«درب طياب» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

 الدكتور فراج أبو الليل
الدكتور فراج أبو الليل

 

ابتسم لها الحانوتي وانتظر الإشارة.. مازالت ترقص.. الفضاء متسخٌ بالحمق.. استدعتني كي نتحاور.. يا لها من داهية.. أتعبت العابرين بجسدها المفتون وتضاريسها المتعطشة.. الأوامر.. تمايلي بغنج وش البركة حتى تمتلئ العيون بالتراب.. نادى عليها.. " صبريّة “.. الليل مازال طويلاً.. أجابت الأرض بتخفيف الملابس.. ازدحم الميدان.. وأنا أتابع الأغاني الرغوية.. والموسيقى بوجهٍ عابس..

 

مالت على بخفة ودلع مبالغ فيه.. لمحت دموعاً متحجرة في عينيها.. انفجر السيد "القرش" غاضباَ.. السماء فارغة من النجوم.. أين ذهبت..  رد عليه أحد رجاله لا أدرى يا سيدي.. أشار إلى.. جريت خائفاً ناحية المقهى الثقافي.. انزلقت قدمي من لزوجة طنطنات المثقفين المائعة بطعم القش المتحلل.. الكلاب مازالت تنبح.. كانت قطط الفنادق تمُوءُ برغبة شرهة..  قط الشارع المظلم يدعوهن للتكاثر.. صيحات كائن البوم كانت عالية.. كتمت صرخات الألم..

هجرت طيور المدينة أشجار الصفصاف.. لم أدر بنفسي تزاحمت علي الضربات في كل أنحاء جسدي المطروح علي الأرض والملطخ بالأغاني المطاطة.. فجأة وجدت رجال السيد "القرش" وجموع المتفرجين.. يسألونني عن النجوم..  تلعثمت إنها هناك في السماء.. الضرب بالأكف والأقدام يعلن قدوم الفجر.. افترشت الأرض مختلطاً بدمائي المتجلطة.. ويد ٌ ناعمة تمسح وجهي.. إنها هي راقصة الميدان.. حملتني حتى بيتها.. الصباح يتلفت هارباً من الليل.. وكلاكسات الحمق تعلن قدوم وقت العمل.. نظرت لها بعين الرأفة.. مازالت تعافر مع الموت..

 

 صرخ الحانوتي أحضروا الكفن وقطرات من عطر الكافور البري.. حملتها على كتفي.. خفيفة بقلبها المغلوب.. ناديت عليها بحرقة..  يا قلباً أتعبه الزمان.. سامحني.. قالت هذا نصف رغيف من الخبز.. ضعه في فم الفقراء في "درب طياب".. قلت الدرب مزدحم بالنساء الجدد.. نساء العفة تسعي للحوض المرصود..  انتشرت أمراض الرغبة بحبات الفول..  أسعار الكلمات باتت باهظة.. كانت تلك آخر كلماتي المسموعة..  ولم أدر بنفسي.. ضربة قوية من الخلف.. تمددت معها في قبر البداية.

اقرأ أيضا | «آخر أحلام البندقية » قصيدة للشاعر غريب الشعراوي