«وهم» قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي

قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي
قصة قصيرة للكاتب أحمد فؤاد الهادي

أصابت التخمة صفحاته على وسائل التواصل المختلفة. رسائل الإعجاب والتقدير تتوالى من أناس لا يعرف عن معظمهم سوى أسمائهم، والقليل جدًّا من المعلومات.

يتنقل بين تلك الصفحات في لهفة، متجوّلا بين كافة التعليقات والرسائل. يقرأ كلًّا منها بنهم، فتتصاعد في رأسه الردود. ولكنه لا يكتب ردًّا واحدًا، يطير إلى تعليق أو رسالة أخرى، سيرد على الجميع بعد أن يستعرض الجميع؛ هكذا قرر بينه وبين نفسه.

يصل هاتفه بالشاحن إلى جواره مطمئنا نفسه إلى عدم انقطاع الاتصال إذا طالت أي من المكالمات. يعود إلى الصفحات، يتنقل بين التطبيقات. بدأ يشعر أن الرسائل التي يراجعها قد قرأها من قبل، لا جديد، ولا طائل من الاستمرار، فقد مر على كل الرسائل والتعليقات، لا يدري كم استغرق ذلك من الوقت، يشعر أنه على أعتاب السعادة، ولكنه لم يدركها بعد.

جرس الهاتف ينتشله قبل أن يسقط في بئر اليأس. يلتقط الهاتف دونما اهتمام باسم المتصل المكتوب على الشاشة. يتحفّز للرد، كمن يعرف المتصل والموضوع، يأتيه من الطرف الأخر صوت فتاة لا يعرفها، يخطف البصر إلى الشاشة، رقم لا يعرفه، يلصق الهاتف بأذنه وقد بدا عليه التوتر، "ألا ترغب في امتلاك فيلا في العاصمة الجديدة؟ نقدم لك عرضا خاصا ...." ولم يمهلها لحظة، أنهى المكالمة وأعاد الهاتف للشاحن.

ولّى وجهه شطر اللاب توب مرة أخرى. يقلب ويتجول، لا جديد ليقرأه، أشعل سيجارة سرعان ما أطفأها بعنف، وكأنه يبثها شيئًا يزحم صدره. هناك من يتصل على الهاتف، بِشْرٌ حَذِر في طريقه إلى وجهه، يقطع المتصل عليه الطريق، شركة الاتصالات تذكره بموعد سداد الفاتورة، يكاد أن يقتله القلق. عاود قراءة بعض الرسائل التي رآها متميزة عن غيرها، كانت كلها مزدانة بالتبريكات والتهاني والثناء عليه وعلى موهبته وإبداعه؛ فحصوله على المركز الأول في مسابقة القصة التي تقيمها هذه الجهة الرفيعة' يعدّ حدثًا ساميًا. منذ أن أعلنت النتيجة أمس رسميّا في كل وسائل الإعلام، والتهاني لا تنقطع.

الهاتف يرقد في أحضان الشاحن صامتًا. تخيله رضيعا على صدر أمه، لن يبكي طالما ينساب الحليب في فمه! وبلا تفكير، ينزعه من الشاحن، ويلقي به أمامه، وهو ينظر إليه في حنق. يعاود تصفّح المواقع، تباطأ ورود الرسائل رويدًا رويدًا حتى انقطع تماما.

كم انتظر هذه اللحظة وتمناها، لقد كتب لأولاده وبعضٍ من أقاربه فور علمه بالنتيجة قبل إعلانها، لم يتصل به أو يكتب له مهنِّئًا أيٌّ منهم!! الهاتف تدبّ فيه الحياة، الإذاعة تود ترتيب موعد للقائه، دون تردد يعتذر، أمام ذهول ودهشة المتصل كان رده: "لقد اطمأننت على عملي، ولكنني لم أشعر بالسعادة بعد". يتناول نسخة من قصته الفائزة، يستل قلمه ويهاجم غلافها، يحفر عليه: فازت القصة وخسر المؤلف.