيما عاهدنا الله عليه.. اخوكم عبد الله».


ويقول العندليب: «وضعت الخطاب أمامى وأنا لا أعرف كيف أرد عليه، ولا كيف أنفذ ما يطلبه، هل أقول له: إننى غنيت فى لندن أغنية «المسيح»، و«عدى النهار»، هل أقول غنيت كثيراً والانتصار لا تصنعه أغانٍ لكن يصنعه المقاتلون مثله ؟ وكلما وجدت الخطاب أمام عيونى، تنقبض معدتى ويعلو فيها الضجيج، معدة تبدو مزدحمة بالآلام المنهكة، أتناول الدواء، اهرب من غرفة المكتب ويظل الخطاب فى عيونى، أنا وغيرى نمشى، نسافر، نتحرك، لكن هذا السجين أكثر حرية منا، وضع الكلمة جانباً واستخدم المدفع، استطاع أن يجعل العدو يجز على أسنانه وهو يتساءل : أليس هذا أحد المهزومين فى يونيو 67 التى كانت هزيمة بلا قتال؟!.


كنت شبه مقيم فى الإذاعة، أغنى وأقرأ على التيكرز أنباء النكسة، اغنى وكأن الأغنيات وحدها ستحارب، الواقع يقول: إن الأغنية تقود إحساس المحاربين، وعندما لا يوجد من يقاتل تصبح الأغنية كلاماً يعبر عن إحساس لم يتحقق، كنت أقول لنفسى: يجب أن نفعل شيئاً، ولكن هل يستطيع إنسان أن يفعل شيئاً بمفرده؟.


ويقول العندليب: «قررت أن أفعل شيئاً بالسفر إلى الكويت والأردن ولندن لعمل حفلاتٍ لتخصيص إيرادها للمساعدة فى إزالة آثار العدوان، لم أتعب فى حياتى قدر ما تعبت من أجل أن استأذن للموسيقيين وأعضاء فرقة رضا بالسفر للخارج، قالوا: ليس هناك أكثر من اثنين جنيه إسترلينى فى اليوم لكل فرد، استضافتنا الكويت وكان فى العيون عتاب، مصر يجب ألا تُهزم، وكانت عيوننا تقول: إننا لم نُهزم لأننا لم نحارب، كان الغرور الإسرائيلى يملأ كل مكان، كدنا نصدق أكاذيبه عن نفسه، أردت السفر للأردن بعد الكويت لكن الملك حسين قال: إن الظرف غير مناسب، فسافرنا إلى لندن لإقامة حفل بقاعة «ألبرت هول»، كانت العيون تنظر إلينا بالشفقة التى نرفضها، القاعة مزدحمة الجمهور استعاد معى أغنية المسيح ثلاث مرات، والكل يريد أن يصدق أن الصهيونية تصلب العرب فى إجراء غير إنسانى، والبشرية لا تصدق إلا بالرصاص والقنابل، نزلوا أعضاء الفرقة الموسيقية فى فندقٍ رخيص بلا تدفئة، لأن بدل السفر جنيهان فقط، ومهما كانت المتاعب فهى لا تُقدر بمتاعب الجنود.


ويقول العندليب: إنه كان من المُفترض أن يسافر إلى لندن بعد جولته الفنية التى جعل إيرادها للمجهود الحربى لعمل حقن للشعيرات الدموية المُعرضة للانفجار، لكنه أجل موعده مع الدكتور ماكبث عدة مرات فتلقى منه رسالة غاضبة تنذره بضرورة الحضور، ونفهم من كلام العندليب: أن ما يتحدث عنه كان فى شهر أكتوبر 1973 بدليل أنه رد على الدكتور ماكبث الغاضب بتليغراف يقول له فيه: «اسمح لى أن أشهد النصر المصرى»، ومن هذا التليغراف نعرف: أن وقت إرساله كان بعد حرب السادس من أكتوبر المجيدة التى أزالت العار واستردت الكرامة، وما يؤكد ذلك أيضاً أن الدكتور ماكبث طلب من عبد الحليم أن يحضر للندن قبل 11 أكتوبر فى خطاب يقول فيه: « مستر حليم.. إن أردت أن تظل تحت إشرافى، فلا يجب أن تتأخر، لا يجب لأن هناك مواعيد كثيرة لمرضى كثيرين، ولا يمكن أن أكون فى انتظارك كل هذا الوقت، إننى أقول لك: إن الميعاد قد يتأجل سنة كاملة إن كنت سأقبل الإشراف على علاجك»، ورد عليه العندليب ببرقية يقول فيها: «عزيزى د. ماكبث، مصر تنتصر، اسمح لى أن أشهد النصر». ويضيف العندليب قائلاً : « يا عزيزى الفدائى عبد الله الموجود بسجن غزة الكبرى، الرصاص والمدافع وخطوات الجنود تصدق وعدها معك، حريتك جاءت مع حرية الأرض، الأسرى الإسرائيليون بالمئات، صدقت فى عهدك مع الله وصدق الرجال فى عهدهم مع الله واسمح لى أن أهديك الأغنية التى سبقها انتصار الجنود التى تقول كلماتها: «عاش اللى قال الكلمة بحكمة فى الوقت المناسب.. عاش اللى قال للرجال عدوا القنال.. عاش اللى حول صبرنا حرب ونضال.. عاش اللى قال يا مصرنا ما فيش محال.. عاش ليكى ابنك.. عاش اللى حبك.. رد اعتبارك.. خللى نهارك.. أحلى نهار».
عبد الحليم حافظ
من كتاب «حياتى»