رغم الانتفاضة الشعبية في بلدان الغرب| أسرار صمت حكومات الغرب عن جرائم الاحتلال

مسيرة من أجل فلسطين في لندن
مسيرة من أجل فلسطين في لندن

■ كتبت: دينا توفيق

لا تزال غزة تنزف دمًا وتعيش أسوأ أيامها.. يعتصر قلبها على أطفالها وشبابها، شيوخها ونسائها الذين تزهق أرواحهم ثمنًا لحريتهم.. شهداء يتساقطون والجرحى يتزايدون جراء القصف الجوى المكثف على قطاع غزة، الذى قام به قوات الاحتلال الإسرائيلي.. مجازر إنسانية جديدة وجرائم حرب وإبادة للفلسطينيين يرتكبها الكيان الصهيونى وجنرالاته بدم بارد مع تأييد الدعم السياسى والعسكرى المتواصل المقدم من الحكومات الغربية لطفلهم المدلل «إسرائيل» بقيادة الولايات المتحدة وبلدان القارة العجوز، ما أثار تباينًا فى ردود الفعل بين قرارات القادة وشعوبهم، مع خروج آلاف الأمريكيين والأوروبيين لإعلان تضامنهم مع الفلسطينيين وغضبهم ضد قرارات حكوماتهم.

◄ رجل دين حث واشنطن على الدخول فى الصراع مع الفلسطينيين وحماية إسرائيل

◄ الدعم للكيان الصهيونى وهدم الأقصى من ويلسون إلى بايدن

■ مسيرة مؤيدة للفلسطينيين أمام البيت الأبيض

ومن سيدنى مرورًا بلندن والعواصم الأوروبية وصولًا إلى نيويورك، خرجت مظاهرات كبيرة فى عدة مدن أسترالية وبريطانية وأوروبية وأمريكية دعما للفلسطينيين، ولإدانة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» على العقاب الجماعي للفلسطينيين فى غزة.

فيما تستعد إسرائيل لتنفيذ اجتياح برى لقطاع غزة. حيث بدأ الكيان الصهيونى فى حربه اللاإنسانية على غزة، مما أدى إلى قطع الغذاء والمياه والكهرباء عن المنطقة، بهدف تهجير أهلها.

وقد أثار الخطاب الصادر عن الحكومة الإسرائيلية مخاوف من حدوث إبادة جماعية، حيث أصبح 2٫3 مليون مدنى محاصرين فى شريط صغير من الأرض دون أى أمل حقيقى فى الفرار، واحتجزهم الجيش الإسرائيلى كرهائن. 

■ مظاهرات داعمة لفلسطين من سيدني الأسترالية

◄ الاستطلاعات
منذ قصف غزة تعالت الانتقادات ضد تعامل البيت الأبيض وأوروبا مع الصراع فى الشرق الأوسط، وظهر ذلك من التعليقات المعارضة للسياسات الأمريكية والأوروبية وكذلك بعض المظاهرات المؤيدة لفلسطين فى عدد من العواصم، إضافة للانتقادات الداخلية فى الإدارة الأمريكية ذاتها وعبرت عنها الاستقالة التى تقدم بها مسئول بارز فى الخارجية الأمريكية. أظهر استطلاع للرأى أجرته شبكة «CBS» نيوز الأمريكية الإخبارية، عن رفض 56% من الأمريكيين المشاركين فى الاستطلاع لسياسات الرئيس الأمريكى «جو بايدن» فيما يخص التعامل مع الصراع الراهن بين إسرائيل وحماس. ويرى 61% من الديمقراطيين أنه على بايدن بذل المزيد من الجهد لتشجيع الحل الدبلوماسى بعيدًا عن أصوات الحرب. فيما وصلت نسبة رفض الناخبين الجمهوريين إلى 72%.

وأرجع موقع «فوكس» الإخبارى الأمريكي، دعم الولايات المتحدة لإسرائيل إلى قوة العلاقات التاريخية والاقتصادية بينهما. والولايات المتحدة، التى دعمت إنشاء دولة يهودية منذ الحرب العالمية الثانية، هى الشريك التجارى الأكبر للكيان الصهيوني، حيث تبلغ التجارة الثنائية السنوية ما يقرب من 50 مليار دولار فى السلع والخدمات. وعلاوة على ذلك، أكد المسئولون الأمريكيون لفترة طويلة أيضًا أن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل تحمل قيمة استراتيجية باعتبارها قوة استقرار فى الشرق الأوسط، مما أدى إلى إبعاد الاضطرابات التى من شأنها أن تهدد الوصول إلى إمدادات النفط الإقليمية التى تظل واشنطن تعتمد عليها.

وفى عام 2013، قال بايدن، نائب الرئيس آنذاك، «إنه ليس مجرد التزام أخلاقى طويل الأمد؛ بل إنه التزام استراتيجي». وأضاف: «إن وجود إسرائيل مستقلة ومعترف بها من قبل العالم هو فى المصلحة الاستراتيجية العملية للولايات المتحدة الأمريكية. ولو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع واحدة». 

