آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن

حامد عزالدين
حامد عزالدين

(إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).

نبدأ بالسؤال الصعب الذى أنهينا به مقالنا الأسبوع الماضى، لماذا استخدم المولى سبحانه وتعالى صيغة فعيل وفعول التى هى نفس الصيغة الذى يستخدمها فى صفات الجمال لديه سبحانه فى وصفه للإنسان؟.. وها هى الآية رقم  72 من سورة الأحزاب يصف فيها الله سبحانه وتعالى الإنسان بأنه «كان ظلوما جهولا»، والصيغة هنا تعنى أنه لا يظلم الآخرين فحسب بل يظلم ذاته، وأنه ليس مجرد جاهل بل إن الجهل جزء من ذاته. وتفسير الأمانة التى خشيت السموات والأرض والجبال من حملها هو حق الاختيار بين الطاعة والعصيان، أو بين الإيمان والكفر والعياذ بالله. وهنا أوضح معنى الفعل عبد واسم الفاعل منه عابد (جمع عباد) وعبد (جمع عبيد) وحامل الأمانة هو العابد فحسب «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا»، ووردت فى القرآن الكريم 79 مرة. والفعل عبد الذى فاعله عابد يعنى أطاع وهو يملك العصيان. أما وصف عبيد فورد فى القرآن 5 مرات فقط  «ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»، فى مواضع تتعلق بيوم القيامة حيث حينها سيكون الإنسان قد فقد إمكانية الاختيار أساسا وصار عبدا يفعل ما يؤمر.

ويؤكد المولى سبحانه أنه حتى فى ذلك الموقف سيتمتع العبد بعدل الله الذى لا يُظلم عنده أحد، فهو سبحانه «العدل» وهى الصفة التى اختار لها المولى سبحانه المصدر الصحيح. وهذا دليل يقينى على الفارق فى المعنى بين العابد والعبد. فالعابد هو مالك أمانة الاختيار بين الطاعة والعصيان من الإنس والجان «َمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».

أما غير صفتى «ظلوم وجهول» فالصفات السلبية فى الإنسان كثيرة، فهو «هلوع جزوع منوع للخير» كما ورد فى الآية:  (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا > إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا > وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا). أى أنّ الله - سُبحانه - خلق الإنسان سريع التأثّر والانفعال، شديد الخوف إن مسّه مكروه، كثير المنع إن نزلت به نعمةٌ، ويُراد بالهَلع الوارد فى الآية السابقة أنّ الإنسان شديد الحزن والخوف إن تعرّض للشرّ أو الضُرّ، كما أنّه ييأس من نَيْل الخير بعد الشرّ، وفى المقابل فإنّه يبخل على غيره إن نال نعمةً أو خيراً. والإنسان كذلك ضَّعيف: فقد قال - تعالى -: (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) والإنسان يتصف بالقَتَر: ويُراد به قلّة النفقة، وقد ذمّه الله فى قَوْله: (وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا).

ومن أكثر الصفات المذمومة فى الإنسان، هو أنه كنود والكنود هو ذلك الذى يتناسى ما عنده من خير بمجرد أن يحل به شيء من المصائب، يقول المولى سبحانه وتعالى: «إن الإنسان لربه لكنود». ويصف الله سبحانه الإنسان بأنه «يئوس كفور» أى كثير الشعور باليأس وهو عكس الأمل، وأنه كفور أى كثير ستر النعم التى وهبها الله سبحانه له: «وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ». 

والإنسان عجول متسرع يجد صعوبة فى مجرد انتظار أن يأتيه الخير. يقول سبحانه وتعالى: «وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا». 

الفهم البسيط لاستخدام صفات على وزن «فعيل أو فعول» لوصف الإنسان، هو أن هذه الصفات المذمومة هى جزء من الجينوم البشرى الذى خلقه «الخالق البارئ المصور»، فهى صفات لكل الناس «من الجنة والناس». وهى بمثابة الاختبار الدائم اللحظى للمخلوقين بها ولامتحان درجة الإسلام لله والإيمان بكتبه ورسله واليوم الآخر. وقد وصف المولى سبحانه وتعالى علاج هذه الصفات القميئة فى كتابه العزيز بقوله: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». فلو قال الإنسان بقلبه ومن قلبه «ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» لهدأ واطمأن قلبه، ولنال درجة عند الله تنفعه يوم الحساب. وهو المعنى الذى ورد فى الحديث الشريف الصحيح: وَلَوْ أَنَّ لَكَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أَنْفَقْتَهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ، أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ».

ولعل وجود هذه الصفات فى الجينوم البشرى، يجيبنا عن سؤال آخر: لماذا خلق الله الشيطان؟»، وهذا موضوع المقال المقبل إن كان فى العمر بقية .