«حرية» قصة قصيرة للكاتب حسن رجب الفخراني

الكاتب حسن رجب الفخراني
الكاتب حسن رجب الفخراني

انهمرت الأمطار غزيرة، فغيرت ملامح الشارع ‏إلى كتل من الطين، توارت الشمس، ولم يعد من ذكراها سوي ضباب كثيف وعميق اخترق سماء الشارع بأسره وما يتفرع منه من أزقة وحارات ضيقة وبرغم أصوات المطر الصارخة، اندفعت صرخة مكتومة من إحدى الأزقة ثم شبت عن الطوق وأصبحت كالزلزال، هزت الأرجاء، اقتنصت الوري من سباتهم، كانت مليئة بالألم الفاجع، والوجع وأعقبها صرخات أخري، عرت ما تبقي من سكون لدي الناس وهرع بعضهم صوب الصوت، عله يعي ما يجري وكانت المفاجأة بل الوجيعة التي ألقت بظلالها علي تلك الشقة البائسة بمن يقنطها والصرخات الموجوعة لا تزال كصدي الصوت تضرب جنبات تلك الحارة بل والشارع  كله .

شارع الغلابة

 كانت امرأة لم تتجاوز عقدها الثاني من العمر وبيدها اليمني سكين تنزف منه الدماء. ويدها اليسرى تحمل صغيرا غرقت صرخاته في دوامة الصرخات العاتية وهي تهمهم ولا تعي ما تقول:

 لقد قتلته، كان يستحق ذلك، نعم أنا من قتله أنه لا يستحق أن يعيش، هو أتفه من أن يكون إنسانا لكي يعيش ولذا قتلته.

 كانت امرأة لم يتعد عمرها العشرين، ملامحها صارمة، جامدة، وكأنها قدت من حجر، ملابسها البالية ذات الألوان الغامقة وكأنها مرآة لحياتها، تتحدى كل الجموع بنظرات ثاقبة لا تهتز.

امرأة لم يعد لديها ما تخشاه وأمامها جثة مسجاة لشاب لم يتجاوز عقده الثاني من عمره. يرتدي بنطال ممزق كالح وقميص فقد معظم أزراره وأظهر جسده من الثقوب التي صنعها الزمن به، وأمام باب الشقة الكائنة بالدور الأرضي والتي لا منفذ لها، سوي ذلك الباب الباهت الذي تجمهر خلفه أناس عدة هرولوا من كل حدب وصوب ليعرفوا ما جري خلف دهاليز هذا الباب العتيق وتجمدت العيون حين طالعت تلك الجثة وهالها ما شاهدته، كان قابعا فوق الدماء القانية والمندفعة كالسيل وأمامهم تلك المرأة التي وكأنها أصيبت بمس من الجنون وتلك العجوز التي فقدت النطق ولم تع ما يحدث وكأنها فقدت رونق الحياة لولا تلك العبرات البائسة والخائفة التي تنساب في هلع فوق وجناتها الجافة والتي حفر الزمن عليه بصماته ويديها المرتعشة التي تكاد تمزق ما تبقي لديها من شعر أبيض طاعن في الألم .. كانت أمه.