«الصنف منتهي الصلاحية».. قصة قصيرة لـ محمد محي الدين أبوبيه

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كَوني مندوبة مبيعات عن طريق التليفون بشركة أدوية، صافحت أذني العديد من الأصوات ومزيج من خليط النبرات ما بين الودودة والحادة والغليظة.. محيطي هو جهاز الكمبيوتر الذي أمامي والكرسي الذي يحتضني من الساعة التاسعة صباحا حتي الخامسة مساء، أعود بعدها لمنزلي الصغير منهكة القوى فاقدة الشهية لكل شيء إلا الاستسلام لنوم عميق يسلمني لليوم التالي بلا حِراك

 تتدفق الأحلام الواحد تلو الآخر أعيش فيها حياة أخرى غير التي أحياها. أصحو وقد نسيت تفاصيلها رغم محاولاتي استرجاع خطوطها العريضة بلا فائدة.

مازلت أقاوم توسلات أمي التي تعيش معي بأن أجرب حظي في الزواج مرة أخرى بعد طلاق حصلت عليه بشق الأنفس بعد سنة زواج مرير الأوقات...

كان زميلي في الجامعة لم أعرفه إلا في السنة النهائية برحلة قامت بها الجامعة جمعت الصدفة بيننا حيث جلسنا جوار بعضنا البعض بالقطار الذاهب إلى أسوان ومع طول المسافة تجاذبنا الحديث بكل شيء

لا أنكر أني أعجبت به وبلباقته وطموحه وفرحت عندما صارحني بحبه بعد تعدد لقاءتنا بالجامعة وأحسست بجديته في الارتباط فسمحت لنفسي أن تبوح له بحبي وكان صادقا فبعد انتهاء امتحانات آخر العام أتى بأمه وأبيه وهو وحيدهما وطلب يدي من أمي وأخواي

وتم الزواج وانتقلت إلى بيت أبيه وأمه فلقد اشترطوا أن يكون هو عش زواجنا ووافقت بترحاب فليس هناك لهما بالدنيا إلا هو ويدل تمسكه بالعيش معهما على بره بهما وهو شيء محمود ويدل على أصالته.. كما كنت أظن.

مرت الأيام الأولى ممتعة ليس بها منغصات التي بدأت مع نهاية الشهر الأول فلقد لاحظت أن الآمر الناهي بالبيت هي أمه حتى على أبيه الذي لا يملك من الأمر شيء حتى في مصروف البيت وهو ليس له شخصية أمامها

أما زوجي أو طليقي لا يكسر لها قول ودائما يقدم فروض الولاء والطاعة لها حتى في الأمور الخاصة بيننا

ففي أحد الأيام وكنا بغرفتنا وجدناها تطرق الباب طرقا شديدا لدرجة أننا خشينا أن يكون هناك مكروها حدث لوالد زوجي فقمنا بفتح الباب على استعجال ونحن في وضعية غير مناسبة ولم نلبس ملابسنا بالكامل وإذ بها تدخل وتجلس ونحن مذهولان وعند استفهامنا وجدناها تبتسم وتقول.

(باطمن علي ابني.).. وقامت بجذبه وأخذته إلى غرفتها وأنا متسمرة مكاني لا أدري ماذا أفعل ومكثت على حالتي تلك وأنا بانتظاره ولم يأت حتي اليوم التالي وعندما سألته.. عن عدم مجيئه. لم أجد منه إلا رد مقتضب: (ايه اللي حصل يعني أمي واشتاقت عليا وخذتني نمت عندها..أيه المشكلة..)

أُسقط في يدي.. وحِرت بماذا أرد عليه...ومن تلك الليلة لا يبيت معي بل يبيت في حضن أمه وصار محرما عليه دخول غرفتنا إلا وقت استبدال ملابسه أو خلسة من خلفها.

وأخذت تعتبرني طرفا آخر في مباراة لابد أن تنتصر عليه فجهزت كل الأسلحة وبارزتني بها وأنا عديمة الرغبة في دخول أي نزاع فأردتني طريحة بساط المصارعة من أول جولة.. فانهزمت سريعا

وكانت آخر ضربة قاضية بأنني لا أريد أن أحمل من ابنها وأحضرت الدليل وهو شريط حبوب منع الحمل لا أعلم كيف دسته بين طيات ملابسي.. وكانت محاولاتي بإفهامهم كيف أحمل أو لماذا أستخدم تلك الحبوب ونحن لا نلتقي منذ الشهر الأول للزواج ذهبت أدراج الرياح.. فذهبت لبيت أمي وهذه المرة بلا رجعة

جاوزت تلك المرحلة بعد عناء مضن وكانت فرصة عملي بشركة الأدوية هي قارب رأيت فيه طوق نجاة ولو مؤقتا لأفتح صفحة جديدة.

جاء عملي عن طريق دكتور صيدلي صديق لأخي عندما علم بقصتي اقترح عليه أن أخرج من براثن التجربة باختلاق عالم جديد أتبادل فيه خبرات جديدة.. رفضت بالبداية لكنه أقنعني عند زيارته بالصيدلية لأخذ علاج أمي. فقلت لِما لا؟ وماذا سأخسر.؟

 بالأمس جاءتني مكالمة على الموبايل بنبرة أعرفها وأميزها بحكم خبرتي من عملي ...إنه. د. وليد صديق أخي ومَن أقنعني بالانضمام لسوق العمل. ظننته بالبداية يريد (طلبية دواء).. لكنه بدأ كلاما مغايرا: كنت بالسعودية وتزوجت بفتاة أردنية من أصول فلسطينية كانت تعيش مع أهلها هناك ورُزقنا ببنت وعندما قررت الاستقرار بمصر لأن أخواتي البنات تزوجن وتركن أمي بمفردها  ولكي أراعيها وأفتتح صيدلتي...رفضت فانفصلنا بهدوء ومعها ابنتي.

ظل يتحدث ويتحدث.. وأنا لا يطن بأذني ويدور بعقلي.. إلا كلمة واحدة.. أمي.. مع أنني استرجعت أحلاما كنت رأيتها بمناماتي تتوافق مع حياتنا التي يرسمها لي معه.. ووجدتني كما تعودت من عملي أقول له: للأسف الصنف (إكسبير) منتهي الصلاحية.