إنها مصـر

«حسبوها غلط»

كرم جبر
كرم جبر

"المساعدات الوحيدة التى يجب السماح بدخولها غزة، هى مئات الأطنان من القنابل من سلاح الجو الإسرائيلى".

هذا هو أقبح ما قيل عن الوحشية الإسرائيلية فى غزة، على لسان وزير الأمن الإسرائيلى المتطرف "إيتمار بن غفير".. ويبدو أنه على "جهل تام" بطبيعة الشعب الفلسطينى وبمسارات الحروب.

فإسرائيل تمارس الوحشية والمذابح والمدافن الجماعية منذ أكثر من سبعين عاماً، متوهمة أن بحور الدم تحقق الأمن، فكان الرد هو "طوفان الأقصى"، وصفعه على وجه آلتها العسكرية لم تأخذ مثلها منذ حرب أكتوبر.

أما مسارات الحروب، فالقاعدة هى "يعرف الجميع من يطلق الرصاصة الأولى ولكن لا يعلم أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة"، وتجارب الحروب فى الماضى والحاضر تؤكد ذلك، وكل الدول التى تصورت أن الحرب أسابيع أو شهور، دخلت ولم تعرف كيف تخرج.

لم تدخل إسرائيل الحرب من أجل غزة بل سيناء، وخيلت لها أوهامها أنها ستقوم بلعبة إلكترونية لطرد الفلسطينيين إلى سيناء لتنعم بعدها بالأمن، ولكنها دخلت مستنقع، وسوف تكتشف أن الثمن الذى تتكبده سيكون كبيرا.

"اضرب، اقتل، دمر، احرق"، فلا يكون أمام أهل غزة إلا الهجرة جنوبا، ولا يكون أمام مصر إلا الإذعان والقبول، وأثبت نتنياهو أنه على "جهل تام" بطبيعة الشعب المصرى الذى يموت جوعاً ولا يفرط فى كرامته الوطنية.

وخرج نتنياهو يهذى بعبارات عدائية بعد فشل مؤامرته الساذجة، وجاءه الرد سريعاً "التصعيد سيقابل مزيدًا من التصعيد"، يعنى اصحى من النوم واغسل وشك وشوف أنت بتقول إيه!

وفشلت التمثيلية البايخة التى تم تجهيزها بمعرفة "غرفة تآمر دولية"، استهدفت تضييق الخناق على مصر اقتصادياً.. ثم ارتكاب مذبحة وحشية فى غزة والوطن البديل مقابل مساعدات اقتصادية.. وحضر المستشار الألمانى "شولتس" يوم الاربعاء الماضى الى مصر لعرض الصفقة المشبوهة، ففوجئ برد فعل عنيف ومخيف وسمع عكس ما جاء من أجله، وانعكس الموقف وعبارات الرئيس العنيفة على وجهه أثناء المؤتمر الصحفى، فى صورة تعبيرات تراجيدية.
وكان المفترض أن تكون الخطوة التالية، بعد نجاح مهمة "شولتس" فى الأردن، بمعرفة "بايدن"، ليبارك صفقة التهجير بالترانيم والابتسامات، ليؤكد عباراته الشهيرة التى قالها لنتنياهو "إن لم تكن إسرائيل موجودة.. لأوجدناها".. وكان الرد هو إلغاء القمة الرباعية، "عد من حيث أتيت".
أعتقد أن كل ذلك لم يحدث بالصدفة، حتى لو استبعدنا نظرية المؤامرة، فلابد من التذكير بما حدث فى آخر شهرين:

ضغوط اقتصادية.. انتخابات رئاسية مصرية.. حملات معادية من البرلمان الأوروبى والكونجرس والبنك والصندوق الدوليين.. تسويق غربى غير مسبوق لتهجير الفلسطينيين.. إعادة طرح سيناريوهات الوطن البديل بغارات وحشية اسرائيلية  "أفلام الرعب".. ثم يأتى "بايدن" إلى الأردن ليقص الشريط.

لن أمتدح رئيس مصر لأن ما فعله فوق عبارات الثناء والمديح، وتوجه زعيماً فوق زعامته، قوياً وغاضباً وجريئاً فى الحق، وواثقاً فى مواطنيه، ومتأكداً أنهم وراءه حين يطلب منهم ذلك فى أوقات الخطر.

نتنياهو ومن معه حسبوها غلط، ولم يعملوا حساب رد الفعل الذى كان أقوى من الفعل نفسه.