◄ اقرأ أيضًا | باحث بمرصد الأزهر: جرائم الاحتلال هدفها محو الهوية الفلسطينية

◄ السبب الرئيسي
ووفقًا للموقع الأمريكي «Religion Dispatches»، هناك أرواح تُزهق، وعوالم تحطمت، وتهديدات حقيقية بالقتل الجماعى المستمر والموت ضد أهل غزة، كل هذا جزء من واقع جيوسياسى معقد؛ من الاستعمار الاستيطاني، واحتلال الأراضي، والضغوط السياسية، وتاريخ طويل من العنف. لا يستطيع قسم كبير من اليمين المسيحى فى الولايات المتحدة إلا أن يجعل قتل الفلسطينيين - بما فى ذلك الأطفال - يتعلق بهم وبأفكارهم الدينية.

وفى الولايات المتحدة، تعد «إسرائيل» ليست مجرد اصطلاح سياسى فقط بل رمز خطابى دينى يجسد رؤيتهم لنهاية التاريخ وآية لاقتراب الوعد الإلهي، بالإضافة إلى إمكانية ــ من خلاله ــ التأثير على الرأى العام الأمريكي. وظهر ذلك واضحًا على الرئيس الأمريكى «وودرو ويلسون» الذى تأثر بالأفكار الصهيونية، واعتقد بأنه أُعطى فرصة لخدمة إرادة الرب فى تحقيق وعده لليهود. وكان الرأى العام الأمريكى مؤيدا لوعد بلفور. وخلال رئاسة «جيمى كارتر» أكد فى أحد خطاباته أمام الكنيست على أن علاقة واشنطن بإسرائيل هى علاقة من نوع خاص، ورأى أن إنجاز دولة إسرائيل إنجاز للنبوءة التوراتية وجوهرها.

◄ مبعوث الرب
وفى أعقاب الأحداث الأخيرة فى غزة أمضت السيناتور الجمهورية السابقة لولاية أوهايو، «كانديس كيلر»، أيامًا فى إظهار مناصرتها للعنف فى إسرائيل بسبب ما تعتقد أنه يمثله بسبب أفكارها حول نهاية العالم. بشكل متقطع تنشر كيلر رسائل دعم للهجوم الإسرائيلى على غزة إلى جانب المشاركات حول الاحتجاجات المناهضة للإجهاض التى تشارك فيها. إن صوت السيناتور السابقة يمثل حركة أوسع بكثير من المسيحيين الإنجيليين، الذين يدعم الكثير منهم إسرائيل، وتفسيرهم للكتاب المقدس يتطلب إسرائيل، والحرب، والهيكل. موقف كيلر يذكر بحادثة إحراق المسجد القبلى داخل المسجد الأقصى فى أغسطس عام 1969 بواسطة الأسترالى «دنيس روهان» الذى كان ينتمى إلى الكنيسة الإنجيلية المسيحية، ووصف نفسه بأنه «مبعوث الرب» الذى سيهدم المسجد الأقصى ويعاد بناء الهيكل؛ ليخرج المسيح مجددًا مع مجتمع يهودى كما خرج أول مرة قبل ألفى عام. تتمتع الصهيونية المسيحية فى الولايات المتحدة بتاريخ طويل من الضغط من أجل الدعم السياسى والعسكرى الأمريكى لإسرائيل، والذى يمتد لعقود من الزمن.

والعديد من المنظمات المختلفة فى واشنطن تدفع باللاهوت التدبيرى الذى شاع فى كتاب «هال ليندسي» بعنوان «كوكب الأرض العظيم المتأخر»، بأن المسيح الدجال قادم وأن السيطرة اليهودية على إسرائيل واختطاف المسيحيين سيؤديان إلى عودة المسيح، الذى سيهزم الشر. إن التحول من المسيحية الصهيونية إلى العنف المعادى للإسلام ليس مفاجئاً؛ فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، أصبح من المقبول سياسيًا أكثر للقساوسة والسياسيين التعبير عنها بأكثر الطرق عدوانية وانفتاحًا قدر الإمكان، أحد أبرز القساوسة اليمينيين فى الحركة، القس «جون هاجي» من كنيسة كورنرستون فى سان أنطونيو، ومؤسس منظمة «مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل»، الذى لديه تاريخ من التصريحات التحريضية حول مواضيع متعددة، وفقًا لموقع «salon» الأمريكي. وفى مقابلة أجرتها معه مقدمة الإذاعة «تيرى جروس» بالإذاعة الوطنية العامة عام 2006، قال هاجي: «أولئك الذين يعيشون وفقًا للقرآن لديهم تفويض كتابى لقتل المسيحيين واليهود». ولدى هاجى كتاب بعنوان «العد التنازلى للقدس.. تحذير إلى العالم».

◄ بناء الهيكل
ويستمر هذا الخطاب، سواء من هاجي، الذى كان أحد القساوسة الذين تحدثوا فى حفل تعميد السفارة فى مايو 2018، أو من آخرين لديهم الأفكار المتطرفة ذاتها. وقد ولدت هذه النبوءات والأفكار تيارات وفرقًا يمينية متشددة عملت على تسريع المجيء الثانى لليهود ودعمهم لاستيطان أرض فلسطين وإعادة بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى. وكانت هذه التيارات هى التى أظهرت الحلم اليهودى كما أعلن عنه «نتنياهو» نفسه فى خطاب ألقاه سابقًا بأحد المؤتمرات المسيحية الصهيونية.

