آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: صفات الجمال والجلال لله سبحانه

حامد عزالدين
حامد عزالدين

(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).. والتدبر مفهوم مختلف تماما عن التفكر، فالتفكر هو إعمال العقل المناط به التفكير، أما التدبر فهو مفهوم مختلف تماما وربطه المولى سبحانه وتعالى فقط بالقرآن الكريم. ومعناه هو البحث عن الجذور المختفية لما تقرأ في القرآن. فلا تأخذ المعاني وإنما ابحث وراءها واربطها بغيرها.

والمصدر من الفعل يتدبر هو الدبر ومفرده دابر أي الجذر المختفي. فعندما أسألك: ما الذي أمامك انتظر كثيرا فقد لا يكون ما أمامك شجرة - كما يبدو - وعليك أن تتأكد أنها بالفعل موجودة في الطين وبالتالي لها جذور لكي تستمر في النماء. فقد أقطع غصنا من شجرة وأضعه في وعاء من البلاستيك، فيبدو من الخارج شجرة أو شجيرة وفيما هو غصن مقطوع من شجرة مهما كبر أو صغر. فتمهل قبل أن تجيب واعرف الجزء غير الظاهر. وفي لغتنا العامية نقول «سأقطع دابره» أي سأقضي على ذريته من خلال قتله، وبالتالي سيقطع جذره القابل للنماء وهو النطفة الذكرية في أسفل ظهره. 

وعليه نواصل بالحديث المعاني وراء الصيغ اللغوية التي يستخدمها المولي سبحانه لصفاته جل وعلا في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وتنقسم صفات الله سبحانه وتعالى في كتابه إلى نوعين، هما صفات الجمال وصفات الجلال بمعنى القوة. وسنكتشف أن كل صفات الجمال عند الله على صيغ فعيل «رحيم» أو فعول «غفور» التي يفهم منها أن الصفة هي جزء من ذات الموصوف أزلية أبدية وليست مضافة أو طارئة أو حادثة كغيرها في صفات بصيغة الفاعل أو المفعول أو بصيغ أفعل التفضيل أو صيغ المبالغة على وزن فعّال. فعندما نصف أحدهم بالكامل مثلا، فإن الكمال هنا صفة طارئة مضافة إلى الموصوف فهو عندما وُلد لم يكن كذلك بل بدأ الكمال مع نموه. وعندما استخدم الصفة «أحمد»  وهي أفعل التفضيل من اسم الفاعل حامد، وهي صفة طارئة على موصوفها وبالتالي فأفعل التفضيل ينطبق عليه التوصيف ذاته المنطبق على اسم الفاعل فهو لم يكن حامدا وقت ولادته، وإنما بدأ ذلك بعد زمن عندما بلغ الحلم. 
أما الصفة مثلا في رحيم فإن الرحمة في الموصوف هي جزء منه لا ينفصل، كما هو الحال في الحليم واللطيف والعليم الخبير والسميع والبصير، فالصفة هنا أزلية دائمة ليست طارئة ولا حادثة، فالعلم في العليم هو جزء من ذات الموصوف سبحانه لا ينفصل عنه حتى نهاية الأزل. 
 وهو ذات الأمر في وصف الغفور، فالغفران فيه هو جزء من ذاته جل وعلا غير منفصل عنه، وكذلك الودود والرؤوف، وغيرها من الصفات على صيغة مبالغة المبالغة على وزن فعول . وكأن المولى سبحانه وتعالى يريد أن تطمئن قلوب عباده على أن صفات الجمال لديه سبحانه غير منقطعة بل موصولة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . 

أما صفات الجلال أي القوة لله سبحانه، فهي على وزن فعال مثل قوله سبحانه «وما ربك بظلّام للعبيد» وحتى هذه الصفة نفاها المولى سبحانه وتعالى عن نفسه، بل إن صفة «الجبار» هي على عكس الشائع فهي تعني جبار الخواطر وأصلها في صيغة اسم الفاعل «جابر» وهو كذلك القوي القادر. وحتى في هذا فالمقصود بوجود صفات الجلال إلى جانب صفات الجلال هو تأكيد وشمول القدرة الإلهية. أما الاسم الأعظم لله سبحانه وتعالي فهو الرحمن على وزن فعلان ، ومعناه طلاقة القدرة في الصفة، فهو كما أسلفنا في مقال سابق رحمن للكون كله أرضا وسماء ونباتا وحيوانا، ولذلك فإن هذه الصفة لا تقترن مطلقا سوى باسمه سبحانه «الله».

ولذلك كان بعض العلماء يفسرون وجود الرحمن قبل الرحيم في البسملة بعدم جواز اقتران الرحيم باسم الذات العلية خصوصا أنه منح محمدا صلى الله عليه وصف الرحيم «بالمؤمنين رؤوف رحيم» كما جاء في سورة التوبة في الآية الرقم 128: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). 

لكن اللافت للانتباه أن الله سبحانه وتعالى وصف الإنسان في صفاته القميئة باستخدام صيغة مبالغة المبالغة، لما وصفه بالظلوم الجهول والعجول وغيرها من صفات. فلماذا استخدم المولى سبحانه تلك الصيغة وما المقصود منها. بمشيئة الله نستكمل الأسبوع المقبل إن كان في العمر بقية.