قضية ورأى

أحكام القانون الدولى الغائبة

د.محمد صافى يوسف
د.محمد صافى يوسف

لعل أهم ما يُلاحظ بوضوح على ردود الأفعال الأمريكية والأوروبية بصفة خاصة فى النزاع المسلح بين الشعب الفلسطينى المحتل ودولة الاحتلال هو غياب الاحتكام إلى قواعد القانون الدولى العام أو حتى مجرد الإشارة إليها، والانحياز الشديد إلى الجانب الإسرائيلى فى ازدواجية واضحة ومعتادة للمعايير، بل وتحريضه على ارتكاب أشد الجرائم الدولية جسامة وخطورة، ومن بينها جريمة الإبادة الجماعية متمثلة فى إخضاع الشعب الفلسطينى فى غزة عمدا لأحوال معيشية يُقصد منها إهلاكه كليا، وجرائم ضد الإنسانية وجميعها جرائم دولية وفقا للمواد السادسة والسابعة والثامنة والثامنة مكرر من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية.


ومن أبرز أحكام القانون الدولى الغائبة عن هذا النزاع الدولى المسلح أن الشعب الفلسطينى شعب محتل من قبل دولة إسرائيل، وأن هذا القانون متمثلا فى ميثاق منظمة الأمم المتحدة وقرارتها والعديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تمنحه الحق فى تقرير المصير، وترخص له على نحو ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2621) الصادر فى الثانى عشر من أكتوبر عام 1970 بأن يقاوم «بجميع الوسائل الضرورية التى يمكن أن يمتلكها ضد قوى الاحتلال التى تعوق تطلعه نحو الحرية والاستقلال».


وتعتبر المادة 1/ 4 من البروتوكول الإضافى الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 المنازعات المسلحة التى تنشأ بين المحتل والشعوب الخاضعة للاحتلال «منازعات مسلحة دولية»، وليست عمليات إرهابية كما يدعون، وهى بذلك تخضع لقواعد القانون الدولى الإنسانى.
وعلاوة على أن الدولة المصرية قاطعة فى رفضها لحل القضية الفلسطينة على حساب السيادة المصرية، وأنه لا عبور لحدودنا من جانب قطاع غزة إلا لأسباب إنسانية ملحة تقدر حالة بحالة وفقا للظروف المحيطة بها، فإن قواعد القانون الدولى تحظر على دولة إسرائيل استغلال النزاع الدولى المسلح الدائر حاليا لإرغام سكان قطاع غزة على انتهاك الحدود المصرية والدخول إلى سيناء، وتحقيق من ثم ما لم تستطع الوصول إليه من خلال ما يُسمى بصفقة القرن التى رفضها باستمرار رؤساء مصر الشرفاء، حيث تجرم المادة 49/1 من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين أثناء المنازعات المسلحة النقل الفردى أو الجماعى للأشخاص المحميين أو ترحيلهم لأى سبب من الأسباب من الأراضى المحتلة إلى أراضى دولة الاحتلال أو إلى أراضى أية دولة أخرى.
وحينما أجازت المادة 49/2 وما بعدها من ذات الاتفاقية لدولة الاحتلال القيام بإخلاء كلى أو جزئى لمنطقة محتلة معينة، فإنها اشترطت صراحة أن يكون الإخلاء داخل الأراضى المحتلة، وأن تفرضه ضرورات حماية أمن السكان، وأن يتم إعادة المرحلين إلى مواطنهم الأصلية بمجرد توقف الأعمال القتالية فى المناطق المخلية، وأن تتوافر أماكن إقامة مناسبة لاستقبال الأشخاص المنقولين، وأن تجرى عملية النقل فى ظروف مرضية صحيا وأمنيا وغذائيا، وألا تؤدى عمليات النقل إلى تفريق أفراد العائلة الواحدة، وذلك يعنى أن عمليات الترحيل القسرى لا ينبغى أن تتم إلا على سبيل الاستثناء وفى أضيق الحدود، ولا يجوز أن تكون إلا داخل الأراضى المحتلة، وهذا ما أكدت عليه أيضا الأحكام الواردة فى المادة 85/4 (أ) من البروتوكول الإضافى الأول لاتفاقيات جنيف الأربع، وجميعها أحكام تنتهكها دولة إسرائيل على مرآى ومسمع من دول العالم التى تدعى التمدن والتحضر، وأمطرتنا وما تزال حديثا أجوفا وزائفا عن ضرورة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس، ومنا من يقيم مع أسف لحديثهم وزنا على الرغم من سوء مقصدهم.
ولا شك فى هذا الإطار أن الدولة المصرية حينما تقرر بشكل لا لبس ولا غموض فيه حظر عبور حدودها من جانب قطاع غزة، فإنها لا تدافع بذلك عن سيادتها الوطنية وأمنها القومى فحسب، وإنما هى تدافع أيضا عن القضية الفلسطينية، وعن حق الشعب الفلسطينى العادل فى الحصول على تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على الأراضى الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهى تعلن فى ذات الوقت عن الاستمرار فى تقديم كل سبل الدعم والإغاثة للأشقاء الفلسطينين، ولكن على أراضيهم المحتلة داخل القطاع، ويمكن فى هذا الشأن أن تنشأ عليها مناطق آمنة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى وكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة والأطفال دون الخامسة عشر والنساء وفقا لما تنص عليه المادة (14) من اتفاقية جنيف الرابعة.