وتعد المسيحية الصهيونية حركة دينية وسياسية ظهرت وانتشرت فى بعض الأوساط البروتستانتية الإنجليزية المتطرفة، واستطاعت أن تجد أرضية مشتركة مع اليهود تقوم على دعم الحركة الصهيونية اليهودية بشتى الطرق من خلال الضغط على الحكومات الغربية وتوجيه الرأى العالمى لصالحها. وفى عهد الرئيس الأمريكى «جورج بوش» أعلن عن تنفيذه لإرادة الرب بالحروب التى خاضها، وبرَّر سياسته بغطاء دينى وإعلانه الحرب ضد الجماعات المتطرفة.

وكان للرئيس السابق «دونالد ترامب» علاقة وثيقة باللوبى الإسرائيلى وظهر ذلك واضحًا مع الاعتراف بالقدس عاصمة «لإسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق مكتب تمثيل منظمة التحرير فى واشنطن.

وفى الأسبوع الماضي، ألقى هاجى محاضرة قصيرة بعنوان «إسرائيل فى حالة حرب»، حيث روج لسردية الخير والشر، وحث الولايات المتحدة على الدخول فى الصراع، ودعم الادعاءات بأن إيران خططت بالفعل للهجوم. كما دعا هاجى إلى نشر الحرب إلى جميع الدول المجاورة. فيما استغل مؤسس مؤسسة «Turning Point Radio and Television Ministries» «ديفيد إرميا» والمدافع عن لاهوت الإحلال أو الاستبدال، الأحداث للحديث عن رؤيته عن المسيح الدجال والعالم المعاصر، وتحديدًا فيما يتعلق بإسرائيل. وقد تضمن بيانه صلاة من أجل إسرائيل. إنه ليس الإنجيلى الوحيد المؤثر الذى يعتقد أنه لا ينبغى دعم إسرائيل فحسب، بل يجب أيضًا أن يتحول اليهود إلى المسيحية. ولهذا الخط مناصرون آخرون، مثل كبير رعاة جمعية هارفست المسيحية «جريج لوري»، الذى وعظ حول «ماذا تعنى الهجمات الإرهابية على إسرائيل بالنسبة لنبوءة نهاية الزمن».

◄ حرب مقدسة
وعلى قناة «فوكس نيوز» الأمريكية، أعلن الجمهورى «ليندسى جراهام» قائلًا، «نحن فى حرب دينية هنا وأنا مع إسرائيل. افعل ما عليك فعله للدفاع عن نفسك.» وهذا لا يقتصر على جراهام أو على خطاب الإبادة الجماعية المتمثل فى «تسوية المكان».

والمخاوف بشأن الإبادة الجماعية ليست بلا جدوى، نظراً للقصف الجارى على غزة بالفعل، ومخاوف الخبراء. لكن دعوة جراهام المحددة تكشف سبب عزم بعض الفصائل فى الولايات المتحدة على الضغط من أجل ذلك: فهم لا ينظرون إلى هذا باعتبارها مشكلة سياسية طويلة الأمد، بل يريدون حربًا مقدسة.

إنهم، الذين يتحدثون من على المنابر فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة وفى قاعات السلطة، يريدون نسختهم من نهاية العالم، ويريدونها الآن. لقد ظل جراهام يدعو إلى هذا الأمر لسنوات، كمحاولة أن يجعل الحروب والهجمات ضد المسلمين حربًا على الدين، لأن كل ذلك يخدم غاية معينة. إن الدفع الذى يقوم به الزعماء المسيحيون الإنجيليون لجعل هذا الجزء من نهاية العالم لا يتعلق بمحبة إسرائيل أو الحداد على الموتى، بل يتعلق بدعوة رغباتهم الدينية إلى الوجود، وهى الرغبات التى تتطلب العنف والدماء والتضحية بالآخرين.

هناك دائمًا تبريرات تدافع عن العنف الإسرائيلى باعتباره إلهيًا، مثل مطالبة الجيش الإسرائيلى أكثر من مليون فلسطينى لإخلاء النصف الشمالى من قطاع غزة خلال 24 ساعة. وتعرض الصحفيون للقصف على الحدود اللبنانية، وقُتل موظفو الأمم المتحدة، وعجزت المستشفيات عن العمل.

يجد ائتلاف الإنجيل كل هذا طبيعيًا، بل وجديرًا بالثناء، لأنه يناسب إطارهم اللاهوتي. واستطاع صناع القرار داخل واشنطن أن يستغلوا هذا الشعور الدينى بما يخدم أيديولوجيتهم وسياستهم. وتدافع القوى فى الولايات المتحدة عن هذا العنف وتريد أن تستمر الحرب أو حتى تزداد سوءًا. وقد تساعد ثرواتهم وسلطتهم ونفوذهم السياسى فى تحقيق ذلك.