«أعقل مجنون!» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

الكاتب علاء عبد العظيم
الكاتب علاء عبد العظيم

كل من رآه لأول مرة، وهو يتكلم بصوته المرتفع، ولحيته الكثة غير مشذبة، وجسمه الضخم متين البنيان، وقامة مديدة تثير الفزع والرعب في قلب أي انسان.. يتساءل هل هو مجنون أم عاقل.

أنه مصطفى الطويل، الذي دائما يحدق بعينيه الواسعتين اللتان لا تقفان عن الدوران في محجريهما، ويلوح بهراوته الغليظة التي لا تفارق يده.

 

نهض مصطفى الطويل من مقعده حيث كان يقرأ خبرا في صحيفة، وهو جالس يؤدي عمله الحكومي في إحدى الوزارات، ولا يعلم أحد ما هو الخبر الذي قرأه.

 

اخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة، وزمجر، ثم مضى وفي يده هراوته الغليظة وتوجه إلى حجرة الوزير واقتحمها بلا استئذان.

فوجئ الوزير بهرقل ضخم يدخل عليه، وفي إثره سكرتيره لا يدري ماذا يفعل أو ماذا يقول!

صمت الوزير ثوان قليلة وهو لا يفهم ماذا يجري امامه، وكان مصطفى الطويل يصيح فيه:

يأيها الوزير، لقد جئتك مبشرا ونذيرا، مد يدك إلى يدي وهيا نتعاون على محو الفساد الذي عم، والظلم الذي استشرى.

لم يمد الوزير يده إلى مصطفى، وظل مشدوها، بل ضغط بأصابعه العشر على كل ما أمامه من أجراس، وسرعان ما امتلأت الحجرة بالموظفين، والسعاة الذي صاح فيهم الوزير..

كيف يحدث هذا.. أخرجوا هذا الرجل في الحال.

ازداد المحتشدون في تنفيذ أمر الوزير، فقد رفع مصطفى الطويل هراوته الغليظة، مهددا، متوعدا، ثم انقض عليهم وهو يصيح فيهم: يا كفرة.. يا أشرار

 

وكاد أن يهوي بهراوته على رأس واحد منهم، لولا أن قبضت على ساعديه عشرات الأذرع التي حملته خارج الحجرة.

وعلى الفور عقد الوزير اجتماعا سريعا مع مدير مكتبه، وانتهى الاجتماع بقرار، وهو أن يصحب مدير مكتب الوزير، مصطفى الطويل إلى مستشفى المجاذيب لفحص قواه العقلية.

انصاع مدير مكتب الوزير للأمر، وهو لا يدري كيف يقدم على تنفيذه، وخرج إلى مصطفى الطويل، وقال له في ذكاء وخبث، أنه الرجل الوحيد الذي يؤيده فيما قاله للوزير، وأنه من اتباعه، ثم مال على أذن مصطفى وقال له: ما رأيك في أن تأتي معي إلى البيت لتهدي أهلي سواء السبيل؟

 

وافق مصطفى الطويل في الحال، وركب مع المدير "تاكسي" ومضى بهما، ولما وقف التاكسي فوجئ المدير بمصطفى الطويل ينظر إليه بعينيه الواسعتين، ويده قابضة على هراوته وهو يقول: ليس هذا بيتك.. هذا مستشفى المجاذيب!

 

ارتبك المدير.. وأغمض عينيه في استسلام، وأحس برعشة في بدنه، ولكن مصطفى الطويل ربت على كتفه في هدوء وقال له: لا تخشى شيئا، سأدخل المستشفى.. خذ هراوتي وضعها في يدك حتى تتأكد أنني لن أقاومك، كل ما ارجوه منك أن تحفظ كرامتي، وتجعلني أدخل المستشفى باختياري، ووحدي.

قبل المدير، وهو يتنفس بارتياح، وترك مصطفى الطويل يدخل المستشفى بينما كان هو يدفع أجرة التاكسي.

وما إن تقابل مصطفى الطويل مع الطبيب قال له: أنا مدير مكتب وزير.. وزارة....

فرحب به الطبيب، وشرح له مصطفى الطويل أن سبب زيارته للمستشفى أن معه موظفا مجنونا اسمه مصطفى الطويل، وأنه رجل خطر يمسك في يده هراوة غليظة، طمأنه الطبيب قائلا: اطمئن نحن على استعداد لمثل هذه الحالات.

 

ويستكمل مصطفى الطويل شارحا للطبيب بأن هذا الموظف يعتقد أنه مدير مكتب الوزير، ويظن أنه أنا المجنون، واسمي مصطفى الطويل، وفي الحقيقة لم أستطع احضاره إلى هنا على هذا الأساس.

فقال الطبيب ضاحكا: إن هذه الحالات تحدث كثيرا اطمئن.. اطمئن..

 

ودخل المدير في هذه اللحظة، فرحب به الطبيب قائلا وهو يغمز بعينه إلى مصطفى الطويل، أهلا وسهلا حضرة المدير.

فقال المدير وهو يهز هراوته في يده: لقد أحضرت معي الأستاذ مصطفى الطويل لتفحصه.

فقال الطبيب مؤمنا على كلامه.. طبعا طبعا.. سنكشف عليه، وفي أثناء هذا هل تتكرم بإلقاء نظرة على المستشفى يا حضرة المدير..

فقال المدير: بكل سرور

 

وما كاد أن يخرج من حجرة الطبيب حتى انقض عليه أربعة من الممرضين الأشداء، وألبسوه قميص المجانين.

أخذ المدير يصرخ.. ويدافع عن نفسه بالهراوة التي في يده، ولكن كل شيء قد تم في سرعة البرق، وحملوه وهو يصيح: أنا المدير.. أنا المدير..

وخرج مصطفى الطويل من المستشفى بعد أن ودعه الطبيب حتى الباب الخارجي.

ولما علم الوزير بما حدث.. أغرق في ضحك عريض، وقال لمن حوله.. أين مصطفى الطويل.. أريد أن أمد يدي إلى يده فقد أثبت أنه أعقل مجنون!